تحل اليوم الذكرى السنوية الأولى للغزو الروسي في أوكرانيا، وإذا نظرنا إلى ما هو أبعد من المعاناة والأزمة الإنسانية الناجمة عن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، لوجدنا أن جميع أنحاء العالم قد شعرت بآثار تلك العملية العسكرية بشكل سلبي، خاصة ظهور الأزمات الاقتصادية، والسياسية، وأزمة الغذاء، والطاقة.
وكان قد اعتبر الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين»، أن روسيا تحارب حاليا في أوكرانيا من أجل "أراضيها التاريخية".
وقال بوتين: "اليوم، أخبرتني القيادة العسكرية أن معارك جارية داخل أراضينا التاريخية من أجل شعبنا، اليوم، نحن ندافع عن مصالحنا وشعبنا وثقافتنا ولغتنا وأرضنا.. أمتنا بأكملها هي المدافع عن وطننا، المجد للمدافعين عن الوطن.. إنهم يقاتلون ببطولة وشجاعة.. نحن فخورون بهم".
وترصد «دار الهلال» تأثيرات الحرب على المجالات المختلفة في جميع أنحاء العالم:
الأزمات الاقتصادية الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا
يبدو أننا على موعد مع عام آخر مرهق اقتصاديا، وذلك بعدما شهد 2022 الكثير من الأزمات الاقتصادية التي ضربت العالم، خصوصا مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية التي كان لها آثار كارثية على اقتصاد كافة دول العالم، ففي أكتوبر الماضي أصدر صندوق النقد الدولي توقعاته الاقتصادية السنوية التي توقعت نموًا ضعيفًا في جميع أنحاء العالم في عام 2023، وركز بشكل خاص على ثلاث قضايا،وهي ارتفاع التضخم وتشديد البنك المركزي، والغزو الروسي لأوكرانيا، والتأثيرات المستمرة لكوفيد - خاصة في الصين.
ومن المحتمل أن تكون توقعات الاقتصاد العالمي في عام 2023 صعبة، ففي الوقت الذي تبدأ الرياح المعاكسة الاقتصادية من COVID- 19 في الانحسار، تأتي الحرب الروسية الأوكرانية وغيرها من بؤر التوتر الجيوسياسية ليكون لها تأثير طويل الأمد على زيادة التضخم، فمن المتوقع حدوث بعض التحسينات في سلسلة التوريد، والتي من شأنها أن تساعد في توافر السلع والتضخم الكلي للسلع، ومع ذلك، قد يبدأ الطلب في الضعف، مما قد يكون له تأثير معتدل على التضخم، ولكن بنسب قليلة، وذلك وفق تقرير نشرته مجلة InsuranceNewsNet الاقتصادية.
ووفقا للتقرير، فإنه على الرغم من أن التضخم قد يستمر في الانخفاض، فمن المرجح أن تظل أسعار الفائدة مرتفعة، مما قد يعيق بعض مجالات الاقتصاد، وقد أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى تفاقم التضخم في عام 2022 مع ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، ومع ذلك، بدأ التضخم في إظهار بعض علامات الاعتدال، وقد يشهد سوق السيارات فائضًا في العرض قريبًا، خاصة إذا تباطأ الاقتصاد العالمي في العام المقبل، بالإضافة إلى ذلك ، تتحسن العديد من مواد الإدخال للبناء، مما قد يقلل من تكلفة البناء.
وتعتبر أسعار الطاقة ورقة أساسية ويمكن أن تستمر في التقلب، وعلى الرغم من أن الاتجاه يفضل انخفاض التضخم، إلا أن الخدمات والطاقة يمكن أن تكون مفسدة، فالصدمات التي تتعرض لها إمدادات النفط ليست غير واردة نظرًا لتدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والتحديات الجيوسياسية الأوسع نطاقًا.
ويتوقع السوق الآن أن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي في تخفيف أسعار الفائدة في وقت لاحق من عام 2023، ومع ذلك، إذا بدأ معدل البطالة في الارتفاع بشكل حاد أو انكمش الاقتصاد، فقد يختار الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة في وقت قريب، ويمكن أن تحدد شدة هذين العاملين مستوى التخفيضات، وهو ماسيكون له أثر في خفض أسعار العمليات في الدول النامية.
