الأربعاء 15 مايو 2024

بيرم التونسي.. شاعر القصيدة الغنائية


د.عصمت رضوان

مقالات9-3-2023 | 20:12

د.عصمت رضوان

• أقبل الناس على قصائد بيرم وزاد شغفهم بها على حساب الشعر الفصيح، حتى قال أحمد شوقى: ( أخشى على العربية من عامية بيرم ) مدحا فى بيرم لا قدحا فيه
• دخل بيرم المجال الفنى فألَّف الكثير من الأغاني والمسرحيات الغنائية كما قدم العديد من الأعمال الإذاعية حتى حصل على جائزة الدولة التقديرية عن جهوده في الأدب والفن
يعد بيرم التونسي شاعرًا من طراز فريد، تنوعت إبداعاته الشعرية بين الشعر العاطفى والوطنى والاجتماعي. وهو أحد رواد فن الزجل والشعر العامى في مصر والوطن العربي.
   كان بيرم صاحب شاعرية حقيقية، وصاحب جماهيرية كبيرة في أوساط المثقفين ومحبى الشعر والغناء، بل حظي باهتمام الباحثين والدارسين، فأُلفتْ عنه الكتب والدراسات والأبحاث العلمية، ومن ذلك كتاب كمال سعد "عاصفة من الحارة المصرية 1993"، وكتاب أحمد يوسف أحمد "فنان الشعب 1962"، وكتاب عاطف عمارة "أمير الشعراء العامية 2004"، وكتاب "بيرم التونسى، خلاصة عصر" لمجموعة من المؤلفين ، إلى جانب الكتاب المهم للباحثة التونسية ابتسام الوسلاتى بعنوان "محمود بيرم التونسى : الصورة وفتنة المتخيل"، وكتاب الأميركية ماريلين بوث " أرض الحبايب بعيدة... رحلة نقدية في حياة وأعمال بيرم التونسى".
       ولد شاعرنا (محمود محمد مصطفى بيرم الحريري)، وشهرته (بيرم التونسي )في٢٣ مارس ١٨٩٣ – وتوفي في ٥ يناير ١٩٦١)، وهو شاعر مصرى، ذو أصول تونسية، حيث ولد بيرم لعائلة تونسية، كانت تعيش في مدينة الإسكندرية، بحي السيالة، وفي وقت مبكر من صدر شبابه، ربط الفن بينه وبين سيد درويش، وعمق صداقتهما، وجمعهما في السهرات الفنية التي كانت تشهدها الإسكندرية في ذلك الوقت، وكتب بيرم لسيد درويش عدة أغان.
     ثم دخل بيرم مجال الصحافة حيث أصدر صحيفة «المسلة» ، تبعها بعد ذلك بالعمل في عدة صحف مصرية.
 وتم نفى بيرم التونسي عدة مرات؛ فقد نُفى من مصر إلى تونس ثم إلى باريس، لتبدأ حياته كشاعر منفى يحن إلى وطنه وظهر ذلك في أعماله التي كان يقوم بها وهو فى المنفى.
 وقامت ثورة 1952 في مصر ففرح بها بيرم وأيدها وقال فيها الأشعار والأزجال. 
   وفي عام 1954 حصل بيرم على الجنسية المصرية.
 ثم دخل بيرم المجال الفني فألَّف الكثير من الأغاني والمسرحيات الغنائية وتعامل مع أم كلثوم، وفريد الأطرش، وأسمهان، ومحمد الكحلاوى، وشادية، ونور الهدى، ومحمد فوزى، كما قدم العديد من الأعمال الإذاعية. وهو ما دفع الرئيس جمال عبد الناصر إلى منحه جائزة الدولة التقديرية عن جهوده في الأدب والفن عام 1960.
ولم يمر عام على تقدير الدولة المصرية له حتى رحل عن الدنيا في مايو 1961، بعد معاناة مع مرض الربو، تاركا للأجيال التالية إرثًا كبيًرا من الأزجال والقصائد والمسرحيات، وتجربة عريضة مليئة بالدروس، خاصة في مجال النضال الاجتماعى من أجل الوطن، مما جعله يستحق عن جدارة لقب فنان الشعب، وشاعر العامية، وهرم الزجل.
  وهو شاعر القصيدة الغنائية ورائدها، وأعني بالقصيدة الغنائية هنا القصيدة المغناة التي صدح بها المطربون.
