فى ثمانينيات القرن الماضى ومع تكرار اغتيالات المعارضة الإيرانية بعد سيطرة آية الله الخومينى على إيران، كتبت مقالا فى «المصور» نبهت فيه إلى خطورة مصطلح «الإرهاب الإسلامي»، وتساءلت لماذا تُنسب جرائم الاغتيالات، التى طالت، تحديدا، معارضى الرجل الذى خلع وصف «الإسلام» على الجمهورية الإيرانية، إلى الإسلام كدين سماوى لا يجوز أن يحتكره أحد.؟.
وأوضحت.. لماذا لا نقول مثلا، الإرهاب المصرى أو اللبنانى أو الإيرانى أو غيره، تبعا لجنسية المنفذين؟.. والحقيقة أن أحدا لم يرد على تساؤلى أو يناقشنى فى أسباب قلقى، بل بالعكس، فقد أخذنا المصطلح كما أنزله من صاغه وملأنا به وسائل إعلامنا.. ويحضرنى مثال آخر، عندما كنت أعمل فى إذاعة فرنسية، هو وصف المنطقة التى كانت إسرائيل تحتلها فى جنوب لبنان، بـ”المنطقة الأمنية!!”، فقد كنت مصرة آنذاك على صياغة الخبر بالإشارة إلى أن الحادث وقع فى الشريط الحدودى الذى تحتله إسرائيل، فى جنوب لبنان وتسمٓيه بالمنطقة الأمنية.. والمذهل أن زميلا لبنانيا عاتبنى قائلا: يا فريدة، كده الوصف طويل جدا وتعبير المنطقة الأمنية أقصر وأسهل !!!غايتنا إذن، الاستسهال.. توقفت أمام انطباعه هذا، وأكدت له أن إسرائيل لم تكن تتمنى أكثر مما قاله.. ولم يستطع أحد أن يثنينى عن استخدام الوصف الصحيح وفضح أكاذيب وألاعيب إسرائيل دون استخدام أية أوصاف أو شتائم.. المهم هنا أن وكالة الأنباء الفرنسية كانت تنشر برقياتها من لبنان مستخدمة عبارة «المنطقة الأمنية»، حتى جاء يوم وحملت برقياتها الوصف الصحيح ،أى، الشريط الحدودى الذى تحتله إسرائيل فى جنوب لبنان.. ولا شك أن سلاح الإعلام لا يقل فاعلية عن أشد الأسلحة فتكًا فى الحروب.. فأنت لا تجد مثلا فى «الصحف الغربية وصف تنظيم داعش الإرهابى إلا بأنه تنظيم الدولة الإسلامية»، ويكفى أن تشاهد مدى الخراب والدمار والوحشية الذى يُحدثه فى كل بقعة وصل إليها، لتدرك، دون أى عناء من جانب أعداء الأمة العربية، مدى فزع المشاهد من كلمة «الإسلام» التى يتدثر بها الإرهابيون ومن يستخدمونهم..
إننا لا نتعب أنفسنا فى تأمل المصطلحات سابقة التجهيز ولا نحاول تحليل مقصدها، بل ننشط فى استخدامها وكأنها كلمات مقدسة لا يجوز أن نحيد عنها قيد أنملة.. وما يدعو للأسف أن العدو يتوسع فى نشر نظرياته ويحقق أهدافه بواسطة أدوات عربية وتنتمى إلى الدين الإسلامى بالوراثة ودون التعمق فى تعاليم هذا الدين العظيم، الذى ظل قرونا طويلة، لا يجرؤ كائن من كان على لصق صفة الإرهاب به..
وقد لعب «رجال الدين» الذين احتلوا صدارة المشهد فى أوائل سبعينات القرن الماضي، شاشات التلفزيون وموجات الإذاعة وصفحات الصحف، والهدف الأساسى، كان، كما أثبتت التصريحات والوثائق، تشويه الهوية العربية، والمصرية أساسا، وضرب كل أسباب التقدم، وحتى التفكير، فى مقتل.. فقد طفت على سطح حياتنا آفة التكفير وترسيخ الفرز الطائفى، من الحضانة وحتى الوظائف الحكومية والعامة، وتفشت فتاوى التحريم تعصف بعقول الشباب، بمصطلحات سابقة التجهيز، مثل اعتبار أنه من «شروط دخول الجنة»، قتل المختلف عنك وتحطيم كل المعالم والصروح الحضارية التى تحدت الزمن، وهو أحد فصول تدمير السياحة، وكأن «إسلاما» جديدا وفد إلى مصر، وما يدعو إلى الحزن العميق، أن تتفشى سلبية قاتلة فى مواجهة هذا المخطط الرهيب، فإذا نطق أحد مفندا ما يقولون أو ما يقدمون، سارعوا بتكفيره وسط صمت مفزع من جانب كل المؤسسات الحكومية والمدنية والدينية.. فلن أنسى يوم قلت فى أحد البرامج بصدد المعارضة المسلحة فى سوريا، والتى وصفوها بأنها مكونة من «الثوار»، منذ سنوات، أن أمريكا لا تسلح ثوارا، بل مرتزقة.. تعرضت لحملة ضارية وظل إعلامنا فى مجمله يقدم الجيش السورى بعبارة «جيش النظام !!»، بينما داعش والنصرة وأمثالهما من المعارضة ساكنة القصور، بـ”الـثوٓار” إلى أن اتضحت الأمور بفضل صمود الشعب السورى وجيشه الذى نسميه فى مصر بـ”الجيش الأول”.. نعم نحن فى حاجة ملحة، وبأسرع ما يمكن، إلى تصحيح مصطلحاتنا على ضوء واقعنا، وليس معقولا أن نرضخ ، بلا وعى، لقتلنا بسلاح الإعلام المضلِٓل، مثل من يعتبرون القتل والتدمير واستهداف قواتنا المسلحة وشرطتنا، حرية!!.. مرة حرية رأى وأخرى حرية فعل.. حتى مصطلح الحرية، قاموا بتشويهه.. فلنلقى فى سلة المهملات بالمصطلحات سابقة التجهيز، ونستخدم عقولنا ووجداننا الوطنى فى صياغة واقعنا كما هو بدون تزييف مقيت..