لم يكن الجمال والوسامة التي وهبهما الله للفنان صلاح ذوالفقار فقط هي سر خلوده السينمائي، بل من الواضح أيضا دماثة خلقه وخفة دمه هي التي جعلته من أبطال الشاشة وفتيانها، ليستطيع بروعة أدائه أن يتنوع خلال مسيرته السينمائية، أما شغفه بالسينما وولعه بها فقد أوجده في نفسه شقيقاه عز الدين ومحمود ذو الفقار، فبسببهما تحولت حياة الرجل بعد أن أغرياه بسحر السينما وعالم الشهرة والأضواء ..
في ذكراه نطرح العديد من الأسرار التي ننفرد بها مع نوادر الصور التي تنشر لأول مرة. الضابط الثالث في عائلة يحكمها الإلتزام والجدية، ولد صلاح ذو الفقار بالمحلة الكبرى لوالد يعمل بوزارة الداخلية، وهو الأميرلاي أحمد مراد ذو الفقار الذي وهبه الله خمسة أبناء كان أبرزهم عز الدين الذي عمل بالجيش ضابطا ثم ضحى بمهنته ليصبح من كبار مخرجي السينما العربية ومبدع الأفلام الرومانسية والبوليسية بها، أما الشقيق الثاني لصلاح فكان محمود ذو الفقار الذي عمل أيضا بالتمثيل ثم أصبح أيضا من رواد الإخراج في السينما بعد زواجه من السيدة عزيزة أمير التي نشأت السينما المصرية على يديها ..
أما الصبي صلاح فقد أتم دراسته والتحق بكلية الطب تلبية لرغبة والده، ولكن مرض الوالد الذي استلزم أن يظل صلاح بجانبه أبعده عن كليته بسبب كثرة الغياب، ليلتحق صلاح بعد ذلك بكلية البوليس عام 1946ليكون الرجل الثالث في السلك الميري بعد والده وشقيقه الأكبر عز الدين. الثائرالشجاع بعد تخرجه في كلية البوليس، بدأ صلاح عمله ضابطا بمديرية شبين الكوم لمدة أربعة أشهر، ثم نقله حيدر باشا إلى مصلحة السجون ليعمل بها ضابطا لمدة عامين، وفي خلال تلك الفترة تعرف على الرئيس الراحل أنور السادات أثناء سجنه خلال مرحلة الكفاح في قضية مقتل أمين عثمان، ويبدو أن صلاح كان يشعر ببراءة الرئيس السادات فعامله أحسن معاملة، ولم ينس السادات له ذلك الفضل بعد أن أصبح رئيسا لمصر، أما النزعة الوطنية فقد كانت تتملك الضابط الشاب صلاح ذو الفقار، فقد كان الوطن في تلك الفترة تحت وطأة الإحتلال الإنجليزي، فطلب نقله إلى محافظة الإسماعيلية، ليس ليمارس عمله كضابطا للبوليس هناك، بل لبدء عمليات الجهاد ضد المستعمر الجاثم على صدر الوطن، ومع مجموعة من رفاقه بدأ عمليات قتل الجنود المستعمرين وكان ذلك تقريبا في 18 يناير 1952، مما جعل الجيش البريطاني المستعمر يرد على ما قام به صلاح ورفاقه بعملية مهاجمة مركز شرطة الإسماعيلية وقتل الكثير من جنوده وضباطه، لتبدأ بذلك أحداث 25 يناير 1952 والتي أصبحت عيدا للشرطة تخليدا للضحايا والشهداء.
