تجارة السلاح كانت ومازالت تمثل الضلع الرئيسى فى مثلث الرعب والموت فى صعيد مصر فالثأر والسلاح والفقر متلازمة تكمل بعضها بعضاً لترسم اللوحة الموحشة لأرض الموت فالسلاح لم يعد مجرد أداة للقتل والأخذ بالثأر ومحو العار ورفع رأس القبيلة بين القبائل والعائلات والعصابات، وإنما تحول إلى أداة للوجاهة الاجتماعية والتفاخر بين العائلات
السلاح الآلى موضة قديمة والتنافس الآن على اقتناء مدافع الآر بى جى والكلاشنكوف والمتعدد والطبيعة الجغرافية لمحافظات صعيد مصر كفيلة بتوفير المأوى لكافة أنواع الأسلحة خفيفها وثقيلها بعد أن أطبق أخدود البحر الأحمر وسلاسله الجبلية على سكان محافظات الصعيد بداية من أسوان إلى المنيا وحصرهم بين شقى الجبلين الغربى والشرقى دون أن يترك لهم مساحة للتنفس سوى دروب ووديان بين السلاسل الجبلية الوعرة تؤدى إلى كهوف محصنة تأوى من يلجأ إليها ولا يعرف بدايتها من نهايتها سوى عربان متمرسين على الترحال والتنقل ما بين السلاسل الجبلية الممتدة ما بين مصر والسودان من جهة وتربطها بليبيا غرباً من جهة ثانية مغارات الصعيد وجبالها ظلت حكراً على مطاريد الجبل من عتاة الإجرام والخارجين على القانون بداية من محمد هداية خط الصعيد الشهير فى أوائل خمسينيات القرن الماضى والذى اتخذ من جبل «درنكة» بغرب أسيوط مأوى له ورجاله وفشلت كافة الحملات الأمنية فى ذلك الوقت فى اصطياده أو القبض عليه بعد أن أثار ورجاله الرعب فى قلوب أثرياء أسيوط وقراها حتى تم تجنيد أحد أعوانه المحكوم عليهم بالإعدام لقتله وتسليمه مقابل عفو رئاسى عن عقوبته.
ورغم أن جبل المطاريد بأسيوط يعد أشهر المغارات الجبلية الحصينة فى صعيد مصر ومازال يلجأ إليها الهاربون من العدالة من كافة محافظات مصر سواء من الوجه البحرى أو القبلى.. إلا أن مغارات جبال «حمردوم» و «السمطا» و «دشنا» و «أبوتشت» بقنا والشيخ امبادر والبلابيش وأولاد يحيى الحاجر والصوامعة شرق بسوهاج بجانب «درنكة» و «الساحل» وعرب العوامر فى أسيوط وسلسلة الجبلين الغربى والشرقى بالأقصر تمثل حصوناً محصنة ومأوى لمن يخشى القانون والعدالة.
ورغم أن هذه المغارات المحصنة ظلت حكراً على المطاريد الجنائيين من عتاة الإجرام والخطف والقتل والسرقة بالإكراه لفترة طويلة ولم تلجأ إليها العناصر الإرهابية سوى فى حادثة الأقصر الشهيرة عام ١٩٩٧ بعدما لجأت مجموعة الإرهابيين المنتمين للجماعة الإسلامية فى قنا والمكلفين بالتنفيذ إلى كهوف السلسلة الجبلية أعلى وادى الملوك لتنقض على السائحين وترتكب مجزرتها البشعة فى ذلك الوقت وتلوذ بالمغارات الجبلية من حيث أتت بعد انتهاء مهمتها ومنذ ذلك الحادث الشهير الذى استغلت فيه عناصر الجماعة الإسلامية فى قنا مغارات جبال الأقصر لارتكاب جريمتها البشعة لضرب السياحة فى مصر فى ذلك الوقت لم تظهر الجماعات الإرهابية على سطح مغارات الجبال إلا بعد فوضى الانفلات الأمنى فى ٢٥ يناير ٢٠١١ وثورات الربيع العربى فى ليبيا وتونس وبدء تدفق السلاح الليبى عبر الحدود الغربية والجنوبية إلى صعيد مصر بكافة أشكاله وأنواعه وتنتعش تجارة السلاح فى صعيد مصر بداية من بنى سويف والفيوم والمنيا إلى أسيوط وسوهاج وقنا وأسوان ويعرف السلاح طريقه بكميات ضخمة أهالى هذه المحافظات وليس الجماعات المتطرفة فقط ليسجل المضبوط منه طبقاً لإحدى الإحصاءات الأمنية ما لا يتجاوز ١٠٪ فقط مما دخل البلاد فى تلك الفترة.
