• وقفت أمينة رزق على خشبة المسرح للمرة الأولى لتغنى بجوار خالتها في أحد العروض المسرحية، وأطلق عليها "أمينة النونو" لحداثة سنها وللتفريق بينها و بين خالتها
• بعد مقابلة يوسف وهبي اقتنع بالطفلة التي تعشق الفن وضمها للفرقة لتكون أصغر أفرادها، وأسند إليها أول أدوارها فى مسرحية "راسبوتين"
• اتجهت أمينة رزق للسينما بفيلم "الدكتور" مع سليمان نجيب الذى كان دائم الإلحاح عليها فى تقديم فنها خارج إطار فرقة رمسيس
علاقة الفنانة أمينة رزق بفرقة مسيس أشبه ما تكون لعلاقة الهواء للكائن الحى فكانت تتنفس الفن من خلال فرقة رمسيس التي دخلتها طفله لا تكاد تقول جملة أو اثنين واستمرت فيها حتى أصبحت بطلتها بلا منازع.. نهلت من خبرات عمالقة وأساتذة الفن في مطلع العشرينات أمثال يوسف بك وهبي وعزيز عيد ومحمد عثمان وحسين رياض وفاطمة رشدي وفاطمة اليوسف وباقي أفراد الفرقة، كانت تتعلم في صمت وتأخذ خطوات جادة في العمل تنقلها نقلات نوعية على المستويين الفني و الشخصي، و لكى نقف على شكل هذه العلاقة التي جمعتها بالفرقة وأفرادها لابد أن نتعرف على الخلفية التاريخية للفنانة أمينة رزق قبل التحاقها بالفرقة.
هروب اضطرارى
ابنة طنطا التي نشأت في قرية رأت فيها رصاص الثأر يحصد الرؤوس و كانت ترى أن كل رجل مشروع قاتل أو مقتول لأنها شاهدت الجثث و دماء الضحايا متناثرة فى الشوارع وهي طفلة لذا فكرت مع أسرتها في الهرب ولكن إلى أين يذهبون؟
ظل السؤال يجول في عقلها الي ان جاء يوم شاهدت فيه جموع الطلاب في طنطا يمرون من أمام بيتها وكأنه فى مظاهرة وعرفت أن المدارس أعطت للطلاب اجازة ليذهبوا لاستقبال الملك القادم من الإسكندرية في موكبه بالقطار الذى سيمر على طنطا، ووجدت الطفلة نفسها وسط الحشود لترى الموكب ومن يردد عاش الملك وآخرين ينادون بسقوطه وهى خلف هؤلاء وذاك تهتف دون أن تدرك ووجدت نفسها محمولة على الأعناق من رجل ضخم وهي تردد الهتافين عاش الملك ويسقط الملك لتجد نفسها في الأخر ملقاة على حجر والدتها، هنا جاءت فكره الهرب للقاهرة مع والدتها، لم تكن الطفلة أمينة تعرف شيئا عن الفن ساعتها أو المسرح فكل علاقتها بالفن مشاهدة الأراجوز وخيال الظل و صندوق الدنيا كباقى أطفالأاهل القرية، و لكن عندما هربت مع والدتها للقاهرة ونزلت في حى روض الفرج عند خالتها أمينة محمد التي كانت تعمل في مجال الفن، وجدت الطفلة عالما مختلفا عما شاهدته في طنطا وبهرتها أضواء المسرح الذى يكتظ به هذا الحي ساعتها فعملت مع خالتها فى مسرح على الكسار ووقفت على خشبة المسرح للمرة الأولى عام ١٩٢٢ تغني بجوار خالتها في أحد العروض المسرحية وأطلق عليها أمينة النونو للتفريق بينها وبين خالتها ولحداثة سنها هذه الخلفية تؤكد أنها ترفض حياتها الأولى وأنها وجدت ضالتها فى الفن الذى أصبح حياتها
اللقاء الأول
طوال فترة عملها في روض الفرج و بالتحديد فى مسرح الكسار وما كان يقدمه بربرى مصر الأسمر من شخصية عثمان عبد الباسط ونوادره كانت تسمع عن أساطير المسرح و نجيب الريحانى و شخصية كشكش بيه و يوسف وهبى الذى عشق الفن لدرجة دراسته في إيطاليا وتكوينه فرقته من ورثه عن والده والتي كانت ثروة ساعتها وحكايات عن رفضه للمسرح الهزلى الذى كان يقدم وشكل المسرح الذى يحلم به، هذه الحكايات جعلتها تحلم بالوقوف أمامه ولكن مقابلة يوسف وهبى ليست بالأمر السهل وبعد محاولات تم اللقاء واقتنع بالطفلة التي تعشق الفن وضمها للفرقة عام ١٩٢٤ أى بعد عام من إنشاء الفرقة وكانت أصغر أفراد الفرقة وأسند لها أول أدوارها في عرض "راسبوتين" فى شخصية الصبي الكسيح "اليكسى" ابن راسبوتين و قدمت الدور بشكل مميز رغم صغر حجمه، من هنا أصبحت تلميذة في مدرسة الفرقة ورأت في يوسف وهبى الأستاذ و الصديق والأب الذي تكن له كل الاحترام و التقدير لدرجة أنها كانت تقف كلما تراه و هو ما قالته لى شخصيا في حوارى معها بالكواكب عام ٢٠٠٣.
