مؤخرا، حظرت الهيئة العامة للغذاء والدواء السعودية استيراد بعض أنواع السمك البلطى والبورى من مصر، كإجراء احترازى منذ بداية أغسطس الحالى بسبب تلوث تلك الأسماك ومن ثم فقدت مصر تصدير ٤٠ طن سمك من النوعين على الأقل إلى السعودية، علما بأن سعر الكيلو السمك البلطى المصرى يتم تصديره للسعودية بنحو ٢٩ ريالا وكيلو السمك البورى بنحو ٣٠ ريالا.
وقد قامت الهيئة السعودية بسحب عينات من أسواق البيع المركزية فى جدة وثبت تلوثها بعد إجراء التحاليل اللازمة.
المؤكد إن قرار حظر استيراد الأسماك من مصر، ليس له أى سبب سياسى، فالعلاقات أفضل ما تكون بين البلدين.. لكن الحظر السعودى جاء فقط لأسباب تتعلق بالتخوف من تلوث الأسماك المصرية المصدرة إلى السعودية.. وهنا لا يمكن أن نلوم السلطات السعودية فى هذا القرار بل نلوم أنفسنا فى مصر.
فهناك معلومات أخرى تتردد بقوة أن أسماك البلطى، التى تمت تربيتها فى مزارع الأسماك بمصر تتم تربيتها وتفريخها اعتمادًا على هرمون «التستوسترون» رغم حظر استخدامه فى مصر طبقًا للقانون رقم ٢٦٧٥ لسنة ٢٠٠٣ الذى يمنع استخدامه للحصول على ذكور أسماك البلطى فقط. .وثبت أن استخدام هذا الهرمون يتسبب فى إصابة مستهلكى أسماك البلطى بالخلل الهرمونى، حيث يترسب هذا الهرمون فى جسم الأسماك، وينتقل إلى من يتناولونها.
وهذا يعنى أن المزارع السمكية التى يصل أعدادها بالآلاف وتنتج ٧٠ بالمائه من الأسماك فى مصر لا تخضع لأى رقابة أو تفتيش.. ومن هنا فإن قرار الحظر السعودى لاستيراد الأسماك من مصر يفجر قضية الغذاء الآمن فى مصر، متجاوزين بذلك قضية ارتفاع الأسعار، ومن ثم لا يعقل أن يكتوى المصريون بنار الأسعار، ويدفعوا أسعارًا غير معقولة فى غذاء فاسد غير آمن ولا تتم مراقبته ليس فى الأسماك فقط ولكن فى الدواجن والفاكهة واللحوم أيضا.
وهنا السؤال إذا كانت السلطات السعودية قد أخذت الحظر حماية لصحة المواطنين السعوديين.. فماذا فعلنا لحماية صحة المواطنين المصريين من أى غذاء غير آمن، يتم إنتاجه وزيادة وزنه بالهرمونات القاتلة أو الكيماويات، التى يتم التجاوز فى نسبتها خاصة فى الخضراوات والفاكهة والمحاصيل المختلفة.
من الأسماك تنطلق الصرخة، فقد أصبحت المزارع هى الأساس فى إنتاج نحو ٧٠ بالمائه من الإنتاج فى مصر، وأصبح الاعتماد فى معظم منافذ بيع الأسماك بما فيها السوبر ماركت ومطاعم الأسماك، الاعتماد على الأسماك المنتجة فى المزارع التى يمتلك معظمها أصحاب ذمم خربة، يقومون بتغذية الأسماك بالهرمونات، ومن ثم أصبح غير معروف فى الأسواق ما هى الأسماك الآمنة صحيا رغم أسعارها المشتعلة.
وإذا كانت الأسماك، التى يتم تصديرها ملوثة، كما أعلنت الهيئة السعودية، فماذا يكون عليه تلوث الأسماك التى يتم طرحها فى الأسواق المصرية.
المستهلك المصرى العادى يشترى ولا يعرف ما هو الآمن صحيًا وغير الآمن؟ ولا يعرف ما هو الذى يتم إنتاجه فى المزارع أو الذى يتم صيده من البحر، والذى أصبح قليلًا.
والمخيف فى أسواق الأسماك سواء فى سوق العبور أو غيره على مستوى الجمهورية، من الصعب أن يتم التعرف على أن هذا السمك الملوث قد تمت تربيته فى مزرعة من؟ فهذه هى طبيعة تدوال الأسماك فى مصر.. ومن ثم فإن المراقبة الجادة لاستخدام الهرمونات فى تربية الأسماك ينبغى أن يكون دوريًا وجادًا فى مزارع الأسماك، حيث لا يصلح معها تحليل الأسماك فى منافذ البيع أو محلات السوبر ماركت.