ورصدت التقارير والمعلومات الأمنية فى الفترة الأخيرة عن اتخاذ الجماعات الإرهابية السهول والوديان بين السلاسل الجبلية الممتدة بين محافظات الصعيد والبحر الأحمر وخاصة فى محافظات أسيوط وسوهاج وقنا والأقصر وأسوان معسكرات لتدريب عناصرها عسكرياً وتكتيكياً بعد تجنيد بعض أبناء العائلات المنتمية لهذه المحافظات وخاصة محافظة قنا فى عناصر الحراك المسلح الإخوانية وتوليهم نقل عناصرها عبر الوديان والسلاسل الجبلية بعد تدريبهم فى المعسكرات الجبلية بأسيوط وسوهاج وقنا وأسوان لتنفيذ العمليات الإرهابية فى الوجه البحرى سواء فى عمليات الاغتيالات لرجال الشرطة والقوات المسلحة والشخصيات العامة أو تفجير الكنائس كما حدث فى البطرسية ومارجرجس بطنطا ومارمرقس بالإسكندرية والتى تولى قيادتها الإخوانى حلمى سعد المسئول عن نقل المجموعات المتطرفة بين الدروب الصحراوية عبر الحدود الجنوبية للبلاد لإلحاقهم بمعسكرات التدريب على تنفيذ العمليات الإرهابية وتصنيع العبوات الناسفة والذى تم استهدافه مع ٧ من أنصاره أثناء تدريبهم بإحدى المناطق الجبلية بين سوهاج وسفاجا وقتلهم بعد تبادلهم لإطلاق النار مع قوات الأمن.
لجوء العناصر الإرهابية إلى سلاسل جبال الصعيد ومغاراتها المحصنة فى تدريباتهم وتنقلهم لتنفيذ جرائمهم بعد تجنيدهم للعناصر الخطرة من أبناء الصعيد بقيادة الإرهابى الهارب الشهير «عمرو سعد» الشهير بـ” عمرو الشويجي» الذى قام بتدريب عناصره فى معسكرات النصرة حتى يتشربوا الفكر الداعشى بسوريا قبل استقدامهم مرة أخرى لمصر ليتولوا تدريب العناصر الإرهابية فى الداخل على القنص وتصنيع المتفجرات، وتنفيذ العمليات الإرهابية يمثل نقلة نوعية خطيرة فى مواجهة هذه الجماعات خاصة أن المغارات والكهوف الجبلية كانت حكراً على عتاة الإجرام الجنائى من قتلة ومارقين ولصوص وقطاع طرق وهو ما يمثل اختلافاً أيديولوجياً كان يتعارض تماماً مع ما كان يدعيه أعضاء هذه الجماعات من قبل أن تنكشف حقيقتهم وأهدافهم الحقيقية للبسطاء والعامة قبل الخاصة وتحالفهم مع الشيطان لهدم أوطانهم.
لم تعد مملكة الذئاب فى حضن الجبل خاصة بالفارين من الظلم والمارقين على القانون وإنما انضم إليهم الآن الإرهابيون وأعداء الحياة حياته ذاتها.