الثلاثاء 21 مايو 2024

الحب عند الفراعنة


د. محمود المحمدى

مقالات9-2-2023 | 17:43

د. محمود المحمدى

الحب والكراهية من الأحوال النفسيةٌ الوجدانيةٌ التى يصعب على المرء تحديد معناها، وإنما هى من المحسات التى يشعر بهما الإنسان ولا يستطيع التعبير عنها

كلمة حب فى اللغة المصرية القديمة لا تعبر فقط عن العاطفة وإنما كانت تعبر أيضٌا عن العلاقة بداية من الحماية والمحاباة والاهتمام وصولاً إلى الولاء والطاعة

كان المصرى القديم يقدر بيته وزوجته والسعادة الأسرية، فيقول الحكيم بتاح حوتب فى تعاليمه: أحبب زوجتك فى حدود العرف، أو عاملها بما تستحق! 

الحب منحة من الإله، يزرعها الرب فى القلوب، فإذا كان للحب والعشق كلمات لا تستطيع أن تعبر عن الحب والهيام، فالحب كالروح فى الجسد، فإذا ذهب الحب مات الجسد.

 لا شك أنه من الصعب كتابة موضوع عن الحب فى مصر القديمة، ولكن بالبحث عن الحب فى مصر القديمة تبين أن لدينا بعض المناظر المنقوشة على الجدران تعبر عن الحب فى مصر القديمة مثل المشاهد المتواجدة على جدران المعابد والمقابر ولدينا أيضًا بعض النقوش البارزة والقطع الفنيةٌ التى تبينٌ ذلك الحب بين الملك وقرينته وأيضًا يحتوى الأدب المصرى القديم على الكثير من قصائد الحب التى كان العاشقون يكٌتبونها.

فالحُب هو إحساس المودّة الشديد تجاه الآخرين، حيث من الممكن أن يكون الحب ناشئاً عن وجود صلات شخصيّة أو صلة ما مثل حُب الأم لطفلها، أو يكون بين محبين منجذبين لبعضهما البعض، فالحُب يُطلَق على الإحساس الدافئ أو الحماس أو التفاني تجاه فرد أو شيء معيّن.

 وللحب درجات فأول درجات الحب الهوى ثم ينتقل إلى الكلف وهو شدة الحب ثم العشق ويليه الشغف وهو إحراق القلب مع لذه يجدها الحبيب وهو أن يبلغ الحب شغاف القلب التيم أو المتيم، وهو أن يستعبده الحب.
   

والحب والكراهية من الأحوال النفسيةٌ الوجدانيةٌ التى صعب على المرء تحديد معناها وإنما هى من المحسات التى يشعر بهما الإنسان ولا يستطيع القول أو التعبير الصحيح عن هذا الشعور المتداخل.

وسعى المصرى القديم لأن يكون محبوب بين الناس كما أنه سعى إلى حب الإله بصفته الخالق الرزاق والقائد الذي بيده قوة التغلب على المصير فعندما طلب الفقيرٌ من الله أن يرحمه فإنه لا يعترض على قضائه وقدره على الإطلاق.

وعرف المصرى القديم بأن القلب هو مركز الحب لذالك ارتبط مفهوم الحب بالقلب وشبه القلب بالمعبد والحب بالإله وأن الإله لابد أن يكون متواجد بالمعبد لذلك ارتبط المعنى الحسى بالمعنى المعنوي للحب عند المصرى القديم.

كلمات الحب عند المصريين القدماء

ظهرت كلمة حب فى الدولة القديمة بمعنى (مر) حيث احتوت نصوص الأهرام على فعل (مر mri)
  

وعرفت الرغبة أو الحب الشديد فى اللغة المصرية باسم (مروت mrwt)


وعرف المحب باسم (امع) والمحبوبة باسم (امعت) وظل هذا الاسم يستخدم حتى نهاية عصر الأسرات فى الحضارة المصرية القديمة.

وظهرت كلمة الحب فى القلب بمعنى (اما اب) والتى تطورت بعد ذلك إلى كلمة حب فى اللغة العربية والتى ارتبطت بالقلب فكان مخصص الكلمة قلب ولذلك ربط المصريين مكان الحب بالقلب وليس بالعقل.

وكلمة حب لا تعبر فقط عن العاطفة وإنما كانت تعبر أيضا عن العلاقة بداية من الحماية والمحاباة والاهتمام وصولاً إلى الولاء والطاعة. 

وينحصر مصطلح الحب فى اللغة المصرية القديمة على "سعادة شخص ما – يشتاق إلى شخص ما، ويستخدم هذا المعنى خاصة فى المصطلحات الرسمية و تم استخدامه موازي للفعل مدح.

أنواع الحب عند المصرى القديم

وينقسم الحب عند المصرى القديم إلى 6 أنواع فحب الذات أى النفس نوع من أنواع الحب وأيضا حب العائلة والأسرة وحب الوطن والحب العاطفى وحب الإله وحب السلطة وسوف نتناول كل نوع من الأنواع السابقة مع عرض أمثلة له من الحضارة المصرية القديمة.
 

حب الذات أو حب النفس 

يعتبر حب الذات أحد الصفات التى يتمتع بها البشر ويظهر ذلك فى خوف الإنسان على نفسه من الخطر فكل كائن حى على الأرض يحب نفسه ويسعى للحفاظ عليها وعملت التعاليم المصرية القديمة التى تتمثل فى الأخلاق فى تنمية حب النفس ولكى يزيد ثقة الإنسان فى نفسه ويبعد عنه الأنانية.

