الجمعة 17 مايو 2024

د.هدى بدران : مافعلته تونس تجديد حقيقى للخطاب الدينى

26-8-2017 | 15:59

حوار تكتبه: إيمان رسلان

لابد أن يكون المعيار عند التطبيق واحدًا فلا يمكن أن نبطل حد قطع يد السارق كما فعل عمر بن الخطاب ونرفض فى جزء أو تطبيق آخر هكذا تحدثت د.هدى بدران رئيسة الاتحاد العام لنساء مصر، وقالت إن الدين الإسلامى دين عقل ومنطق والرسول «صلى الله عليه وسلم» قال «أنتم أعلم بأمور دنياكم».

وما اقترحه الرئيس التونسى السبسى أرى أنه يناسب العقل والمنطق بل والشريعة ولذلك أيدته دار الإفتاء بتونس وقالت إن ذلك يكفى لتكون قرارات السبسى تتواءم مع الشريعة وهذا هو التجديد الدينى الذى ننشده، بدران أكدت أن الصراع ليس دينيًا وإنما هو سياسى وثقافى للسيطرة على المجتمعات والوصول إلى الحكم وعودة الخلافة.

كيف ترين ما حدث فى تونس وطرح الرئيس السبسى حول مساواة الرجل والمرأة فى الميراث؟

بالتأكيد أؤيد ما تم الإعلان عنه فى تونس بل أرى أن هذا من جوهر الشريعة الإسلامية.

كيف ذلك؟

أقصد أنه حتى فى وجود النص كما فعل سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه أوقف الحد لأن الظروف الاجتماعية والاقتصادية لم تكن تسمح بتطبيق حد السرقة إذن الفاروق عمر وهو الذى اشتهر بعدله وكان ثانى خلفاء المسلمين والمقرب من الرسول «صلى الله عليه وسلم» أوقف تطبيق الحد، أيضا القوانين الوضعية الآن فى مصر تجعل عقاب السارق ليس قطع اليد إذن هنا أيضًا أوقف العمل بالنص وكذلك الأمر ينطبق على الآية «وما ملكت أيمانكم» وحاليًا لا يمكن تطبيقها لأن الظروف الاجتماعية تغيرت إذن علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا إما أن نأخذ ظاهر النص ولا نعود إلى التراث أو أقوال الصحابة وغيرهم أى نجرم ما فعله عمر بن الخطاب أو نفعل مثلما فعل ونقول إن الظروف تستلزم هنا أن نأخذ بالمضمون العام وجوهر الدين وسماحته وعدالته.

فى قضية الميراث وهى الاكثر تعرضًا للانتقاد حتى إن البعض اتهم السبسى بالخروج عن النص الصريح؟

لقد سمعت من بعض رجال الدين أن فلسفة تقسيم الميراث تقوم على فكرة ومبادئ الإعالة بمعنى المسئولية داخل الأسرة، إذن لو تغير هذا المبدأ أو الظروف التى كانت فى الماضى فلابد هنا وأن يتغير معها التوجه والأخذ بظاهر النص والآن فالمرأة هى مصدر للدخل والصرف فكيف سنطبق هنا مبدأ الإعالة وهو بالفعل قد كسر وهزم لأن المرأة هنا هى التى تعمل وتعول الأسرة بأكملها من أولاد وزوج وتصل إلى الام والاب أيضًا اذن علينا هنا أن نتحاور كيف سنعطى للرجل وهو لا يعول ولذلك أرى أنه لابد أن تكون قاعدة القياس والاستنباط واحدة فاذا كانت الظروف لا تسمح بتطبيق حد قطع يد السارق فيجب أيضا الاستنباط بعدم الأخذ بظاهر النص أى لا يكون هناك تناقض فى القياس نأخذ ما يناسبنا ونترك الجزء الآخر.

بل إن الرسول نفسه كرس قاعدة «أنتم أعلم بأمور دنياكم» ولم يتمسك برأيه وأعطى درسًا بليغا «صلى الله عليه وسلم» فى ضرورة الفهم والاجتهاد والاستنباط طبقًا للأحوال والمعارف.

وكيف تفسرين إذن هذه الهجمة الشرسة خاصة هنا فى مصر وفى الأزهر على ما أيدته دار الفتوى التونسية؟

تفسيرى أننا حينما أبطلنا تطبيق حد قطع يد السارق كان الفعل فرديًا وانتهى الموضوع، ولكن تغير الأوضاع المادية مثل الميراث بمعنى أننا هنا سوف نأخذ من حقوق الرجل هنا تغيرت النظرة وبدأت المقاومة الحقيقية لأننا هنا نغير فى أموال.

والدفاع هنا هو دفاع عن حقهم فى الأموال وليس لسبب آخر وأنا شخصيًا أرى أن الدين الإسلامى. وأنا مسلمة، سمح للغاية وحتى النصوص يمكن الاجتهاد فى وجودها كما فعل عمر بن الخطاب، وأن نأخذ فى اعتبارنا الزمن أو العصر الذى نعيشه والمكان الذى تطبق فيه النصوص، وهذا نادى به كثير من شيوخ الإسلام وشيوخ الأزهر، كما قال به الإمام محمد عبده وغيره.