سحر السينما
يجد الراصد لتاريخ السينما أن صلاح ذو الفقار شارك بدور ثانوي في فيلم «حبابة» الذي قام ببطولته شقيقه محمود ذو الفقار والسيدة عزيزة أمير، لكن هناك فرصة أخرى أتاحها له محمود ليشارك صلاح هو وشقيقه ممدوح في فيلم قبل ذلك وهما في مرحلة الصبا .. وكان لذلك أثر كبير في حياة الضابط صلاح الذي عشق السينما أثناء دراسته في كلية البوليس، فقد كان مولعا بالسينما ويحرص على رؤية أحدث الأفلام أثناء أجازته من الكلية، وبعد عودته يروي لزملائه قصص الأفلام التي رآها .. ويبدو أن وسامته وذلك الشغف هما ما أهلاه ليبدأ مسيرته السينمائية أثناء عمله في البوليس .. فقد كان شقيقه المخرج عز الدين يبحث عن وجه جديد ليمثل دور ضابط بوليس في فيلمه الجديد «عيون سهرانه» أمام الفنانة شادية، فعرض الأمر على عاشق السينما صلاح ذو الفقار، فوافق بالطبع، فهو ضابطا بالفعل وسيكون من السهل عليه تمثيل الدور، لكن صلاح طلب من عز الدين أن يأت له بإذن من وزير الداخلية، وبالفعل استطاع الضابط السابق في الجيش عز الدين ذو الفقار أن يحصل على إذن الوزير ليبدأ صلاح أول بطولة له في السينما، وعرض الفيلم في أول أكتوبر 1956 بسينما الكورسال بالقاهرة. من البوليس إلى السينما بعد نجاح صلاح في أول أدواره كبطل على شاشة السينما في فيلم «عيون سهرانة» كان عز الدين ذو الفقار يعد لفيلم آخر يجسد حياة مصر قبل ثورة يوليو 1952، ويرصد أيضا قيام الثورة التي غيرت الكثير من المفاهيم وأذابت الفروق الطبقية بين أبناء مصر، وكان الفيلم هو «رد قلبي» الذي أتاح فيه عز الدين الفرصة لصلاح ليقوم بثاني أدواره في السينما، وشارك بالفعل صلاح في البطولة الجماعية للفيلم، مع شكري سرحان ومريم فخر الدين، وهو الضباط حسين ابن الريس عبد الواحد، وحرص صلاح رغم وقار مهنته في الفيلم كضابط أن يكون نسمة المرح التي تخفف من أحداث الفيلم العصيبة .. ونجح فيلم «رد قلبي» نجاحا ساحقا عند عرضه في سينما كايرو بالقاهرة في 10 ديسمبر 1957، وما زال الفيلم من روائع السينما .. ويبدو أن سحر السينما قد تمكن من صلاح ذو الفقار فطاف بخاطره في نفس العام أن يستقيل من سلك البوليس، وبالفعل بعد تفكير عميق قدم استقالته للوزير وتم قبولها بعد ثلاثة أيام في 27 يوليو 1957، وفي ذلك الوقت كانت قد أنشأت منظمة الوحدة الآفروآسيوية، وكان سكرتيرها العام هو الكاتب الكبير والضابط السابق يوسف السباعي، الذي اختار صلاح ذو الفقار ليعمل بالمنظمة مديرا إداريا بعد استقالته من البوليس، وبالفعل أمضى صلاح عامين في عمله الجديد واستقال منه في أبريل 1959. التفرغ للسينما والإنتاج كان صلاح ذو الفقار قد أنشأ شركة للإنتاج مع شقيقه عز الدين عام 1958، ويبدو أن ذلك ما دعاه أيضا للإستقالة من منظمة الوحدة الأفروآسيوية، ليعمل صلاح في شركته مديرا للإنتاج ويشارك في بطولة الفيلم الخالد «بين الأطلال» ، ورغم قصة الفيلم الشجية المليئة بالرومانسية والتضحية والوفاء إلا أن دور صلاح بالفيلم مدرسا بالكلية كان مميزا وبديعا، ومن هنا كرس صلاح ذو الفقار حياته للسينما ليثريها بروائع أدواره، منها فيلمه «الرجل الثاني» الذي شارك فيه بدور ضابط