الأحد 5 مايو 2024

هل تتضمن الحكومة القادمة وزارة جديدة للقوة الناعمة؟


د. شريف درويش اللبان

مقالات7-3-2023 | 02:26

د. شريف درويش اللبان

استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية الثورة الرقمية كإحدى وسائل القوة الناعمة لتدمير القوى السياسية لعددٍ من الدول، للسيطرة على شعوب العالم، لتدمير الحياة السياسية في هذه الدول، وهذا ما اتضح من خلال وسائل الإعلام الأمريكية التي لا تتناول أي أخبار متعلقة بقارة إفريقيا سوى الأخبار السلبية المتعلقة بالمجاعات والحروب والصراعات. 

لقد طورت الولايات المتحدة بعد الثورة الرقمية من أساليبها للسيطرة على العالم، من خلال تأسيس شبكة الإنترنت وتضمينها لمفاهيم الليبرالية والديمقراطية بالمفهوم الأمريكي، لإحداث تغيير في أنظمة الحكم فى دول العالم الثالث بالطريقة التي تريدها الولايات المتحدة، دون تدخل للقوة الصُلبة أو العسكرية لإحداث هذا التغيير، وهو ما يندرج تحت مفهوم حروب الجيل الرابع.

وليس سرًا أنه توجد خطة أمريكية متكاملة تسعى من خلالها واشنطن لـ"عولمة" خِدمات الإنترنت" من خلال توفير تلك الخدمة لأية دولة في العالم من خارج حدودها باستخدام شبكة من الأقمار الصناعية لتوصيل خدمة الإنترنت إلى كل دول العالم متخطية أنظمة الاتصالات المحلية في كل دولة على حدة، وقدرة الدولة على التحكم في الاتصالات داخل حدودها، بما في ذلك تلاشي قدرة الدول على حجب المواقع التي تهدد كيان هذه الدول.

إن ثورة 25 يناير لم تكن لتحدث دون توافر الأرضية الخصبة من تراجع المجالات السياسية والاقتصادية في أواخر عصر مبارك، إلا أن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي قد تم استخدامهما لتحقيق الأهداف الأمريكية بإطلاق شرارة الثورة في مصر وثورات الربيع العربي بشكل عام، والتي كان بعض النشطاء الذين شاركوا فيها عملاء تم توظيفهم لتحقيق أهدافٍ أمريكية.

ولعل هذا الأمر هو الذي أدى إلى تعامل عددٍ من الدول على مستوى العالم بحذرٍ نظرًا للتأثيرات السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي الأمريكية مثل الصين وكوريا الشمالية، وهما يعتمدان على مواقع تواصل اجتماعي محلية ولم تلجأ هذه الدول مطلقًا لمواقع التواصل الاجتماعي الأمريكية.

إن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي الأمريكية في أعمال التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم "داعش" الإرهابي لم يكن من قبيل الصُدفة، ولكنه كان مقصودًا من قَبَلِ الولايات المتحدة الأمريكية، لصناعة جماعات إرهابية تتوافق مع عصر ما بعد الحداثة، لتأجيجِ الصراعات الطائفية والمذهبية والعرقية لصالح الكيان الصهيوني في المنطقة العربية.

إن الدولة المصرية في حاجة ملحة الآن إلى أن تنتقل من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم باستخدام المقومات الأساسية لقوتها الناعمة. إن تفعيل مقومات القوة الناعمة للدولة المصرية لا يمكن أن يتم بمجهودات فردية مبعثرة، بل يجب أن يتم بمجهوداتٍ جماعية تنضوي تحت منظومةٍ فاعلة، ويكون لها أهدافٌ محددة في إطارٍ زمني واضح، اعتمادًا على قطاع الشباب في تفاعله الدؤوب والمُبدع مع أجهزة الكمبيوتر والإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي وتكنولوجيات العصر كافة، ومن هنا فإنني أقترح أن يتم استحداث وزارة جديدة للقوة الناعمة للدولة المصرية.

وبينما نناقش القوة الناعمة للدولة المصرية ونقترحَ إمكانية تنسيقها من خلال وزارة أو كِيَانٍ مؤسسي، بدأت بعض الدول العربية الشقيقة في استيعاب مفهوم "القوة الناعمة"، وبدأت في استكشاف مصادر هذه القوة، وبدأت في اتخاذ خطوات جادة في تمكين قوتها الناعمة من الترويج لها، وعلى رأسِ هذه الدول الإمارات العربية المتحدة.

وقد أعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي في 29 أبريل 2017 تشكيل "مجلس القوة الناعمة لدولة الإمارات العربية المتحدة"، والذي يهدف لتعزيز سمعة الدولة إقليميًا وعالميًا وترسيخ احترامها ومحبتها بين شعوب العالم ويختص برسم السياسة العامة واستراتيجية القوة الناعمة للدولة. ويتبع مجلس القوة الناعمة بشكل مباشر مجلس الوزراء ويعمل على صياغة منظومة وطنية متكاملة تشمل الجهات الحكومية والخاصة والأهلية لنقل قصة الإمارات للعالم بطريقة جديدة.

لقد سبقتنا بريطانيا والإمارات العربية المتحدة في تنسيق جهود القوة الناعمة في كلا البلديْن، ومصر الحضارة والتاريخ والعلم والأدب والفنون والآثار والمساجد والكنائس والسياحة والشواطئ والزراعة والصناعة يجب أن تأخذ الخطوة التالية على مستوى العالم في هذاا المضمار، فمصر تستحق الكثير على مستوى العالم، فهل تستجيب الدولة المصرية لمقترحنا بإنشاء وزارة جديدة للقوة الناعمة؟.