صدر حديثًا عن مركز دراسات الوحدة العربية كتاب "المدينة في العالم الإسلامي"، و يقدم هذا العمل الموسوعي الضخم عرضًا مشهديًا، للمدن الإسلامية، مبنيّاً على قاعدة متنوعة من الحقول المعرفية، في الهندسة وفن العمارة والآثار والتنظيم المدني والتاريخ والاجتماع والأنثروبولوجيا، يحفِّز مخيلة القارئ العربي ووعيه على تصور ومحاكاة العيش في مدنٍ نشأت ونهضت منذ قرون على امتداد العالم الإسلامي، وعرفت كل منها تجربة حضارية وعمرانية لا تزال بصماتها محفورة حتى اليوم على وجه الحضارة الإنسانية.
يُقدِّم الكتاب نظرة متكاملة للمدينة الإسلامية بوصفها كائناً عضوياً مكونًا من أجزاء شديدة الترابط، من هندسة معمارية، شملت المساجد والقصور والحمامات والأسواق والأبنية السكنية والأضرحة، إلى تنظيمٍ مدني غطّى الطرق والحدائق المدينية وأنظمة المياه وتقسيم الأحياء والتوزيع المهني للأسواق، إلى تنظيمٍ إداريٍ شمل أمور الإدارة والتعليم والوقف والبيئة والنظام العام.
تغطي فصول هذا الكتاب بمجلّديْةِ الاثنين، نحو خمسين مدينة، تمتد من وسط آسيا حيث بخارى وسمرقند نزولاً إلى حيدر أباد الهندية، مروراً بفيروز أباد وشيراز وأصفهان الإيرانية، وبإسطنبول وبورصة العثمانية، وصولاً إلى بغداد والقاهرة ودمشق وحلب وبيروت والقدس وطرابلس وتونس والجزائر والرباط العربية، وانتهاءً بالأندلس الإسبانية وهرر الأفريقية.
تستند دراسات هذا الكتاب، التي ساهم فيها نخبة من الباحثين العالميين المتخصصين في هذا الموضوع، إلى آخر ما توصلت إليه الحفريات والكشوف الأثرية، وما كشفته الوثائق العائدة إلى مؤسسات الوقف وسجلات المساحة وأعمال مسح الأراضي والخرائط والنصوص وأرشيفات الأسر في العقود الأربعة أو الخمسة الأخيرة، إلى جانب الدراسات الميدانية السوسيولوجية والمورفولوجية، فضلاً عن الدراسات المتخصصة التي ركزت على الجوانب التاريخية والمكانية والعضوية، بهدف بلورة رؤية أكثر حيوية لكيفية عمل هذه المدن واستمرارها في العمل كمواقع للهوية والثقافة.
وقد تخطَّتْ هذه الدراسات النظرة الاستشراقية النمطية التي سادت على مدى وعقود والتي ترى في المدينة الإسلامية مجرد تطور عشوائي للعمران.