عرفت"محفوظ" قبل اللقاء به بسنوات طويلة من خلال قراءة أعماله والإعجاب والانبهار بموهبته الفطرية الفذة.. كان اللقاء المنتظر في بداية التسعينيات حين ذهبت اليه لإجراء حوار عن "ألف ليلة وليلة" ومن يومها نلتقي الاثنين من كل أسبوع.
هكذا بدأ الناقد الأدبي الدكتور حسين حمودة حواره ل"بوابة الهلال" عن الأديب العالمي الراحل نجيب محفوظ والذي تواكب ذكري وفاته الحادية عشر اليوم 30 أغسطس .
تحدث "حمودة" عن أجواء الزيارة الاستثنائية التي كان ينفرد فيها ب"الأستاذ" علي مدار سنوات وحتي قبيل رحيله، مشيرا إلى أن "محفوظ "كان قمة في التواضع قائلا: كان يفتح لي الباب بنفسه لتبدا زيارة كنت انتظرها أسبوعيا وبشغف وتبدأ في السادسة مساء كل ثنين يبدو فيها في كامل أناقته لننطلق إلى أحد الفنادق القريبة من طريق المطار ينتظرنا هناك مجموعة صغيرة من الأصدقاء منهم الفنان محمد الشربيني ،والروائي نعيم صبري والكاتب زكي سالم، وانضم الينا في فترة من الفترات الشاعر الراحل عبد الرحيم الأبنودي بعد أن انتقلنا الي فندق آخر قريب من الأول.
ماذا كان يتم في ذلك اللقاء وما الأمور التي كان نجيب محفوظ يتحدث فيها معكم؟
كنا نتحاور في كل شئ نتناول الحكايات والنكات ويروي هو ذكرياته حتي العاشرة مساء وكنت سعيد الحظ أن أجلس إلى جواره في رحلة الذهاب والعودة وأحيانا نكمل بعض النقاش الذي لم ينته خلال الجلسة الممتعة معه، وفي أحيان أخرى كان يتامل ما حوله وينظر بما أتيح له من قوة بصرية في السنوات الأخيرة.من حياته ويعلق على بعض المشاهد .
هناك الكثير الذي يعرفه محبو نجيب محفوظ ..بصفتك كنت أحد المقربين له ما الذي كنت تعرفه عنه ولم يعرفه أحد؟
من التفاصيل التي لم يكن يتكلم فيها مع أحد ويحرص على أن تكون في طي الكتمان والسرية أنه وزوجته كانا يقومان بأعمال خيرية متعددة، والآن قد عرف كثيرون أنه تبرع بثلث القيمة المادية لجائزة نوبل لكي تصل للفقراء المرضي الذين لايستطيعون الحصول على المال لتكلفة علاجهم، كما كانت هناك أعمال أخرى خيرية ساهم فيها وكانت زوجته تتولى الجانب التنفيذي منها نظرا لحالته الصحية.
هل حال السن والمرض دون أن يتواصل نجيب محفوظ مع الوسط الثقافي؟
رغم السن كان "محفوظ قويا" وظل طوال حياته محافظا على صحته من خلال تنظيم طعامه والحرص على الحركة ، ما جعله لا يشكو من أمراض كثيرة كان مصابا بها منها السكر وزيادة نسبة الكوليسترول في الدم ،بل رغم أنه قام بإجراء عملية في القلب لكنه كان سليم البدن قوي الذاكرة إلى حد كبير.
عرفت نجيب محفوظ عقب محاولة اغتياله ماذا كان يقول عن تلك الحادثة في مناقشاته معك؟
ظل نجيب الإنسان هو نفسه دائما، بحضوره الجميل المبتسم رغم الألم ،فلم يتطرق مطلقا إلى الحادثة وكأنه يريد أن ينسى أو يتناسي ما حدث له ،لكن إن جاءت السيرة كان يقول إنهم ضحايا ولم يقرأوا عبارة واحدة من أي عمل من أعماله،وكان يركز علي أن من ورءاهم هم الجناة.
ما الذي دفعك لإنجاز قراءة نقدية عن أعمال نجيب محفوظ ؟
أول قراءة نقدية كانت بحثا عن روايته "الحرافيش" لكن نسختها ضاعت مني ،كتبت بعدها كتاب: “في غياب الحديقة "و يتناول علاقة الزمن والمكان في أعمال نجيب محفوظ وفكرته الأساسية أن محفوظ لم يتناول في أعماله الأماكن التي تناولها بمعزل عن علاقتها بالزمن وبتأثير هذا الزمن فيها.
هل تتذكر مرضه الأخير.. وما تفاصيل زيارتك له؟
دخل المستشفى على إثر إصابة جديدة كانت بسبب أنه استيقظ من النوم ليلا، وذهب إلى الحمّام فتعثر وسقط وشجت رأسه، عرفت بالخبر في وقت متأخر من الليل فكنت أول من يزوره في الصباح ورغم ملامح الألم التي كانت بادية علي ملامحه لكنه فرح بي وقال"شفت اللي حصل لي ياحسين"بطريقة ضاحكة وكانه يسخر من الألم، وهو ما يؤكد أنه كان شخصية قوية وصاحب إرادة .
ماحكاية القلادة المزورة التي منحها الرئيس السابق مبارك لنجيب محفوظ؟
هذا الموضوع تحدث فيه الكثيرون وبغض النظر عن ماهية القلادة أتصور أن نجيب محفوظ لو كان حصل علي قلادة من خشب وليست من فضة أو ذهب لم يكن ليتكلم عن هذا الموضوع لأنه لم يكن مهتما بالجانب المادي أو الجوائز بشكل عام ولم يأخذ لنفسه شيئا ماديا من نوبل، ناهيك عن أن هذه القلادة وغيرها من الجوائز والأوسمة التي حصل عليها ليست في حوزة الأسرة فقد تم تقديمها لوزارة الثقافة وصندوق التنمية الثقافية لتكون جزءا من المتحف الذي نتمني أن يفتتح قريبا.