الأربعاء 15 مايو 2024

«سيد حجاب» .. أيقونة البسطاء

14-2-2017 | 20:09

بقلم : عاطف بشاي

جاء «سيد حجاب» شاعر الفقراء ومندوبهم الدائم .. و لسان حالهم الأمين والمولود عام 1940 بالقرب من شاطئ بحيرة المنزلة بالدقهلية .. متأثرا بغناء الصيادين يشاركهم معاناتهم .. ويلتقط مفرداتهم اللغوية العذبة المغموسة فى قهر الزمان .. وعذاب الدهر .. وظلم السلاطين .. ويحولها إلى صيحات أعتراض حزينة.. ونغمات أسى مقيم بلسان حكيم .. وروح ثائر .. وضمير فيلسوف حائر بين اليأس والرجاء .. بين ماض تعس يقدم فيه البسطاء اعتذاراً عن وجودهم .. وغد يشى بأحلام محلقة بوعود أمل و مصالحة (من اختمار الحلم يحيى النهار/ يعود غريب الدارلأهل وسكن).

جاء " سيد حجاب " من ثنايا دفتر الحياة والموت ليلمس كبد الحقيقة .. يضع يدة على مأساتنا الوجودية .. يفزعنا على مصيرنا .. مصير الزمن الملعون .. والدهر المأفون .. والأرض الجدباء .. والدنيا الضنينة .. والحلم المخنوق .. والأمل الضائع .. والحياة العبثية .. والموت المجهول (يا أمان الغربة ليلك بيحاصرنا / وفى صدمة المر طاوينا وعاصرنا / بس طول ما الحب بيرفرف علينا / الجدور حنمدها ونصنع مصيرنا) .. ورغم أنه يتساءل فى استنكار وغضب وأستنفار للبشر الذين يحبهم ويكتب لهم أشعاره وأغانيه التى تنعى زمن الحلم والبراءة (مين اللى قال مكتوب علينا الهوان / لا الدنيا سيرك ولا الزمان بهلوان) طالباً منا أن نلملم جروحنا ونسير خطوة إلى الأمام .. ونحلم بعيون يقظة .. ولا ننام إلا بعد أن نقطف زهر أحلامنا (فكل ضيقة وبعدها وسعة/ وهى دى الحقيقة بس منسية / وكلنا ولاد تسعة وبنسعى / ودى مش وسية / الناس سواسية).

إلا أنه يعود ليمزج بعبقرية كلمات الأمل المحفزة بعدم الجدوى الملغزة .. الحياة بتحدياتها ومعاركها المستعرة .. بأسى حقيقة الموت والفناء رغم محاولات الفرار من عبثيتها ( لو مت على السرير / أبقوا أحرقوا الجسد / وأنطروا رمادى على البيوت / شوية لبيوت البلد / وشوية حطوهم فى إيد ولد / ولد أكون بوستة / ولا أعرفوش / ولو أموت قتيل / وأنا من فتحة الهويس بفوت أبقوا اعملوا من الدم حنا /وحنوا بيها كفوف عريس / وهلال على مدنه / ونقرشوا بدمى / على حيطان بيت نوبى تحت النيل .. أسمى).

جاء «سيد حجاب» أيقونة البسطاء يبادلهم سخرية بسخرية وهو يعرف تمام المعرفة أن السخرية والتنكيت والتأليس والتلسين هم حزب الأغلبية المقهورة فى مواجهة القهر .. متنفسهم الحقيقى فى أحتمال واقعهم المرير .. أنهم يسعون بالسخرية إلى التعبير عن الظلم الأجتماعى .. وعن أحباطاتهم و عذاباتهم .. وتنتقل سخرياتهم إلى الأوضاع السياسية التى يعاصرونها .. فقال قبل ثورة يناير ما يعبر عن نبوءة بها معارضة لقصيدة «شوقى» (سلوا قلبى) : (سلوا قلبى وقولوا لى جوابا / لماذا حالنا أصبح هبابا / لقد ساد الفساد وساد فينا / فلم ينفع بوليس أو نيابة / وشاع الجهل حتى أن بعضنا / من العلماء لم يفتح كتابا / وكنا خير خلق الله فصرنا / فى ذيل القائمة وفى غاية الخيابة / قفلنا الباب.. أحبطنا الشباب / فأدمن أو تطرف أو تغابى / أرى أحلامنا طارت سرابا / أرى حياتنا أضحت خرابا / وصرنا نعبد الدولار حتى / نقول له أنت ماما وأنت بابا / وملياراتنا هربت سويسرا / ونشحت من الخواجات الديابة / ونهدى مصر حباً بالأغانى / فتملئنا أغانينا أغتراباً / وسيما الهلس تشبعنا عذابا / وتشبعنا جرائدنا أكتئابا/ زمان يطحن الناس الغلابة / ويحيا اللى محترماً مهابا / فكن لصاً إذاً أو حمارا / وكل مشاً إذاً أو كل كبابا .