ويقول واقع الحال، لما هو متدوال فى الأسواق، وما نسمعه فى حلقات السمك بأن معظم أسماك المزارع تتم تربيتها بالهرمونات القاتلة لتسريع دورات الإنتاج وزيادة الأرباح، ولتذهب صحة المصريين إلى الجحيم.
كما أن الواقع فى أسواق السمك الآن، أنه فى يد القطاع الخاص بنسبة تزيد على ٪٨٥ ولا يوجد فى أيدى الدولة سوى نسبة قليلة اعتمادا على بعض أصناف الأسماك من بحيرة ناصر، ولا تعرف حتى الآن بما ساهمت المزارع، التى أعلنت عنها من طرح أسماك آمنة فى الأسواق.
وحتى لو أصبح لها تأثير فلا بديل عن رقابة فعالة على المزارع السمكية بعقوبات رادعة حتى تتم تربية الأسماك بأسلوب صحى يؤدى إلى إنتاج أسماك غير ملوثة خاصة للأسواق المحلية خاصة أن هناك تقارير أن أكثر من ٦٠ بالمائه من أسماك البلطى تحديدًا تتم تغذيتها فى المزارع المنتجة على الهرمونات القاتلة.
ما يحدث فى مزارع الدواجن «لا يختلف كثيرًا عن مزارع الأسماك، فالهرمونات هى الأساس فى تغذية الدواجن خاصة هرمون الأستروجين، وكذلك حبوب منع الحمل، وكذلك هرمونات الأستروبد، التى تساعد على تسارع نمو الكتاكيت.. إضافة إلى خلط بعض المواد الكيماوية بخلطة أعلاف الدواجن.
ويتم ذلك فى المزارع بهدف زيادة وزن الدواجن فى وقت قليل لتحقيق مكاسب سريعة فى أقل وقت.
ورغم أن الأطباء ينصحون بعدم تناول جلد الدواجن والأكباد والقوانص، فالأمراض التى تهدد الإنسان المصرى من تلك الدواجن عديدة سواء للأطفال أو الكبار خاصة الإصابة بالعقم لدى الشباب وأمراض الفشل الكلوى والسمنة وأمراض القلب وغيرها.
ونفس الحال لا رقابة على مزارع الدواجن، رغم إمكانية الوصول إليها بسهولة، وإن كان تداولها فى محلات بيع الدواجن يزيد من صعوبة المراقبة.
ورغم انطلاق التحذيرات منذ سنوات حول الأساليب القاتلة والفاسدة فى تغذية الدواجن، إلا أن الظاهرة فى تزايد فى وضح النهار، والمصريون هم الضحية، حيث لا توجد أية عقوبات رادعة.
نفس الشىء ولكن فى مزارع العجول والماشية والتالى لم تنج اللحوم الحمراء من ذات الظاهرة، حيث يقوم بعض أصحاب مزارع العجول بحقنها بالهرمونات أيضًا خاصة الهرمون الأنثوى «الأستروجين»، وأن كان هذا يتم بوضوح فإن هناك من يتحدث عن لحوم مستوردة بالهرمونات أيضًا فى البداية والنهاية فإن استخدام الهرمونات الأنثوية فى تربية العجول هو الهدف منه زيادة معدلات التسمين وزيادة الأوزان فى أقل وقت وبأقل تكلفة وزيادة الأرباح على حساب صحة المصريين، التى تصل إلى عقم النساء وانتشار الأمراض السرطانية، خاصة لدى الأطفال، كما تصاب الغدد الصماء للأطفال بمشاكل صعبة .
المهم، كما فى الأسماك والدواجن أصبحنا إزاء ظاهرة اللحوم المهرمنة التى تفتك بالمصريين.
وبالنسبة للفاكهة والخضراوات، فإن استخدام الهرمونات يتم بشكل أفظع لزيادة الحجم والإنتاج وسرعة النضج.
وهذه الهرمونات، يستخدمها أصحاب المزارع الكبيرة بشكل أساسى خاصة للمنتجات التى يتم طرحها فى الأسواق المحلية.. حتى أننى عندما فكرت فى شراء بطيخ وخوخ هذا الموسم، حذرنى صاحب مزرعة، طالبا منى أن أكون حذرا فى الاختيار لأن بعض الأنواع الآن يتم إنضاجها وزيادة وزنها بالهرمونات والكيماويات .
