ينتمي يوسف السباعي، فنياً، إلى الجيل الذي أصَّل الفن القصصي في العصر الحديث، حيث كانت جهود الممهدين السابقين، الذين قاموا بدورهم التمهيدي في سبيل إنشاء فن القصة العربية الحديثة، حتى تسلَّم الراية منهم جيل طه حسين ومحمد حسنين هيكل، وتوفيق الحكيم، وأبو حديد، ومحمود تيمور، والمازني، والعقاد، ويحيى حقي، وأمثالهم، أولئك الذين استوعبوا خطوات السابقين من الممهدين، والمجرّبين، ورواد الفن القصصي، بعلامته البارزة، التي نالت صكّ الاعتراف بالريادة ـ مهما اختلف الدارسون ـ رواية "زينب، مناظر وأخلاق ريفية"، التي ألفها هيكل وهو يدْرس في باريس عام 1912.
السباعي من جيل نجيب محفوظ:
جاء جيل يوسف السباعي، ونسمّيه، فنيا، جيل نجيب محفوظ، نسبة إلى أشهر نجوم الفريق، وأعلاهم شأواً، وشهرة، وقدْراً، هذا الجيل الذي عشق الفن القصصي، وتفرغ له تفرغاً تاماً، وقرأ أبرز آثاره العالمية في لغاتها، أو مترجمة، وأعانتهم الصحافة بمجلاتها وصحفها فنشرتْ أعمالهم، وقد نشأ ذلك الجيل في الثلاثينيات من القرن الماضي، واستحصد عوده في الأربعينيات، وكان يوسف السباعي، وثروت أباظة، وغيرهما من شباب هذا الجيل، الذي نشأ في حقبة شهدت كثيراً من وسائل التطوير والتحول والتجديد ، لا سيما في أعقاب ثورة 1919 كما شهدتْ انتشار فن القصة، وزيادة مطّردة في عدد قرائه، وعدد المهتمين به من الدارسين، وكما تفاعلوا مع ثورة 1919، تفاعلوا مع ثورة 1952، وتفاعلوا مع الحروب التي فرض على مصر أن تخوضها، منذ الحرب العالمية الأولى... إلى ما تلاها من حروب، وتغيرات اجتماعية انعكست على رؤاهم ونظراتهم.
من أبناء هذا الجيل من تخصص في الرواية، ومنهم من تخصص في القصة القصيرة، أو في المسرحية، ومنهم من جمع بين فنين، أو أكثر من هذه الفنون، وكان من هؤلاء يوسف السباعي الذي بدأ الكتابة وهو طالب بالمرحلة الثانوية، وكانت القصة القصيرة الأولى له بعنوان" فوق الأنواء" عام 1934، ثم في مجموعته "أطياف" عام 1947، كما نشر له أحمد الصاوي محمد بمجلته (مجلتي) عام 1935، ومضى يكتب في الفنون الثلاثة، فكتب أكثر من خمس عشرة رواية، ومنها: "نائب عزرائيل"، حيث يقبض عزرائيل الروح عن طريق الخطأ، ويتصادق القابض والمقبوض عليه، في أفكار ومفارقات عن الدنيا والآخرة، و"أرض النفاق"، حيث اقترب من الواقع، ونقد النفاق، وفساد المجتمع، وتضارب المثالية والواقع، والرشوة، في مرحلة الحكْم الملكي و"إنّي راحلة، وبين الأطلال، والسقا مات، والبحث عن جسد، وردّ قلبي، وطريق العودة، ونادية" في جزئين، و"نحن لا نزرع الشوك".
وكتب القصة القصيرة، ومنها مجموعات: "أطياف، واثنتا عشرة امرأة، ويا أمة ضحكتْ، وفي موكب الهدى، ومبْكى العشاق، وبين أبو الريش وجنينة ناميش، والشيخ زعرب، وليلة خمر، وليال ودموع، والعمر لحظة".
وكتب المسرحية، ومنها: "وراء الستار، وأمّ رتيبة، وجمعية قتل الزوجات، وأقوى من الزمن".
كما تحدث عن نفسه فيما هو من فن السيرة الذاتية والمذكرات في: "أيام مشْرقة، وأيام من عمري، ومن حياتي".
كما حملتْ السينما أعماله إلى مشاهديه، مثلما حملتْ المطابع أعماله إلى قرائه.
خصائص فنه وعلاماته:
وفي فنه جمع بين الفصحى والعامية، ومال إلى شاعرية اللغة، وخفة الروح، والمصادفات القدرية، وبدا اهتمامه بالطبقة المتوسطة، وبالأحياء الشعبية، واتخذ الحب الرومانتيكي مدخلاً، والحبيبة الحزينة نموذجاً بشرياً، وبرغم معارضته لفكرة " الأدب الهادف"، تعمق الواقع والتاريخ المعاصر، على مدى ربع القرن، في "رد قلبي"، حيث تصوير مصر من: ظلم واستبداد، منذ الأربعينيات، وفي العهد الملكي وتحت الاستعمار، كما تناول مقدمات معاهدة 1936، والحرب العالمية الثانية، حتى تنظيم الضباط الأحرار، وقيام ثورة 1952، وقد أبدع ذلك من موقع عمله في سلاح الفرسان بالجيش المصري، وتناول تأميم قناة السويس في"نادية"، وانفصال سوريا عن الاتحاد مع مصر في" ليل له آخر".