    في بداية المشوار الفنى مع الغناء التقى بيرم  التونسي أولا  بالشيخ سيد درويش، وألف له أوبريت شهرزاد، وأحداث هذا الأوبريت مقتبسة عن أوبريت «دوقة جيرولستين الكبيرة» للكاتبين الفرنسيين: ميلهاك وهاليفي.
 ويأتي في هذا الأوبريت أروع ماقيل عن الشعب المصري:
أنا المصرى كريم العنصرين
بنيت المجد بين الأهرمين
جدودي أنشأوا العلم العجيب
ومجرى النيل في الوادى الخصيب
  ثم قابل بيرم أم كلثوم في نهاية عام ١٩٤٠ ، حيث كان بيرم قد عاد إلى مصر متسللاً بعد عشرين سنة فى المنفى وذلك في ٨ أبريل عام ١٩٣٨، وظل مختفياً حتى صدر العفو عنه. وكان صيته قد ذاع فى تلك الفترة، وعرف الوسط الفنى والأدبى قصته بما فيه أم كلثوم التي كانت تعرف ماضيه في الصحف وتأليف المسرحيات الغنائية، فطلبت من شيخ الملحنين الشيخ زكريا أحمد أن يعرفها على الزجال بيرم التونسى. وتم التعارف بين بيرم وأم كلثوم، واتفقت معه على مجموعة من الأغانى يلحنها زكريا أحمد.
   وبدأ بيرم في أول أعماله الغنائية مع أم كلثوم في أبريل عام ١٩٤١، بتأليف أغنية «أنا وأنت»، ثم يتبعها بأغنية أخرى وهي أغنية «كل الأحبة» التي يقول في مطلعها:
كل الأحبة إتنين إتنين وانت يا قلبي حبيبك فين
يطلع علي البدر جميل يا بدر مالي أنا ومالك
ماليش يابدر نديم وخليل أوريه ويوريني جمالك
  وبدأت رحلة الأعمال الفنية لأم كلثوم مع كلام بيرم وألحان زكريا أحمد، فغنت أم كلثوم أيضاً من كلام بيرم وألحان زكريا أحمد أغنية «إيه أسمى الحب»، وأغنية «الآهات» والتي ترددت أم كلثوم كثيراً في غنائها لولا إقناع الشيخ زكريا أحمد لها، وعلى الرغم من ذلك حققت الأغنية نجاحاً قوياً جداً، حتى وأنها ما إن انتهت من الغناء حتى تواصل التصفيق لأم كلثوم أكثر من عشر دقائق، وكانت هذه أطول مدة تصفيق استقبل فيها الجمهور أغنية من أغانيها طوال حياتها.
ومن الأعمال التي كتبها بيرم لأم كلثوم:
أنا في انتظارك _أهل الهوى_هو صحيح الهوى غلاب_الأمل_حبيبي يسعد أوقاته_ غنيلي شوي شوي_ يا صباح الخير_ الورد جميل_ الاولة في الغرام_ شمس الأصيل_ الحب كده_ القلب يعشق كل جميل.
كما كتب لفريد الأطرش عددا من الأغانى منها:
أحبابنا يا عين_ يللا توكلنا_ بساط الريح_أكل البلح_ يللا سوا_ هلت ليالي _ مرحب مرحبتين _ الليلة نور هل علينا.
وكتب لمحمد عبد الوهاب: محلاها عيشة الفلاح وغيرها .
كما كتب للإذاعة المصرية سيرة الظاهر بيبرس وأوبريت عزيزة ويونس.

 ولعل هذه الكثرة الكاثرة من قصائد بيرم الغنائية، وشيوعها على حناجر كبار المطربين يفسر لنا مقولة أحمد شوقي : (أخشى على العربية من عامية بيرم)، وهذه العبارة تعني إقبال الناس على قصائد بيرم وشغفهم بها على حساب الشعر الفصيح ، الأمر الذي يعد مدحا في بيرم لا قدحا فيه.
 

فقد لقيت كلمات بيرم التونسي من الذيوع والانتشار ما لم تلقه كلمات أيّ شاعر سواه من شعراء العامية ، حيث صدح بكلماته كبار رواد الغناء العربي، الأمر الذى ضمن لهذه الكلمات الانتشار الواسع في أرجاء الوطن العربي، والبقاء والتأثير فى وجدان أبناء العروبة ، مما يجعله بحق رائدا للقصيدة الغنائية في الوطن العربي. 

Dr.Radwa
Egypt Air