أزمة الطاقة الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا
بعد مرور عام على الغزو الروسي لأوكرانيا، ازدادت نسبة اعتماد الدول الأوروبية على مصادر الطاقة المتجددة لسدّ فجوة الإمدادات الناجمة عن استبعاد الغاز الروسي، وسط تحديات اقتصادية وسياسية متفرقة.
وواجهت الدول الأوروبية، منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، مجموعة تحديات في سعيها للاستغناء عن واردات الغاز الروسية، التي توفر 40% من احتياجات الطاقة لديها، وتوفّر الدفء للعائلات في الشتاء، وفقًا لتقرير حديث نشرته منصة كونتكست الإعلامية (Context).
وتَوسَّع استعمال الوقود الأحفوري الملوِّث مثل الفحم للمساعدة في سدّ الفجوة، وأنفقت الحكومات الأوروبية مليارات الدولارات في دعم فواتير التدفئة مع جَنْي شركات الغاز أرباحًا قياسية، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
والجدير بالذكر أن أوروبا أنتجت كهرباء من مصادر متجددة أكثر مما أنتجت من الغاز، العام الماضي، وذلك للمرة الأولى، وفقًا لرئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين.
وقد صمدت "الصفقة الخضراء" الجديدة للاتحاد الأوروبي الهادفة إلى جعل التكتل محايدًا كربونيًا بحلول عام 2050، خلال الصدمة المترتبة عن غزو أوكرانيا.
وتشهد الخطط الجديدة لخفض الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي بحلول عام 2027، باستعمال مصادر الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، تقدمًا ملحوظًا.
وعلى صعيد آخر، تسبَّب الصراع في أوكرانيا في حدوث موجات صدمة في أسواق الطاقة العالمية، إذ أثار ارتفاع الأسعار تساؤلات في المناطق التي تخطط لاستعمال المزيد من الغاز، بما في ذلك آسيا، بشأن ما إذا كانت هذه هي الإجابة الصحيحة للمستقبل، كما يقول خبراء الطاقة.
الغاز الروسي والاعتبارات السياسية
يرى الباحث في شؤون الطاقة لدى معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، جوناثان ستيرن، أن أحد التغييرات الرئيسة نتيجة للغزو الروسي هو أن المخاوف المتعلقة بالطاقة قد انتقلت بشكل كبير إلى جدول الأعمال السياسي الأوروبي.
وأوضح أن "الطاقة أصبحت تعني الناخبين مباشرة، على عكس تغير المناخ، فيتعين على الناخبين دفع المزيد من الأموال، ويخشون ما إذا كانوا سيحصلون على طاقتهم، ويعلم السياسيون أنه لا يفصلهم عن الانتخابات أكثر من عامين."
وساعد ارتفاع أسعار الغاز في دفع متوسط معدل التضخم في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي إلى مستوى قياسي بلغ 11.5% في أكتوبر، حسب تقرير اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وأدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأسمدة القائمة على الوقود الأحفوري إلى زيادة تكلفة المعيشة وزيادة المخاوف بشأن الأمن الغذائي.
رغم ذلك، تراجعت أسعار الغاز الأوروبية بنسبة تصل إلى 85%، منذ أن بلغت ذروتها الصيف الماضي، ما خفَّف بعض الضغط.
وقال مستشار السياسات بشأن سياسات الغاز للمناخ والطاقة في مركز الأبحاث إي 3 جي، "رافائيل هانوتو"، إن أزمة الطاقة وضعت قضايا مثل طريقة تكثيف مصادر الطاقة المتجددة وزيادة كفاءة الطاقة، مع تقليل استعمال الوقود الأحفوري، لا يتعلق فقط بالمناخ، بل بالاعتبارات الأمنية".
وأضاف أنه يُعدّ استمرار تقلّب الأسعار في أسواق الغاز -مع استمرار الصراع في أوكرانيا وإعادة توجيه روسيا لصادراتها نحو آسيا- مصدر قلق كبيرًا للحكومات الأوروبية التي أنفقت نحو 853 مليار دولار في دعم فواتير الطاقة المنزلية والتجارية، وتساءل، إلى متى يمكنهم مواكبة ذلك.
وأكّد هانوتو أنه دون الغاز الروسي "يصبح بناء طاقة الرياح والطاقة الشمسية أكثر ربحًا من التدافع إلى قطر أو أذربيجان لتأمين الوقود الأحفوري".