وقد وظّف السخرية والتهكم في معالجة قضاياه الفنية والاجتماعية، وأظهر الانتماء الوطني لدى شخصياته النموذجية، كعايدة في "إني راحلة"، والجندي في " العمر لحظة"، وبطل "رد قلبي"، وبطلة " العمر لحظة".
تفاعله مع المعاصرين:
أدّى النقد الأدبي دوره في الفنون والعصور، ومن هنا كان التفاعل بين المبدعين والنقاد، وفي ذلك السياق لا شك في أن جيل نجيب محفوظ تأثر بالأجيال السابقة، المعاصرة له، فقد كتب عنه طه حسين في كتابه (نقد وإصلاح)، وامتدحه في الأهرام في 15/11/1952، مثلما كتب عن زملائه. بل عن أبيه محمد السباعي، حتى قال يوسف السباعي عن طه حسين: " كنت لي والداً. بل والداً لهذا الجيل الذي أنتمي إليه".
وقد نقد محمد مندور روايته طريق العودة ورآى في الإهداء في بدايتها " حيلة أدبية... للإيهام بواقعيتها"، فرد عليه يوسف السباعي منفعلاً، وحين انتقد عبد القادر القط ما أسماه ( السلبية في القصة المصرية)، مؤاخذاً أبا حديد، ومحمد عبد الحليم عبد الله، ويوسف السباعي، رد السباعي عليه في الرسالة الجديدة بالعدد 23، فبراير 1956 ص8، كما رد على مؤلفيْ كتاب (في الثقافة المصرية) اللذين قسّما المؤلفين إلي بورجوازيين، وأحرار: محمود أمين العالم، وعبد العظيم أنيس، بمقال عنوانه المقاييس الضيقة، وذلك بالرسالة الجديدة، ع18، سبتمبر 1955، ص3، وقد أطلق عليه توفيق الحكيم " رائد الأمن الثقافي"، كما كتب عنه كل من : عبد الرحمن الشرقاوي، وعلاء الدين وحيد، وحمدي السكوت، ولمعي المطيعي.
وكما تم التفاعل مع الأجيال السابقة، تبادل أبناء الجيل الواحد التأثر والتأثير فيما بينهم، وبخاصة أن واسطة عقد هذا الجيل كان نجيب محفوظ.
وفي سياق هذا التفاعل كتب يوسف السباعي عن أعمال هيكل، ويحيى حقي في مجلات الرسالة الجديدة، التي رأس تحريرها، وفي مجلة الثقافة، كما ناقش قضية الأدب في سبيل الحياة بعنوان ( الإرهاب الأدبي)، مستشهداً برأي عبد الرحمن الشرقاوي.
وفي سياق ذلك التفاعل ، أسهم في بناء صرح الثقافة المصرية، فكان أمينا عاما للمجلس الأعلى للفنون والآداب منذ 1956، قبل أن يتولى وزارة الثقافة 1973، وأسس نادي القصة، وجمعية الأدباء، واتحاد كتّاب مصر، واتحاد كتاب آسيا وأفريقيا، واتحاد الأدباء العرب، وغيرها، وتولى مواقعه البارزة الرائدة في منظمة تضامن الشعوب الأفريقية والآسيوية، ورأس مجلس إدارة روزاليوسف منذ 1961، ومجلس إدارة الهلال 1971، ومجلس إدارة الأهرام 1976، ورئاسة تحريرها، وتحرير آخر ساعة، والمصور، كما أنشا الرسالة الجديدة، وأنشأ مجلات: زهور، والثقافة، ولوتس.
دوره في المجلس الأعلى للفنون والآداب:
قام هذا المجلس بدور عظيم في إثراء الحياة الثقافية والأدبية، برئاسة يوسف السباعي، وفي عهد ثروت عكاشة، وضم قامات من أمثال يوسف الشاروني، مد الله في عمره، وفوزي العنتيل، وكان مقرر لجنة الشعر، وقتها، عباس محمود العقاد، ومعه في اللجنة جهابذة النقد والشعر في مصر، والأهم أن المجلس كان يطرح مسابقة في فنون الأدب المتنوعة في آخر العام الجامعي، ليستعد الشباب لها طيلة عطلة الصيف، ثم توزع الجوائز في حفلات مهيبة، ووقتها ظفر بهذه الجوائز شباب صاروا من نجوم الأدب والثقافة في مصر، بعد ذلك. بل حدّدتْ تلك الجوائز لكثير من المبدعين والنقاد طريقهم في مستقبل حياتهم، وقد كان لي شرف التقدم إليها، لعدة سنوات، في تلك المسابقات، وتسلمْت فيها جوائز عديدة، مازلت أحتفظ بوثائقها الرسمية.
قصصيّ ابن قصصيّ
على أن تأثير أبيه محمد السباعي فيه يتصدر المؤثرات جميعها، ذلك الكاتب الذي يحتل مكانته في عالم الفن القصصي، وله رواية الفيلسوف، ومات الوالد دون أن يتمها، فأتمّها يوسف السباعي، وكتب عنها طه حسين مقدمة للرواية، كما كان محمد السباعي مترجماً قدم للعربية ترجمات كثيرة.
وفي يوم أسود من أيام سنة 1978، وفي نيقوسيا، اغتالت يد الإرهاب يوسف السباعي، وهو يؤدي دوراً من أدواره المتواصلة في الحب والسلام، غريباً عن وطنه، وكأنه يغادر( أرض النفاق)، إحدى رواياته .