لأن الدين لا يتنافى مع العقل والمنطق وللحقيقة الدين الإسلامى تحديدًا مبنى على العقل والمنطق والعدالة مفهوم رئيسى فى الدين الإسلامى.

إذن ما فعله السبسى رئيس تونس ترى أنه يدخل فى نطاق تطبيق الدين وليس خروجًا عنه.

بالفعل ما طرحه الرئيس السبسى يوافق عدالة الإسلام ويتفق مع العقل والمنطق ومن وجهة نظرى لأنه شعر أنه إذا كانت العائلة تشعر بالظلم أن لديها بنات أو حتى بنتا واحدة فإنها فى حياة والديها تقوم بعملية بيع وشراء لها أو لهن وهذا أصبح وضعًا متداولًا وموجودًا بكثرة فى المجتمعات الإسلامية، إذن الواقع يقول إنهم تخلصوا من تطبيق ظاهر النص.

والرئيس اقترح أنه بدلًا من أن يحدث ذلك من «تحت الترابيزة» فلماذا لا يكون ذلك فعلًا علنيًا.

إذن لماذا يتهمه البعض بالكفر والخروج عن الملة؟

أولًا أنا ضد الاتهام بالكفر على أى أحد فهل شققنا عن قلوبهم ولذلك فلنكف عن ترديد مثل هذه الاتهامات ونتحاور بالعقل والمنطق بدلًا من رفع شعار الكفر، لأنه لا أحد يعلم من الذى سيدخل الجنة ومن الذى سيدخل النار ومن الكافر ومن المؤمن فلنترك أمر ذلك إلى الله.

وماذا عن حق المسلمة فى الزواج بغير المسلم وهى القضية الثانية التى طرحها الرئيس السبسى أيضًا؟

هذه النقطة تحديدًا أرى أنه لا يوجد نص واضح فى القرآن يحرم زواج المسلمة من زوج من أهل الكتاب والأديان السماوية الأخرى والنص الذى يستند إليه البعض هو عن المشركين وليس أهل الكتاب من الأديان الأخرى.

إذن علينا أن نكف عن الحديث بصك الإسلام من البعض لأنى هنا أسأل من له حق الحديث باسم الإسلام، هل الأزهر، هل دار الافتاء المصرية، أم دار الافتاء التونسية وهذه الأخيرة تحديدًا أيدت من الشرع وبالاجتهاد قرارات السبسى إذن لا أحد يملك الحديث باسم الإسلام أو جهة واحدة فقط هى المتحدث الرسمى فنحن مع اتساع رقعة الاسلام والمسلمين ستجد هناك أسلامًا هنديا يختلف عن الماليزى يختلف تمامًا عن الإسلام السعودى وهكذا إذن الإسلام انتشر لأنه حدث اجتهاد يناسب كل مجتمع وظروفه وليس لدينا صورة واحدة من البشر وهذا هو أحد أهم أسباب انتشار الإسلام أنه يسمح بإعمال العقل والمنطق.

لذلك فالمعركة ليست مع الإسلام أو ضد الإسلام لأن القرآن ربنا هو الحافظ له وسيحفظه إلى يوم الدين ولكن واقع الأمر أن هذه معركة من أجل الاستنارة والمساواة وأن تحصل المرأة على حقوقها وهى معركة جزء منها سياسى ليس له علاقة بالدين.

إذن المعركة صراع سياسى؟

كل الشواهد تقول وكذلك الوقائع التاريخية أن جوهر الصراع مثلًا بين الإخوان المسلمين وعبد الناصر بل والمجتمع كله كان صراعًا سياسيًا للوصول إلى الحكم كما شهدنا بأنفسنا حينما تولى الإخوان حكم مصر.

إن هذا الصراع السياسى كان إحدى أدواته الرئيسية هـــو المرأة مثلما حــدث فى نشر الحجاب ومن بعده النقاب، فالتركيز على المرأة جزء رئيسى من أدوات الصراع السياسى وليس لأن المرأة بالفعل أقل فهمًا أو ثقافة.

ولذلك نقول دائمًا إن الثقافة ليست أن تقرأ كتابًا وتكتب الشعر وانما الثقافة تعنى طريقة متكاملة للحياة ولذلك سنجد الإخوان وما خرج منهم من تيارات دينية ركزوا فى المقام الأول على تغيير الزى للمرأة أولًا ثم الرجل ثم بدأوا فى تغيير اللغة المستخدمة وبدلًا من صباح الخير أصبح السلام عليكم.

إذن هم أدركوا وأرادوا إدارة الصراع السياسى والوصول للحكم من خلال تغيير النمط الثقافى للحياة.

وهذا ليس الدين الذى جوهــره المعاملة والعــدل وانما هى خطوات للحكم وتطبيق الخلافة وأستاذية العالم.

وما يحدث الآن وإن كان فى جوهره صراع تمسك بظاهر النص وإنما فى جوهره صراع على مصالح وبضاعة والوصول إلى الحكم.