بقلم – أشرف الجداوى
هل يستطيع ولى العهد الأمير محمد بن سلمان أن يحقق بالعمل الجاد ما طرحه من أفكار ورؤى ومشروعات تخص قطاع السياحة بالمملكة وفقا لخطته الطموحة للاقتصاد السعودى فى المستقبل القريب ٢٠٣٠، والتى حرص فيها على رؤية شاملة لما يتصوره من أحلام مشروعة ومأمولة للمملكة لتنوع اقتصادى لا يعتمد على البترول ومشتقاته كمصدر وحيد وأساسى للثروة وللاقتصاد هناك، ولكن يعتمد على حزمة من الثروات الطبيعية والتراثية التاريخية التى حباها الله بها من قديم الأزل .. فى اعتقادى يستطيع ذلك لو خلصت النيات وصدق العزم، بعيدا عن الطرف الخفى “المسكوت عنه” الذى دأب خلال ١٧ عاما الماضية ان يضع العراقيل والمعوقات أمام هيئة السياحة السعودية الفاعلة على أرض الواقع، والتى يترأسها الأمير سلطان بن سلمان، كى لا تضع المملكة فى مصاف الدول الكبرى سياحيا على مستوى العالم خلال سنوات قليلة قادمة.
ومناسبة الخوض فى تلك القضية الشائكة ما أعلنه ولى العهد فى بدايات شهر أغسطس الحالى من تصريحات صحفية رسمية “عن إطلاق مشروع سياحى عالمى فى المملكة تحت مسمى مشروع البحر الأحمر، يقام على أحد أكثر المواقع الطبيعية جمالاً وتنوعاً فى العالم، بالتعاون مع أهم وأكبر الشركات العالمية فى قطاع الضيافة والفندقة، لتطوير منتجعات سياحية استثنائية على أكثر من ٥٠ جزيرة طبيعية بين مدينتى أملج والوجه، وذلك على بُعد مسافات قليلة من إحدى المحميات الطبيعية فى المملكة والبراكين الخاملة فى منطقة حرة الرهاة.
ومشروع البحر الأحمر السياحى هذا جزء من الرؤية الاستراتيجية الطموحة لعام ٢٠٣٠ التى أعلنها “ولى العهد “وجملة أهدافها تتلخص فى تحقيق التنمية المستدامة المتكاملة لمناطق ومحافظات المملكة المختلفة اعتمادا على صناعة سياحة قوية بلا معوقات، تستطيع ان تؤمن “لقمة العيش” لما لا يقل عن ٢٥ أو ٣٠٪ من الشعب السعودى، بعيدا عن الخدمات التى تقدمها المملكة لضيوف الرحمن وزوار المسجد النبوى سنويا والتى تدرج فى علم صناعة السياحة “تحت مصطلح السياحة الدينية”، وعلى الرغم من أهميتها الاقتصادية للمملكة، إلا أنها لا تشكل سوى قرابة الـ ١٠بالمائة من الدخل القومى للسعودية.
وتعد السياحة الدينية، العمود الفقرى لصناعة السياحة فى المملكة العربية السعودية، من خلال مواسم الحج والعمرة.. وتدر نحو ١٦ مليار دولار سنويا وفقا لآخر أرقام مدققة لإيراد الحج والعمرة.
وغنى عن الذكر حجم التنوع الطبيعى والبيئى والأثرى الذى تتمتع به المملكة، وايضا حجم الكنوز المكنونة فى البحر الأحمر من شعاب مرجانية، وأنواع هائلة من الأسماك الملونة، والحيوانات البحرية الفريدة، وتنوع أحيائى يندر ان يجتمع فى مكان واحد إلا بتلك المنطقة الممتدة بطول ١٨٣٠ كم من سواحل المملكة العربية السعودية، وشواطئ حباها الله برمال بيضاء صالحة لإقامة مشروعات سياحية وفندقية من طراز رفيع عالى المستوى، لا نبالغ فى القول إذ اكدنا أنها تستطيع المنافسة بقوة مع
اكثر شواطئ العالم الشهيرة فى إسبانيا، والمكسيك، وفرنسا، وتايلاند، ومصر، وتركيا، والجزر الاستوائية المعروفة .. ومن المسلم به اليوم أن السياحة الشاطئية والترفيهية، وسياحة الغوص تمثل نحو ٨٠ فى المائة من حركة السياحة العالمية، التى تقدر وفقا لبارومتر منظمة السياحة العالمية بنهاية عام ٢٠١٦ نحو “مليار و٢٠٠ مليون سائح”.
