الثلاثاء 14 مايو 2024

موسيقى داعش .. الإقناع بالحرام

23-8-2017 | 16:43

د. ياسمين فراج – كاتبة مصرية

ساهمت التكنولوجيا بشكل أساسي في صناعة ونشر أغنيات جماعات الجهاد الإرهابية والتي كان لها مؤسسات إعلامية تنتجها بأسماء مختلفة بالرغم من تشابه المنتج الغنائي ، وبما أن عناصر الأغنية هي الكلمة واللحن والآداء الغنائي فسوف نحلل هذه العناصر من خلال مجموعة أغنيات منتقاة لمعرفة ماهية صناعة الأغنية عند جماعات الجهاد الإرهابية.

من أبرز الأغنيات التي سلطت عليها وسائل الإعلام أضوائها كانت " نشيد صليل الصوارم - نشيد الإبادة" ومن الوهلة الأولى نجد العنف ينضح من عنوان هذه الأغنية المتواجدة على قنوات اليوتيوب، يبدأ الفيديو الصوتي بالإعلان عن مؤسسة أجناد للإنتاج الإعلامي التي تقدم النشيد ، وهذا يدل على أن هذه الأغنيات لها جهات منتجة وليست من إنتاج أفراد.

يبدأ الكورال بغناء مذهب (مطلع) النشيد كالتالي: "صليل الصوارم نشيد الأباة / وضرب القتال طريق الحياة / فبين اقتحام يبيد الطغاة / وكاتم صوت جميل صداه". بعدها ينقسم النشيد إلى ثلاثة كوبليهات يتكرر بينهم مذهب الأغنية مرات أخرى وهذا التقسيم هو المتعارف عليه في الأغنيات الغربية والتي انتقل إلى الأغنيات العربية الحديثة والمعاصرة ، وهذا يدل على أنهم يتبعون البنية الغربية التقليدية للأغنية في بناء أناشيدهم.

الكوبليهات قام بغناءها صوت رجالي وبالتأكيد تخلل جميع شطرات النشيد كلمات تحث على العنف نذكر منها " وضرب القتال ، فبين اقتحام يبيد الطغاة ، وكاتم صوت جميل صداه ، لضرب الكماه ، لضرب النجاة ، لساح المنايا لحرب عداه " ، كما ظهرت بعض أفعال الأمر ضمن كلمات النشيد مثل " هبوا لضرب ، فقم ياأخيا " ، وشطرات تسفه من قيمة الحياة التي منحها الله لكائناته في هذه الدنيا مثل " فإما حياة تسر الهداة / وإما ممات يغيظ العداه" ، "لساح المنايا لحرب عداه" ، "فمن مات منا فدا عن حماه/ بجنات خلد سيغدوا عزاه" ، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه النوعية من العبارات تتناقض مع قول الله تعالى " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين" البقرة 195.

لحن النشيد وهو العنصر الثاني في أي أغنية فقد جاء في نغمات مقامين الأول هو المقام الذي لحن فيه مذهب الأغنية وكان مقام عجم أو السلم الموسيقي الكبير والتي تتسم تسلسلاته النغمية بالقوة ، والثاني هو مقام كرد وهو من المقامات العاطفية التي تحمل شجناً نسبي ، وكلاهما من المقامات الدخيلة على مصر والمنطقة العربية التي عرفتها من خلال التثاقف مع الدول الغازية والمحتلة لها عبر العصور المختلفة. أما الزمن الموسيقي للنشيد فقد اعتمد على ميزان ثنائي بسيط دون ظهور لنقراته وهو نفس الميزان الذي تصاغ فيه أغلب الإيقاعات المارشية في الجيوش منذُ قديم الأزل.

الآداء الغنائي هو العنصر الثالث في الأغنيات ، وقد تم الاعتماد على آداء مطرب منفرد يقدم صوته تارة في شكل مجموعة كورالية وذلك من خلال قنوات صوتية متعدد المسارات لأجهزة تكنولوجية حديثة ، وتارة أخرى بشكل صوت منفرد يغني لحن واحد في ثلاث مناطق صوتية أو منطقتين (المنطقة الصوتية الوسطى وهي الأساس ، المنطقة الصوتية الغليظة أو الخفيضة ، المنطقة الصوتية الحادة) في محاولة لإثراء اللحن الغنائي الفقير. كذلك ظهر نوع من تعدد التصويت (التكثيف النغمي للمقطع الغنائي أو اللحني الواحد) البسيط في بعض مقاطع النشيد . بما أن هذا النشيد وغيره من الأناشيد المماثلة لتلك الجماعات الجهادية الإرهابية لا تستخدم أية آلات موسيقية فقد لجأوا في هذا النشيد وغيره لأسلوب غناء الآكابيلا وهو نوع من الغناء يستبدل فيه أصوات الآلات الموسيقية بالأصوات البشرية التي يمكنها أن تؤدي بعض الآهات أو أي أصوات أخرى لتكون خلفية مصاحبة لغناء المطرب المنفرد.

والجدير بالذكر أن أسلوبي تعدد التصويت والأكابيلا في الغناء عرفتها الحضارات الأوروبية منذُ القرون الوسطى وما قبلها من خلال الغناء الكنائسي بأنواعه المختلفة ومنه انتقل إلى الغناء الدنيوي.