هذه الفترة تشكل فيها شخصيتها الفنية بعد عشرات من العروض العالمية والمصرية التي قدمتها بمختلف الأنماط والنماذج فكانت تقدم أدوار رجال و أمهات و زوجات وهى لم تعش هذه المراحل ترى من أساتذتها كيف يكون الأداء و تحاول التجويد فى البروفات لأن المسرح عند يوسف وهبي ممنوع فيه الخطأ أو الارتجال، و لعل من أشهر أعمالها شخصيات اوفيليا وديدمونه وعروض مصرية أمثال مجنون ليلى و مصرع كليوباترا وغيرها، لم تكتف أمينة في هذه المرحلة بالتمثيل بل لها محاولات في التأليف المسرحى والإخراج إلا أن هذه العروض لم تظهر للنور كما أنها دخلت في شراكة إنتاجية مع أحمد بدرخان ومدير التصوير عبد الحليم نصر وحلمي رفله من خلال شركة الفنانين المتحدين.
قسوة الأستاذ
داخل جدران الفرقة التي عرضت أعمالها في العديد من المسرح المهمة منها الأوبرا الخدوية كانت تتعلم من الأساتذة وأبرزهم يوسف وهبى الذى كان يقسو عليها فى العديد من الأحيان لدرجة أنها فكرت في ترك الفرقة واعتزال الفن منها ما حكته لي عندما تلعثمت في بروفة أحد العروض أكثر من مرة فألقى الرواية في وجهها وهاجمها بقوة وكادت تترك الفن كله بسبب هذه الواقعة لولا انه قام بمصالحتها بعد ذلك، ولم تكن هذه الواقعة الأولى ففي أحد العروض كانت تقوم بشخصية رجل و تضع شنبا مستعارا على وجهها و لصق الشنب فك مما جعلها تنسى الجملة ومع أول دخول له على المسرح ووجد الجمهور يضحك نظر إليها فقامت بابتلاع الشنب، هذه القسوة فى العمل يجابهها رفق ولين على المستوى الشخصى وربما كان هذا السبب في خروج شائعات حبها له و التي قالت لي عنها أن سبب خروج هذه الشائعة أنها كانت بطلة فى كل أعماله والجمهور أحب هذه العلاقة فخرجت الشائعة مع أن الحقيقة أنها كنت شاهدة على كل زيجاته وتربطني بهم علاقة صداقة قوية فكيف تحبه .. و لا ننسى أنه من أطلق على لقب "عدوة الرجال "
شائعات.. و سبب اعتزال
لم تكن شائعة حبها ليوسف وهبي هي الوحيدة داخل اروقة مسرح رمسيس بل خرجت شائعات أخرى على أمينة في الفرقة حتى تتركها وتعمل لفرق أخرى منافسة منها ما قاله لها سليمان نجيب "الناس فاهمة أنك مبتعرفيش تمثلى إلا في فرقة رمسيس" و كررها لها نجيب الريحاني ووسط هذه الشائعات حاول البعض بكل جهد الوقيعة بينها و بين أستاذها وامتد الامر لأفراد الفرقة لكنها كانت على قدر كبير من الحكمة لمواجهة اى شائعة ليسود الجو الأسرى فى الفرقة ومع هذا اتجهت للسينما بفيلم "الدكتور" مع سليمان نجيب الذى كان دائم الإلحاح عليها فى تقديم فنها خارج إطار الفرقة وبالطبع كانت تستشير أستاذها فى الأعمال التى ستقدمها.
و حكت أمينة عن نفسها في أحد الحوارات الصحفية أنها كانت أحد أسباب اعتزال فاطمة اليوسف الفن عندما قالت "شاءت الأقدار أن أكون أن أنا من بين الأسباب التي أدت لاعتزال السيدة روزاليوسف المسرح بجانب اشتغالها في الصحافة فعندما دخلت المسرح كانت روزا ملكة متوجه في عالم المسرح و الباقي نجوم درجه تانية و تالته و عندما أراد أستاذى يوسف وهبي أن يعطيني أول فرصة على المسرح في دور البطولة في رواية "الزبيح" أراد أن تعطيها دور الشريرة فاحتجت على ذلك و واعتزلت المسرح نهائيا.
هذه ملامح من حياة عذراء الشاشة أمينة رزق داخل اروقة مسرح رمسيس الذي شكل وجدانها الفنى كما شكل وجدان عشرات من النجوم ساعتها و خرجوا لينشروا فنونهم في كافة الوسائل الأخرى وجعلت من الفن أحد أهم عناصر القوي الناعمة في المنطقة فلم تقدم الفرقة طوال مشوارها عملا هزليا أو كوميديا لمجرد الكوميديا كان العمل فيها مبنيا على الانضباط واللوائح التى وضعها مؤسسها يوسف بك وهبي و عزيز عيد واستطاعا نشر مسرحهم لدى كافة فئات المجتمع المصرى ولم يقتصر على الصفوة فقط ، من هنا خرجت التلميذة أمينة رزق تصول و تجوب فى عالم المسرح و السينما و الإذاعة و والتلفزيون حتى آخر أيامها قبل أن توافيها المنية فكانت تمثل على كرسي متحرك على مسرح الطليعة بعرض " يا طالع الشجرة " للمخرج الكبير د سعد أردش .. هكذا كان الفن المصر وسيظل الرائد فى المنطقة كلها.