ومع ذلك لا يوجد أية مراقبة لتلك المزارع، التى تطرح إنتاجها فى الأسواق بعبوات تحمل اسمها، ولا مراقبة لأسواق الجملة، التى ينطلق منها الخضراوات والفاكهة إلى أسواق التجزئة فى أنحاء الجمهورية.
وإن كان حجم وطعم الفاكهة والخضراوات قد تغير بفعل استخدام تلك الهرمونات المتداولة فى الأسواق، فإن الأمراض الناتجة عن ذلك لا تعد ولا تحصى بداية من الإصابة بالإسهال ونهاية بالسرطان.
ولعل طبيعة الإنتاج والاتجار فى الخضراوات والفاكهة فى الأسواق المصرية قد ساعد على غياب الرقابة، وتفشى الظاهرة بصورة خطيرة والإضرار بصحة المصريين.
ذلك هو الوضع السائد فى تلك الأسواق المصرية، ولا بديل أمام المستهلك المصرى سوى الشراء خاصة من جانب الأغلبية من المصريين الذين يأكلون غذاء غير آمن، بينما الأقلية الغنية قادرة على شراء الغذاء الأورجانيك وكذلك الأغذية المستوردة الآمنة التى أصبح لها تجارة رائجة فى مصر، وكذلك محلات متخصصة كل هذا يحدث ولا توجد عقوبات رادعة فى حين تصل العقوبات بالخارج لعدم إنتاج الغذاء الآمن إلى ما يعادل عقوبات جريمة القتل وليس الغش التجارى.
وإذا كان الكل قد تعايش مع ظاهرة الغذاء غير الآمن، الذى يصيب المصريين بالعديد من الأمراض، وما يتبع ذلك من إنفاق مئات الملايين من جانب المصريين على علاج تلك الأمراض.. هذا فقط بل إننا إزاء ظاهرة أو من خلال ميزانية وزارة الصحة ماليس، وتؤدى إلى خلق أجيال ضعيفة صحيًا غير قادرة على الإنتاج والتفكير والإبداع على المدى المتوسط والطويل.
إننا إزاء ظاهرة أوجدت سمعة غير جيدة للغذاء المصرى ومن ثم التأثير على صادرات المنتجات المختلفة، وأمامنا هذا الأسبوع القرار السعودى بحظر استيراد الأسماك، ومن قبل السودان بحظر استيراد الخضراوات والفاكهة ووقائع كثيرة حدثت بالفعل.
إننا إزاء ظاهرة الهرمونات القاتلة لسمعة الغذاء المصرى إزاء ظاهرة الغذاء غير الآمن الذى يهدد حياة المصريين، والذى يدفع فيه المصريون أسعارًا ملتهبة، لكن لا ضمير لمن ينتج هذا الغذاء.
أننا إزاء ظاهرة فساد مخيفة فى عدم الرقابة على إنتاج الغذاء غير الآمن والذى يعتمد على الهرمونات بصورة جنونية.
ظاهرة فساد، تقول لا رقابة وإن حدثت فإنها تكون شكلية بسبب الفساد أيضا، وليس أدل على ذلك مما يملأ الأسواق من تلك الأغذية المهرمنة، ولم تخرج علينا أىة جهة حكومية تكشف من يفعل ذلك، ولم نجد أية جهة حكومية تتصدى لهذا العبث القاتل فى إنتاج الغذاء غير الآمن. ولم نسمع عن عقوبات رادعة لمن ينتج بالهرمونات ولمن يبيع تلك الهرمونات القاتلة، وأعتقد أنه لا توجد أية جهة فى مصر تعرف مكان بيع تلك الهرمونات ومصدرها سواء كانت محلية أو مستوردة.
وتلك تجارة أخرى ينبغى تقنينها إذا كانت هناك أراء علمية تقول ذلك.
لدينا وزارات زراعة وصحة وبيئة وداخلية ورقابة إدارية، لكن الغذاء غير الآمن هو الأساس والهرمونات القاتلة دون أن نسمع رأىًا علمىًا هى السلاح الذى يتم استخدامه لقتل المصريين ببطء.
إذا كان المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء قد أصدر مؤخرًا قرارًا بتشكيل الهيئة المصرية للغذاء ..فهل يمكن لهذه الهيئة أن تتصدى لظاهرة لسلامة الغذاء غير الآمن والهرمونات القاتلة ؟.. ثم أين القوانين الرادعة؟ لأن هذا يؤدى إلى إهدار المليارات ومن قبلها التضحية بصحة المصريين.