•       أناشيد التهديد والوعيد :

هناك نوعية أخرى من الأغنيات التي ينتجها إعلام الجماعات الإرهابية تعتمد في مضمونها على تهديد ووعيد وترويع المتلقي ، ومن هذه النوعية نذكر نشيدين ، النشيد الأول بعنوان "أتينا نملأ الآفاق رعبا" والتي ظهرت على قناة "the art man channel" يوتيوب. مذهب النشيد (الجزء الذي يتصدر غناء النشيد) كانت كلماته كالتالي " أتينا نملأ الآفاق رعبا / نصبُ النارَ فوقَ النار صبا / نذيقُ الكافرين حميمَ سيفٍ / وقصفَ قذائفٍ ينهال شُهبا". يتبعه ثلاث كوبليهات نكتفي بعرض كلمات الأول منهم كالتالي " نداء الله نحن له أمان/ لمن لا يرتضي بالله ربا / إذا جاءت جيوش الكُفر تزهو/ أتينا ساهبين الموتَ سهبا / وقمنا ثابتين بكل عزٍ/ لمعمعة لها نشتاق حُبا / فنبقر في بلادِ الكفر نارا / وقصفاً في شوارعهم وضربا".

ومن الواضح تماماً أن هذه النوعية من الأناشيد للجماعات الإرهابية تفصح عن أفكارهم المتطرفة الجامدة ، فالإشارة إلى الكفر والكفار التي تعددت في هذه الأجزاء المحدودة من كلمات الأغنية تعكس نظرتهم لكل المختلفين عنهم في الفكر وليس في الدين فقط . أما الكلمات التي تحث على العنف وتحرض للقيام بالقتل والتعذيب وإثارة الرعب  فالمقصود بها التهديد والوعيد لكل المختلفين فكرياً مع هذه الجماعات الإرهابية والذين لا يستجيبون لمطالبهم السياسية والاجتماعية ، وهذا ما يتناقض مع صحيح الدين الإسلامي ونستند في ذلك على قول الله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا " الأحزاب 69 ، "وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً " الأحزاب 58.

لحن النشيد جاء في نغمات مقام نهاوند أو السلم الصغير كما يطلق عليه في الموسيقى الأوروبية ، تحمل نغماته شجناً نسبي وهو أيضاً من المقامات العاطفية ، وقد عرفته الدول العربية من خلال التثاقف مع دول الغرب الأوروبي ، زمن اللحن جاء في ميزان ثنائي بسيط أيضاً. أما الآداء الغنائي فقد جاء من صوتي رجلين معدَلين تكنولوجياً أي حدث بعض التعديلات التكنولوجية على صوتيهما بحث لا يظهران كأصوات بشرية خالصة ، ظهر أيضا تعدد تصويت بسيط في بعض المقاطع الغنائية مثل كلمة "شهبا" وغيرها ، وأيضا صاحب الغناء آهات من صوت مؤدي منفرد كخلفية بديلة عن عزف الآلات الموسيقية ، في بعض المقاطع الغنائية ظهر الغناء على بُعد أوكتاف (غناء نفس اللحن في منطقتين صوتيتين الوسطى والحادة في آن واحد) كما في مقطع " ألا فليعلم الأجداد أنا/ أشداء نقيمُ الدين نصبا" من الكوبليه الثالث.

ونجد شبكة فلسطين للحوار (الجهاد في سبيل الله) تقدم فيديو صوتي لأغنية يقول مطلعها "قريبا قريبا ترونَ العجيبا / صراعاً رهيبا وسوف ترى" والتي تتشابه في عناصرها الموسيقية مع الأغنية السابقة ، وهذه الأغنية أخذ جزء منها لمصاحبة الصورة في فيديو مذبحة قتل المصريين المسيحيين في ليبيا عام 2015.

•       سمات عامة لأغنيات الجماعات الإرهابية :

-       لوحظ أن جميع أغنيات الجماعات الارهابية تقدم بلغة عربية فصحى بلهجة خليجية ، وهذا لا يعني أنهم بالضرورة من أبناء الخليج فقد يكونون من جنسيات أخرى تمتد إلى بلاد أوروبا ولكن جميعهم يغني بالعربية الفصحى الخليجية.

-       اعتمد صناع الأغنيات الجهادية للجماعات الإرهابية على تقنيات غناء مستنبطة من الغناء الكنائسي الأوروبي والتي أصبحت فيما بعد ضمن تقنيات الغناء الغربي الدنيوي الحديث والمعاصر.

-       ابتعد صناع هذه الأغنيات عن المقامات العربية التي تحتوي على نغمة ثلاثة أرباع التون ، ووضعوا ألحان أغنياتهم في تسلسلات نغمية غربية مثل السلم الكبير والصغير ولا تتجاوز الخمس أو الست نغمات فقط.

-       جميع أغنيات الجماعات الإرهابية تكون في ميزان ثنائي أو رباعي بسيط وهي الموازين المرتبطة بإيقاعات المارشات العسكرية ولكن دون استخدام أي آلات إيقاعية.

-       جميع هذه الأغنيات تقدم بدون أي مصاحبة آلية اعتمادا على بعض الآراء المتطرفة التي أفتت بتحريم المعازف بجميع أنواعها.

 

    Dr.Radwa
    Egypt Air