وفي مواجهة الخيارات الصعبة بعد عام على الغزو الروسي لأوكرانيا، تبحث كل من هولندا وألمانيا وفرنسا في اتخاذ تغييرات مثل التقليل التدريجي لمصادر التدفئة التي تعمل بالغاز في المباني وتعزيز تركيب مصادر الطاقة المتجددة، وفقًا لما نشرت منصة كونتكست الإعلامية (Context) في 21 فبراير الجاري.
ارتفاع أسعار الغاز يواصل حصد الخسائر بإغلاق مصنع أسمدة في بريطانيا
يأتي ذلك على الرغم من أن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ما تزالان تُستَعملان على نطاق واسع لإنتاج الكهرباء أكثر من التدفئة.
وناقش مفوّضو الاتحاد الأوروبي التخفيضات الإلزامية في استعمال الغاز والكهرباء. وأشار هانوتو إلى "إننا نناقش الآن أشياء كانت مستحيلة منذ شهور".
رغم ذلك، لا تتفق جميع الدول الأوروبية مع هذه السياسة، فقد أعلنت المجر، على سبيل المثال، أنها تتوقع أن يظل الغاز الروسي مهمًا لإمدادات الطاقة لديها، مشيرةً إلى أنها ستكون سعيدة بتوقيع اتفاقيات جديدة طويلة الأجل مع موسكو.
كما أكّدت العديد من الحكومات الأوروبية أنها تفتقر إلى الحيز المالي لتكثيف الطاقة الخضراء بسرعة للتعامل مع تغير المناخ ومع ذلك، في أوروبا، وجدت كميات ضخمة بين عشية وضحاها تقريبًا لدعم فواتير الطاقة والتصدي للوباء.
ويرى المحللون أن الاستثمار المطلوب بين عامي 2021 و 2050 للانتقال الكامل إلى الطاقة المتجددة في أوروبا يُقدَّر بنحو 3.8 مليار دولار.
اللجوء للغاز
على الرغم من النقص النقدي، سارعت العديد من الدول الأوروبية لبناء محطات لاستيراد الغاز لتعزيز الإمدادات، ويعني الافتقار إلى التنسيق أن سعة الاستيراد الزائدة أصبحت قيد الإعداد الآن، حسبما قال المحلل لدى غلوبال إنرجي مونيتور، غريغ أيتكين.
وأوضح غريغ أيتكين "لقد تمّ القيام بالكثير في حالة من الذعر"، مضيفًا أن "الإجماع العام هو أن ما يُخَطَّط له مبالغ فيه وغير مناسب للغاية".
وأشار إلى أن بعض الحكومات الأوروبية تدرس تقصير عمليات تحديد المواقع الطويلة في كثير من الأحيان لوضع طاقة نظيفة جديدة في المكان، ما قد يجذب المزيد من الاستثمار الخاص، وفق المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
في سياق متصل، تتحدث بعض الدول الأوربية عن تعزيز قدرة الطاقة النووية، وهي خطوة عدّها الباحث في شؤون الطاقة لدى معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، جوناثان ستيرن: "غريبة"؛ بالنظر إلى أن المشروعات تتطلب دعمًا حكوميًا "ضخمًا".
وحذّر محللون من أن الجهود المبذولة لإضافة قدرات الطاقة المتجددة بسرعة تتراجع بسبب نقص إمدادات السوق من المعادن الرئيسة اللازمة لأشياء، مثل أنظمة تخزين البطاريات.
وبوجه عام، تخلّفت جميع الدول الأوروبية تقريبًا عن الموعد المحدد لتعهداتها بخفض الانبعاثات والوصول إلى الحياد الكربوني، لكن أحداث العام الماضي أقنعت معظمها بأنها "بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد"، حسبما قال جوناثان ستيرن.
وفي سياقٍ متصل، أشار محلل السلع في بنك يو بي إس السويسري جيوفاني ستانوفو، إلى أن الغزو الروسي لأوكرانيا سيستمر بالتأثير في أسواق الطاقة.
إذ تقلّص دول مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي مشترياتها من السلع الروسية، وإعادة توجيهها إن أمكن إلى دول أخرى.
بينما يرى كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة في واشنطن الدكتور أومود شوكري، أن استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا لن يكون له تأثير كبير في سوق الطاقة، نظرًا إلى استمرار الاستقرار في الأسواق.
