قال الدكتور نظير عيّاد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، إننا عندما نتوقف أمام قضايا هذه الفئة المجتمعية من ذوي الهمم ندرك أن لا أرى أن الحديث عنه من باب الرفاهية أو من باب المسائل الهامشية أو الثانوية، وإنما أرى أن تناول مثل هذه القضايا ينبغي ألا يتوقف عن مؤسسة دون أخرى أو جهة دون أخرى؛ باعتبار أن ذلك قد يكون ضرورة حياتية وأخلاقية وبشرية واجتماعية وقانونية واقتصادية وتربوية قبل ذلك وبعد ذلك ضرورة دينية.
أضاف الأمين العام خلال كلمته التي ألقاها في ندوة مجمع البحوث الإسلامية والتي عقدت بعنوان: «دعم ذوي القدرات واجب ديني ورسالة إنسانية»، أنه عندما نتوقف أمام هذا الموضوع سوف نجد أن المطالع للشرائع السماوية يعلم بأنها قد أولت هذا الموضوع موفور العناية، ولا أظن أننا نجد رسالة سماوية قبل رسالة سيدنا محمد قد غضت الطرف عن هذا الموضوع، أو أشارت إليه إشارة عابرة، أو نبهت عليه تنبيهًا ثانويًا، وإنما تقاسمت الشرائع السماوية الحديث عن هذا الموضوع بما ينبئ عن خطورة الإعراض عنه، وينبئ كذلك عن جرم وقبح المتهاون في أدائه كما ينبغي.
وتابع قائلًا: عندما أتوقف أمام بعض الحقوق التي أولتها الشريعة الإسلامية الاهتمام بشكل خاص والشرائع السماوية بشكل عام سوف نجد أن الخطأ ليس في هذه الشرائع –معاذ الله- وإنما الخطأ والخطيئة في الذين يتوقفون أمام بعض هذه النصوص التي وردت في هذه الشرائع، إذ المتأمل فيما جاء في الإسلام يجد أن الحقوق التي كفلها الإسلام للإنسان بشكل عام واحدة، فلم يفرق الإسلام في هذه الجزئية بين صحيح ومريض، اللهم إلا أنه أعطى لهم أي للمرضى جملة أخرى من الحقوق تقديرًا لهم، ورفعًا لمعنوياتهم، وتأكيدًا على شيء من التراحم بين الإنسان وأخيه الإنسان؛ لأن من رفعت منه الرحمة كان كالجماد بل هو أشد، والقرآن الكريم عندما تحدث عن ذلك عندما بين أن هناك قلوب أشد قسوة من الحجارة بل في وصفها بالحجارة ظلم للحجارة؛ لأن الله تعالى يقول : "وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء"، وبالتالي أتوقف أمام الحق الأول ألا وهو الرحمة، التي هي رقة في القلب وإرهاف في الشعور، وإحساس في الضمير، ما يستهدف الرأفة بهم، والتألم لآلامهم، والعمل على مشاركتهم الأفراح والأتراح، وهذا ليس من باب المن أو الفضل وإنما ذلك واجب ديني يلزم عنه نتائج إيجابية في دنيا الناس وأجر عظيم عند الله تعالى.
وأشار عيّاد إلى أنه يكفينا أن نتوقف أمام حقيقة هذا الشخص الذي تنزع من قلبه الرحمة؛ الشقي، والشقي في النار بنص القرآن الكريم، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تُنزَعُ الرَّحمةُ إلَّا من شقيٍّ" ويقول أيضًا: الرَّاحِمونَ يرحَمُهم الرَّحمنُ تبارَك وتعالى؛ ارحَموا مَن في الأرضِ يرحَمْكم مَن في السَّماءِ"، وعندما نتوقف أمام الحق الأول لذوي الهمم والقدرات، ويراد به الرحمة بهم، فهذا ليس من باب الشفقة أو التعطف، وإنما هذا من باب المروءة الإنسانية والشيم التي ينبغي أن يتنبه إليها الإنسان.
وأوضح أن الحق الثاني: التكافل الاجتماعي وهذا خلق أصيل ينبئ عن مجتمع فاضل، وأمة متماسكة، ودولة قوية، لا يُرى فيها تفاوت بين زيد وعمرو، بين صاحب دين ودين آخر، بين إنسان وإنسان آخر، وبما أن التكافل الاجتماعي واحد من هذه الحقوق فنجد أن ذلك قاسم مشترك بين الرسالات السماوية من خلال الدعوة إلى الإحسان بهم والعمل على مشاركتهم والتعاون معهم، بل والعمل على استثمار مواهبهم التي منحوا إياها من الله -تبارك وتعالى-؛ لأن ذلك وفق المنظور القرآني من باب وتعاونوا على البر والتقوى، ولهذا نقرأ في التاريخ أن سيدنا عمر -رضي الله عنه- أولاهم موفور العناية فجعل في الدواوين من يتولى أمرهم ويبحث شؤونهم، ويقوم بتدبير ما يلزمهم.
ولفت إلى أنه لم يقف الأمر عند الفاروق فنرى كذلك في الدولة الأموية من خلال عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- الذي قام منذ اللحظة الأولى بوضع جزء من المال خصيصًا لهم لأصحاب المرضى وأصحاب العاهات والعجز الكلي ثم خصص جزءًا آخر لمن أصيب أو طرأ له طارئ، وهذا ينبئ عن قراءة متأنية لنص ديني أراد الله به أن يتحقق التكامل والتراحم والتكافل بين بني الإنسان، فلا يظن أي إنسان أن الله تعالى أعطاه الكمال، فإذا كان قد وهب الكمال البدني فقد يكون حرم من الكمال العقلي مع أنه ينظر إلى نفسه أرجح الناس فكرًا وأقواهم فهمًا وأوسعهم علمًا، مع أن الأمر قد يكون على خلاف ذلك تمامًا.
واستطرد قائلًا: انظروا معي إلى هذا الجانب الذي يكشف في الحالتين عن عظم هؤلاء وقدرهم واحترامهم، لما خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- مهاجرًا من مكة إلى المدينة، وكانت من عادت أهل المدينة في الطعام لا يجالسون الأعمى أو المريض أو الأعرج ليس هذا من باب النفور أو إعراضًا عن حقوقهم إنما مراعاة لشعورهم، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أمرهم بالمخالطة ونزل في ذلك قوله تعالى: "ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج".
وبيّن أن الحق الثالث: ألا وهو مراعاة الشق الإنساني خصوصًا وأن الناس في مبدأ الأصل الإنساني سواء، وبمقتضى هذا المبدأ يجب أن تراعى الكرامة الإنسانية لذا عندما تحدث الله تعالى عن تكريم الإنسان فكان التكريم لبني آدم دون تفريق بين قوي وضعيف صحيح وسقيم، كل ذلك مراعاة لكل الجوانب الإنسانية النبيلة.