بوليس متخفي للقبض على العصابة، وشاركه البطولة رشدي أباظة وسامية جمال وصباح والفيلم من إخراج عز الدين ذو الفقار، الذي استمر التعاون بينه وبين صلاح في التمثيل والإنتاج حتى عام 1962، ففي خريف ذلك العام رشحه عز الدين للقيام ببطولة فيلم «موعد في البرج» أمام فاتن حمامة، التي قرأت السيناريو وقررت أن ذلك الدور ليس دورها، فاحترم صلاح وجهة نظرها وقرر هو وعز الدين البحث عن وجه آخر، فقررا إسناد الدور للفنانة سعاد حسني، وكانت سعاد قد شاركت صلاح البطولة من قبل في فيلم «مال ونساء « عام 1960. حقيقة زواجه من سعاد حسني وافقت سعاد حسني على مشاركة صلاح ذو الفقار بطولة فيلم «موعد في البرج»، وبدأ التصوير في برج القاهرة واستلزم تصوير بعض المشاهد أن يقضي فريق العمل أسبوعين في عرض البحر على ظهر الباخرة «عايدة» وعند عودتهم إلى الأسكندرية كانت هناك مفاجأة ، فقد نشرت بعض الصحف خبر زواجه من سعاد حسني ، وصعق الجميع من الخبر لأنه كان غير صحيح.. كان الخبر قد وصل إلى زوجته فكتمته من آلامها وحزنها ولم تعلق، وعاد صلاح إلى البيت ليعانق زوجته ويمطرها بقبلات المودة والشوق فاعتقدت أنه يحاول أن يكذب الخبر بهذا الأسلوب الجديد، ولم تسأله عن حقيقة الخبر، وتمنى صلاح أن تفاتحه ليخبرها بالحقيقة لكنها لم تفعل. ولم ينس صلاح ذو الفقار طبيعة عمله السابق وهو ضابط المباحث ، لذا سارع بتقصى الأمر باحثاً عن مصدر إشاعة زواجه من سعاد حسني، وتأكد له أن عامل الإضاءة في الفيلم هو صاحب الإشاعة، فهو من كان يسلط على النجوم جميعاً الأضواء أثناء تصوير فيلم موعد في البرج، ونمت الفكرة لدى العامل بعد مشهد تصوير مشهد القبلة بين صلاح ذو الفقار وسعاد حسني، فأثناء التصوير سرح عز الدين ذوالفقار كعادته ولم يقل «ستوب» بعد تصوير المشهد مما جعل الكاميرا تسجل القبلة لثلاث دقائق حتى استشعر صلاح ذو الفقار الحرج فقال للمصور «ستوب». أفاق عز الدين ذو الفقار من شروده وقال لصلاح وسعاد «أنا آسف»، وهذا المشهد هو ما بنى عليه عامل الإضاءة إقتناعه بزواج صلاح وسعاد، لذا أطلق الإشاعة ووصل به الأمر إلى أن يقسم أنهما تزوجا ولولا زواجهما ما تجرأ صلاح وقبّل سعاد بهذه الصورة. عاد صلاح إلى زوجته بعد أن عرف مصدر الإشاعة وفاتحها في الأمر وأقسم لها أنه لم يتزوج سعاد حسني، فأخبرته أنها تصدقه .. وعرض الفيلم لأول مرة في 13 ديسمبر 1962 بسينما ميامي، والفيلم مأخوذ عن قصة عمل للذكرى «رواية ميلدرد كران»، وكتب له السينايو والحوار وأخرجه عز الدين ذو الفقار. بقي أن نؤكد أنه برغم براعة صلاح ذو الفقار في أداء الأدوار الجادة والرومانسية ومنها فيلم «أغلى من حياتي» مع الفنانة شادية، وفيلم «الناصر صلاح الدين» وفيلم «غروب وشروق» إلا أنه نجح أيضا في الأدوار الكوميدية ومنها بطولته لفيلم «عفريت مراتي» و»مراتي مدير عام» و«صباح الخير يا زوجتي العزيزة» .. ودامت رحلته بعد ذلك ما بين السينما والدراما التليفزيونية ليكون فيلم «الإرهابي» آخر عمل يشارك فيه صلاح ذو الفقار، وقد وافته المنية قبل إتمام آخر مشاهده في الفيلم ليرحل عن دنيانا في نهاية ديسمبر 1993 بعد أن ترك أعمالا فنية خالدة.