مشروع البحر الأحمر السياحى الرائد الذى يحلم به ولى العهد يمتد لمسافة ٢٠٠ كم من سواحل المملكة على البحر الأحمر، ومن المفترض حسبما أعلن فى تصريحاته أنه “ سيتم تدشين المرحلة الأولى منه بعد عامين من الآن فى عام ٢٠١٩، والانتهاء من المرحلة الأولى فى الربع الأخير من عام ٢٠٢٢م، وهى مرحلة ستشهد تطوير المطار، والميناء، وتطوير الفنادق والمساكن الفخمة، والانتهاء من المرافق والبنية التحتية، وخدمات النقل المختلفة.
ومن اليوم وخلال العامين القادمين سيتم وضع حزمة من القوانين والضوابط لأجل التعامل مع المشروع السياحى الكبير كمنطقة خاصة اقتصادية .. مثلها مثل منطقة خليج العقبة بالأردن .. لها كامل الحرية فى جذب الاستثمارات السياحية والفندقية والخدمية الدولية، والترويج والتنشيط لها وفقا لآليات التسويق الحديث لجذب حركة السياحة الدولية بالأساس من كافة أسواق السياحة المصدرة للحركة، وايضا لجذب حركة السياحة العربية التى تصدر إلى دول أخرى وبلدان بعيدة سنويا فى ظل احتقان عالمى وممارسات كراهية سخيفة ضد الإسلام والمسلمين فى الغرب.
وفقا لما ذكره صديقى الأمين العام لجمعية خبراء السياحة العرب “ د. خالد الرشيد” وهو سعودى الجنسية، فإن المشروع الرائد على ضفاف البحر الأحمر لولى العهد فرصة كبيرة للمملكة للخروج من أسر الاعتماد على “الاقتصاد البترولى” فى الدخل، لأن صناعة السياحة بمفهومها الشامل والمتكامل قادرة على مد الاقتصاد السعودى بالكثير والكثير جدا لو صلحت النيات، وتحققت التنمية المتكاملة؛ لأن السياحة صناعة كثيفة العمالة، وهناك أكثر من ٧٥ صناعة وخدمة تتكامل معها، وبالتالى فالمشروع يعد اضافة حقيقية للاقتصاد الوطنى ودعمه.
ومن المفيد أيضا معرفة أن حجم الإنفاق العالمى للمسلمين على السفر إلى الخارج بلغ ١٤٢ مليار دولار فى ٢٠١٤ باستثناء الحج والعمرة, مما يجعل هذا السوق يشكل ١١٪ من الإنفاق العالمى على أسواق السفر”، وبلغ عدد المسافرين المسلمين فى ٢٠١٥ قرابة الـ ١١٧ مليوناً, ويتوقع التقرير زيادة فى الإنفاق العالمى للمسلمين على السفر إلى الخارج إلى ٢٣٣ مليار دولار عام ٢٠٢٠، معتبرا أن “سفر المسلمين لقضاء العطلات والترفيه قد تجاوز إطار الاقتصاد الإسلامى وأصبح فى حد ذاته قطاعا رئيسيا فى الاقتصاد العالمى الأوسع”.. وفقا لوكالة “رويترز.
ومن ثم فقد أصاب ولى العهد الاختيار لرؤية السعودية ٢٠٣٠ عام، عندما قرر أن يبدأ بتطوير صناعة السياحة بالمملكة لتحقيق الأهداف المأمولة، ولكن هل ينجح كما قلت فى البداية أن يحقق مشروعه على أرض الواقع فعلا، حتى لا يصبح مثل مشروعات كثيرة طموحة للسياحة بالمملكة تولتها هيئة السياحة وسعت لإنجاحها وبذلت الجهود لذلك مثل “ مشروع برنامج رحلات ما بعد العمرة”، وكانت تجربة على استحياء امتدت لفترة عامين ٢٠٠٨ حتى ٢٠١٠ وتوقف المشروع فى ظروف غامضة، ومرة ثانية تنشط الهيئة وتعيد الكرة فى العام الماضى وتعلن عنه مرة أخرى وتنهال علينا تصريحات الأمير سلطان بإطلاقه مع عمرة الموسم وينتهى الموسم وكل موسم “ولا حس ولا خبر” عن “ رحلات ما بعد العمرة “ .. !
هنا أعتقد أن الأمير محمد ولى العهد قبل أن يشرع فى إعداد العدة والتجهيز لمشروع البحر الأحمر السياحى، فعليه ان يواجه وبقوة طيور الظلام التى اعتادت أن تقف حجر عثرة امام صناعة السياحة بالمملكة.