وأوضح أنه إذا استمرت الحرب حتى الشتاء المقبل، فإن أمن الطاقة في أوروبا سيواجه تحديًا في الشتاء المقبل، إذ تحتاج أوروبا إلى زيادة الاستثمار في تخزين الغاز الطبيعي وفي شبكة كهرباء وغاز طبيعي متكاملة.
كما أشار إلى أن زيادة استيراد الغاز المسال من الدول العربية والأفريقية وزيادة دور الطاقات المتجددة على المدى القصير يمكنها أن تقلل من اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، بوصوله إلى الصفر على المدى المتوسط.
وقال شوكري: "إذا توسع نطاق حرب أوكرانيا، فسيكون ذلك تحديًا خطيرًا لسوق الطاقة في عام 2023. لا تريد روسيا أن تنتهي حرب أوكرانيا قريبًا، ومع استمرار حرب أوكرانيا، ستواجه روسيا تدريجيًا تحديًا جديًا لدورها المهم في سوق الطاقة".
ومن جانبه، أوضح محلل أسواق النفط بالشرق الأوسط في منصة آرغوس ميديا المتخصصة في الطاقة، نادر ایتیّم، أن ما يحدث في العام الثاني من الغزو الروسي لأوكرانيا يعتمد على عاملين.
إذ سيتعيّن معرفة ما إذا كان الاقتصاد الصيني قد عاد وسرعة عودته، وبالتالي الطلب على النفط، وما إذا كانت روسيا ستشعر في مرحلة ما بالحاجة إلى المزيد من التصعيد، إذا حُوصرت عسكريًا على سبيل المثال.
وأشار إلى أن روسيا أعلنت بالفعل خفض إنتاجها بمقدار 500 ألف برميل يوميًا في مارس/آذار، وليس من المستحيل أن تختار متابعة ذلك مع المزيد من التخفيضات في المستقبل.
أزمة الغذاء الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا
دخلت أسواق القمح في مرحلة عدم استقرار كبيرة للأسعار، حيث تفاقم الوضع بسبب الأزمة التي تسبب فيها الغزو الروسي لأوكرانيا
كما يهدد ذلك الغزو نقص الغذاء والأسمدة في العديد من البلدان والارتفاعات المتسارعة في أسعار المواد الغذائية بزعزعة استقرار المجتمعات الهشة، وزيادة الجوع وسوء التغذية، والهجرة، والتسبب في اضطراب اقتصادي حاد.
وأدى الهجوم غير المشروع وغير الأخلاقي على أوكرانيا إلى تفاقم قضايا الأمن الغذائي على مستوى العالم.
وكل الدلائل تشير إلى تحديات أكثر صعوبة مستقبلاً. لا شك في ذلك - إن عدوان بوتين على أوكرانيا يهدد الإمدادات العالمية من الحبوب، ويؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي بين أكثر السكان ضعفاً في العالم..
والحل لهذه الأزمة الحالية هو بالتالي بسيط: يجب على روسيا توقيف حربها الوحشية على أوكرانيا.
كما يمكننا الوقوف على سبب أزمة الحبوب هذه بسهولة في كل حقل للقمح دمرته القنابل الروسية، عند كل مزارع قتل، ومع كل باخرة أوكرانية تمنعها القوات الروسية من نقل بضاعتها بموانئ البحر الأسود.
فقد منعت تلك القوات تصدير أزيد من 20 مليون طن من الحبوب من أوكرانيا لمختلف بلدان العالم، من بينها المغرب، بالإضافة إلى أنه، تفيد تقارير موثوقة بأن جيوش بوتين تعمل على الأرجح على نقل القمح إلى خارج أوكرانيا نحو مناطق تحت سيطرة روسيا، وهو قمح موجه أساساً لدول هي في أمس الحاجة له.
ولقد اختار النظام الروسي نفسه وقف صادرات بلاده من العديد من أنواع الحبوب وكذلك الأسمدة بسبب الحرب، أو يقوم بالتصدير لمن يعتبرهم "دولاً صديقة". وهو ما يزيد من تفاقم الوضع.
كما يبين ذلك أن الرئيس بوتين واعي تمام الوعي بأن عدوانه يهدد العالم بالمجاعة، وقرار إستخدام الغذاء كسلاح هو قرار موسكو - وموسكو وحدها، يهدف إلى إجبار المجتمع الدولي على قبول غزو واحتلال أوكرانيا، لكن الأمن الغذائي والتغذية حق للجميع، ولا ينبغي استخدام الجوع كسلاح.