فجميع النصائح التى تعلمها المصريين القدماء من الأجداد من نصائح بتاح حتب ونصائح الحكيم كاجمنى ونصائح مرى كارع ونصائح انى ونصائح امنوبى عملت على التوازن النفسى للشخصية المصرية القديمة.
فمن تلك النصائح التى تعمل على التوازن النفسى بين حب الذات والغرور أن يعشق الجميع وأن يحب نفسه بكرامة وأن يتوازن فى مشاعره.

حب الوطن 

وعرف الإنسان المصرى القديم حب الوطن وظهر ذلك فى الحفاظ عليه والدفاع عنه وعمل دائما على رفعة شأنه ويتمثل حب الوحب فى قصة الطبيب سنوحى الذى فر إلى بلاد الشام بعد أن ظن أنه سمع مؤامرة قتل

الملك امنمحات الأول ومكث فى بلاد الشام مدة طويلة وظل بها حتى سمع أن ملك بلاد الشام (رتنو) يجهز جيشا قويا به سيوف من الخشب حيث أن هذه السيوف كانت سلاحا جديدا فطغى عليه حب الوطن وأرسل إلى الملك سنوسرت الأول طلب منه الأمان لكى يخبره بشىء ما فقابله الملك وأخبره بالسلاح الجديد وعفا عنه وعاد إلى الوطن مرة أخرى ومات ودفن فى أحضان مصر الغالية.

حب الأسرة وأفراد العائلة

كانت الأسرة فى مصر القديمة متماسكة إلى درجة كبيرة فتظهر مشاعر الحب من خلال النقوش فصورت إخناتون يجلس بناته على حجره ويرفعهن بيده ليقبلهن، وصورت الإخوة الصغار يمسك بعضهم بأيدى بعض.

وأشاد المصرى القديم بدور الأم فى تربية الأبناء وفضلها وحبها إليهم ويذكر الأدب المصرى ما يجب أن يقدمه الأبناء عند الكبر لرد فضل الأم حيث يذكر "ضاعف الخبز لأمك، واحملها إن استطعت كما حملتك، فطالما تحملت عبئك".

وأيضا يوصيه بأن ينتبه إليها "فإذا شببت وتزوجت واستقررت فى دارك، ضع نصب عينك كيف ولدتك أمك وكيف حاولت أن تربيك بكل سبيل".

أما بالنسبه لحب الإخوه فيتمثل فى "نى عنخ شنوم" و "شنوم هو يتب" اللذان تم دفنهما فى مقبرة واحدة فى حضن بعضهم البعض ربما كانو إخوه توأم وتم توضيح ذلك الحب من خلال تقبيل إحداهما أنف الآخر.

حب الإله

أشهر أدباء الفراعنة على الإطلاق هو الملك الفرعون إخناتون، ذلك الفيلسوف المتأمل والزاهد المتعبد، الذي تعتبر أناشيدٌه وأشعاره التى تركها مكتوبة على معابده فى  تل العمارنة بالمنيا تكشف لنا مدى سعة أفق إخناتون فى التطلع والتأمل فى الكون، لقد اشتهر إخناتون بأشعاره المتصوفة حيث يقول إخناتون فى أنشودته الجميلة فى حب المعبود آتون:

"آتون يا أصل الحياة، كم أنت جميل فى أفق السماء، بإشراقك تمتلئ الأرض بوهج سناك، أيها المتألق فى علياء سمائك، وقد انقاد الكل لسلطانك وتربطهم بحبك.

الحب العاطفى 

كانت الزوجة تطلق على زوجها  "هى" باللغة المصرية القديمة وتعنى البعل  أو "نب" أى ولى الأمر و"سن" بمعنى أخ.

وكان الزوج يلقب زوجه بــ "حمه" أى حرمة، و"مِرَة" أى الحبيية، و"سنة" أى الاُخت، و (مر تى) المحبوبة والتى لا تزال تستخدم حتى الآن وتتمثل فى كلمة مراتى أى زوجتى فلا يزال المصرى ينادى زوجته بكلمة المحبوبة حتى الآن، وإذا تحدث  الناس عنها دعوها بلقب "نبت بر" بمعنى ست البيت. 

فالمصرى القديم كان يقدر بيته وزوجته  والسعادة الأسرية فيقول الحكيم بتاح حوتب فى تعاليمه (أحبب زوجتك فى حدود العرف، أو عاملها بما تستحق).

"إذا أردت الحكمة فأحب شريكة حياتك، واعتن بها ترع بيتك، قرّبها من قلبك فقد جعلها الإله توأماً لحياتك، زودها بكسوتها، ووسائل زينتها، وزهورها المفضلة، وعطرها المفضل، كل ذلك سينعكس على بيتك، ويعطر حياتك، ويضيئها".

وتظهر مظاهر الحب فى الأدب المصرى فى بعض رسائل الحب فى تلك الأبيات:

تسكن يدي في يدك، أسير هنا وهناك، وأنا معك في كل مكان بهيج، ويجعلني هو رئيسة السيدات، ولا يسبب لقلبي المرض.

"حبيبتي درة فريدة، هي أكثر جمالاً من كل النساء، جميلة العينين، شعرها أسود فاحم، نحيلة الخصر، سلبت قلبي مع قبلتها".

"مررت بدار الحبيب فوجدت بابها مفتوحا ورأيت أخي بجانب أمه وكل من يرى هذا الشاب الجميل يحبه".

وتتمثل أيضا فى بعض التماثيل كتمثال القزم سنب وزوجته التى يظهر على ملامحها السعادة بهذه الزيجة وأيضا ثمثال رمسيس الثانى وزوجته نفرتارى الذى من حبه لها أهداها معبدا فى منطقة أبى سمبل وكتب على هذا المعبد عبارته الشهيرة: إن هذا المعبد مهداة إلى زوجتى نفرتارى التى من أجلها تشرق الشمس.