الجمعة 19 ابريل 2024

نازك الملائكة رائدة الشعر الحر

مقالات5-3-2023 | 14:16

ستبقى ذكرى نازك الملائكة عطرة لكل متذوقي الآداب والفنون بالعالم، ولكل إنسان أراد أن يصنع لنفسه عالمه وتجربته وبصمته الخاصة في الحياة،
عاشت نازك الملائكة حياتها متنقلة بين عدد من العواصم العربية كموطنها العراق ثم عمان ثم القاهرة  التي احتضنتها وحافظت على ميراثها الشعري واحتفت ولا تزال بسيرتها وعطائها الابداعي، وكانها بنت مصر تماما وتوفيت بها عام 1990.

تشربت نازك فنون الشعر بالعراق عن أبيها وأمها وخالها، ودخلت ودرست الفنون الجميلة في فرع العود مما أثر في موسيقى  قصائدها.

فها هو الناقد الكبير د. جابر عصفور يصف نازك الملائكة بأنها من أصدق وأنبل الأصوات الشعرية منذ العصر الجاهلي وإلى الآن، صدقت يا عميد النقاد العرب. 

ومع صدور ديوانها الأول "عاشقة الليل" قدمت نازك الملائكة أوراق اعتمادها كشاعرة معترف بها كوكبة شعراء جيلها الصاعد، وحافظت فيه على الشعر العروضي، لكنها تحولت عنه الى كتابة الشعر الحر متجليا في  قصيدتها الشهيرة  "الكوليرا" التي عارضها فيها أبيها، لكنها  واصلت تحديها لأبيها ولمجتمع الشعر العروضي بديوانها الثاني «شظايا ورماد» بسيرها باتجاه الشعر الحر.

دخلت نازك الملائكة تاريخ الشعر العربي من أوسع أبوابه، وحفرت فيها بصمة الشعر الحر محققة تجربة فريدة في الإبداع الشعري، وخاضت معارك شعرية شريفة مع زميلها في دار المعلمين العليا في بغداد الشاعر بدر شاكر السياب حول القصيدة الحرة الأولى.

وبين الأصداء الوجودية والفلسفية في تجاربها الشعرية الأولى فإن نازك قد خاضت تجارب الشعر النضالي بديوان «شجرة القمر» الذي تناولت فيه القضية الفلسطينية  والوحدة العربية والثورة العراقية.

رحلة نازك الملائكة الإبداعية والإنسانية جعلتنا نتحرى تحولات فكرية وإبداعية من الشعر العمودي إلى الحر ومن الفكر الفلسفي إلى النضالي إلى الإبداع الصوفي في آخر رحلتها، كما نجدها بقصيدة «زنابق صوفية للرسول» التي ضمها ديوانها «يغيّر ألوانه البحر».
 ومن قصائدها (عاشقة الليل) التي تقول فيها:
يا ظلامَ الليــلِ يا طــاويَ أحزانِ القلوبِ
أُنْظُرِ الآنَ فهذا شَبَحٌ بادي الشُحـــــوبِ
جاء يَسْعَى ، تحتَ أستاركَ ، كالطيفِ الغريبِ
حاملاً في كفِّه العــودَ يُغنّــــي للغُيوبِ
ليس يَعْنيهِ سُكونُ الليــلِ في الوادي الكئيبِ
هو ، يا ليلُ ، فتاةٌ شُهد الوادي سُـــرَاها
أقبلَ الليلُ عليهــا فأفاقتْ مُقْلتاهـــــا
ومَضتْ تستقبلُ الواديْ بألحــانِ أساهــا
ليتَ آفاقَكَ تــدري ما تُغنّــي شَفَتاهــا
آهِ يا ليلُ ويا ليتَــكَ تـدري ما مُنَاهـــا
جَنَّها الليلُ فأغرتها الدَيَاجــي والسكــونُ
وتَصَبَّاها جمالُ الصَمْــتِ ، والصَمْتُ فُتُونُ

حققت نازك الملائكة قفزة روحية بشعر التصوف، والذي نقلها كما قالت بمجلة الشعر عام 1984 من التشاؤوم والاغتراب إلى الإيمان والطمأنينة، وعادت إلى فطرتها الإنسانية وذاكرتها العربية الثقافية المشعة بالإيمان على طريقة من فات قديمه تاه.

وعندما عاشت نازك تجربة الحج إلى بيت الله الحرام فاضت مشاعرها بأبدع الابيات والقصائد منها «سيمفونية السجاجيد»، و«القمر على المزدلفة»، و«الزرقاء والمدينة» لنختتم بتجربتها وسيرتها ببضع ابيأت من قصيدة  "سيمفونيـة السجاجيـد".
سجاجيدُ، سجاجيدُ، سجاجيـدْ
أتتْ تزحفُ من شتَّى العوالمِ ليلةَ العيـدْ
من الهندِ وأطرافِ الفلبِّيـنِ
من الفُولغا، من المغربِ، من كينيا، من الصيـنِ
سجاجيدُ، سجاجيـدْ
على الأذرعِ والأكتافِ محمولـهْ
بمِلحِ الدَّمعِ والتوبةِ مغسولـهْ
وتسقطُ فوقها الأهواءُ والنزواتُ مقتولـهْ
سجاجيدُ، سجاجيـدْ
*
وسمفونيةٌ تعزفُها في الفجرِ آلافُ السجاجيـدِ
من الأبوابِ، تطلعُ، من ممـرَّاتِ
يدثِّرُها السكونُ، من الحوانيتِ المضيئـاتِ
مُصلُّونَ، مصلُّون، ومَحمولون آلافًا على أشرعـةِ العيدِ
على أكتافهمْ، ما فوق أذرعهم مئاتٌ مِن سجاجيدِ

عاشت نازك الملائكة الشاعرة العراقية الكبيرة مناضلة كامرأة في زمن الحروب ضد النساء وإبداعهم وتفوقهم وفرضت نفسها وإبداعها فالمرأة ذاك الوقت بل وفي كل زمن المجهود عليها مضروب في اثنان والعبء واللوم والمجتمع فنجاح وإبداع أمرأة لا يكون إلا بإصرار وإيمان.