ترك يوسف وهبى العز والجاه فى شبابه وتحدى عائلته العريقة واهباً أمواله للمسرح، متحدياً الفرق التجارية التى راحت تقدم أعمالاً مبتذلة أو أعمالاً هزيلة
نستطيع القول إن يوسف وهبى هو رائد المسرح المصرى الجاد، وأن فرقة رمسيس هى النواة الأولى لمسرح الدولة الآن
اثنان من رواد ومؤسسى المسرح فى مصر تنافسا فى هذا اللقب الذى منحه الجمهور لهما، الأول: هو فنان الشعب سيد درويش والذى نقل الموسيقى العربية نقلة نوعية حين تمكن من فك طلاسمها التى وضعها الاحتلال العثمانى منذ 1517، ذلك الاحتلال الذى فرض هيمنة على شكل الموسيقى والغناء فى الوطن العربى لعدة قرون، حتى أتى سيد درويش محطماً تلك الهيمنة وذلك بفض الغبار عن موسيقانا العربية وقوالبها التى كادت تندثر ومزجها بموسيقانا المصرية الأصيلة، فصارت أغانى وألحان سيد درويش تترد على ألسنة الفلاحين والعمال البسطاء بكل سهولة ويسر، وراح الشعب يردد معه "قوم يا مصرى..مصر دايماً بتناديك" و "بلادى.. بلادى..بلادى..لك حبى وفؤادى" و "أحسن جيوش فى الأمم جيوشنا" و "طلعت يا محلا نورها .. شمس الشموسة" و "ياورد على فل وياسمين .. الله عليك يا تمر حنة" و "الحلوة دى قامت تعجن فى الفجرية" و"سالمة يا سلامة روحنا وجينا بالسلامة" وغيرها من الاغانى والألحان التى مازلت عالقة بأذهاننا والتى أثرت وشكلت وجدان الناس على مر الزمان ولأجيال متعاقبة.. ولا شك أن سيد درويش قد استحق هذا اللقب عن جدارة.
أما الرجل الثانى الذى نافسه فى هذا اللقب فهو يوسف وهبى مؤسس فرقة مسرح رمسيس التى نحتفل بمئويتها فى هذا العدد من مجلتكم الغراء الهلال..وحين نتوقف أمام هذا العملاق لدراسة إسهاماته فى مجال المسرح المصرى سنكتشف إننا إزاء بحر متلاطم الأمواج ..غزير الخيرات.. فهو من البنائين الكبار، أو كما وصفته بطلة فرقته لسنوات طويلة "فاطمة رشدى" فى كتابها "بين الحب والفن" قائلة "يوسف وهبى شخصية فريدة قلما يجود الزمان بمثلها .. فإذا عددنا ما يتحلى به من صفات سنجد من أن النادر أن تجتمع كل هذه الصفات فى شخص واحد" ..
وقد ترك يوسف وهبى العز والجاه فى شبابه وتحدى عائلته العريقة واهباً أمواله للمسرح، متحدياً الفرق التجارية التى راحت تقدم أعمالاً مبتذلة أو أعمالاً هزيلة ، إذ آلى على نفسه أن يقدم فناً جاداً يحمل رسائل أخلاقية سامية ليحطم مقولة يرددها بعض صناع الفن حتى يومنا هذا، وهى مقولة مسمومة، ظاهرها باطل و باطنها كذلك باطل وهى "الجمهور عاوز كده" والحقيقة أن يوسف وهبى هو أحد الفنانين الذين تصدوا لهذه المقولة ورفضوها شكلاً وموضوعاً، فالفنان يجب أن يتحمل المسؤلية المجتمعية تجاه أبناء وطنه، ويجب أن يكون فى طليعة الناس بحكم رسالة الفن التنويرية لا أن ينحدر مخاطباً الغرائز بقصد المكسب المادى، وقد احتفى التاريخ بكل فنان فرض فكره وثقافته على المجتمع وتجاهل هؤلاء الذين باعوا ضمائرهم وقدموا فنا رخيصاً يتعاطاه البعض ثم يذهب سريعا إلى طى النسيان، فالخلود دائماً للفن الراقى وللفنان الذى يساهم فى بناء وجدان وثقافة شعبه .. فحين تغنت السيدة أم كلثوم بالأطلال وغدا ألقاك وهذه ليلتى وأراك عصى الدمع جعلت الفلاح الأمى فى حقله يحفظ شعراً صعبا ويتغنى به، فصار الأمى مثقفا يحدثك بمفردات لغوية راقية، والأفلام السينمائية الباقية فى ذاكرتنا هى الأفلام التى تحمل رسالة فكرية فى إطار فنى يحترم عقلية المشاهد.. أما أفلام المقاولات فقد ذهبت إلى سلة مهملات التاريخ، وحين تريد أن تبحث في ذاكرة الشعب تجاه السينما المصرية ستجده يطرح عليك أسماء أفلام خالدة كالناصر صلاح الدين وشىء من الخوف وبداية ونهاية وأريد حلا والخيط الرفيع أو حتى الأفلام الكوميدية الراقية كإشاعة حب الذى كان أحد أبطاله فنان الشعب يوسف وهبى والذى نجح فى فرض المسرح الجاد على الجمهور، وذلك قبل أن تتبنى الدولة المسرح وتكون فرقا حكومية منوعة مازالت تعمل حتى الآن، ومن هنا نستطيع القول أن يوسف وهبى هو رائد المسرح المصرى الجاد، وأن فرقة رمسيس هى النواة الأولى لمسرح الدولة الآن، حيث قدمت الفرقة أعمالا كلاسيكية جادة من الأدب التمثيلى العالمى كراسبوتين وكرسى الاعتراف وعطيل وغادة الكاميليا والأخرس، وعن مسرح رمسيس يقول بديع خيرى "جاء يوسف وهبى من إيطاليا وألف فرقة رمسيس وضم إليها كبار الممثلات والممثلين وأخد يقدم الروائع العالمية مترجمة ترجمة دقيقة على مسرح كامل الإعداد، ولوجه الحق والتاريخ كان مسرح رمسيس هو المسرح الكامل الأول فى تاريخ النهضة المسرحية فى مصر وكان الإقبال الشديد على مسرح رمسيس سبباً فى هبوط الإقبال على المسارح الأخرى ومن بينها مسرح الريحانى" وقد ضمت الفرقة عدداً من الفنانين الذين تركوا بصمة على الحياة الفنية سواء المسرحية أو السينمائية كحسين رياض وعزيز عيد الذى كان أول مدير فنى للفرقة وفتوح نشاطى واستيفان روستى و أمينة رزق وفاطمة رشدى وغيرهم.. وقد تأثر هؤلاء جميعا بثقافة وفكر يوسف وهبى التي أهلته أن يكتب ويخرج ويلحن ويمثل وينتج سواء للمسرح أو السينما، وقد وضع يوسف وهبى تقاليد صارمة فى مسرحه، كموعد فتح الستارة والتزام الممثل بالنص ومنع التدخين في قاعة العرض، ورغم ما قدمه من أعمال رصينة وكلاسيكيات صعبة لقبه الجمهور بفنان الشعب