الأحد 19 مايو 2024

«اشتركنا مع الجيران لشراء فانوس».. كيف حافظت الأسرة المصرية على طقوس رمضان برغم التحديات؟

كيف حافظت الأسرة المصرية على طقوس رمضان برغم التحديات؟

تحقيقات19-3-2023 | 11:30

تعيش الأسرة المصرية وخاصةً المرأة، الآن ظروفًا صعبة بسبب الأحوال الاقتصادية وما تفرضه من تداعيات، وها هي تستقبل الآن شهر رمضان المبارك.. وسط حيرة كبيرة أمام الظروف الاقتصادية الصعبة ومحاولة الحفاظ على بهجة رمضان التي اعتادت عليها الأسرة المصرية من شراء الزينة وقماش الخيامية والفوانيس والياميش وقمر الدين والتمور، فهل يمكن لهذه البهجة التواجد الآن؟.

 بهجة رمضان أمام جنون الأسعار

تحكي السيدة كريمة محمد ربة منزل: تخليت عن طقم الخيامية الذي كنت أبتاعه كل عام؛ لأفرشه في غرفة الصالون احتفالًا بشهر رمضان المبارك ولم أشتري زينة جديدة بل حاولت استخدام زينة العام الماضي، مع بعض محاولات إصلاحها، كما اشتريت من الفوانيس ما وجدته في متناول يدي على عكس السنوات الماضية.

وتوضح أنها كانت تشتري فانوسًا كبيرًا تعلقه في البيت أو في الشرفة، لكنها هذا العام اكتفت بفانوس صغير حتى تحافظ على فرحة أولادي.

وتضيف سيدة أخرى (امرأة عاملة)، أنها حاولت قدر الإمكان الحفاظ على بهجة رمضان، قائلة: "اشتركنا مع الجيران واشترينا فانوس متوسط الحجم لنعلقه في منتصف الشارع مع بعض خيوط الزينة ولكنني لم أشتري بعض كثير من الأشياء اللازمة لصنع طبق حلوى بعد الإفطار وكثفت كل جهودي للحفاظ على وجبة إفطار جيدة".

وتوضح أنها لجأت للاختيار والمفاضلة بشأن اليامشي، حيث أن أسعار قمرالدين والقراصية مرتفعة جدًا هذا العام، فالقرصية ستمائة جرام 40ج والتمور أسعارها متدرجة، مضيفة أن هناك من يشتري ولكنه تحتم عليه الظروف أن يختار احتياجات ويتخلى عن أخرى.

ويضيف عم سمير، بائع ياميش رمضان، أن الناس تأتي وتشتري نوعا واحدا وهناك من يشتري نوعان وربما تكون أسعار المشروبات المجففة مرتفعة قليلًا لكن لاغنى عنها على مائدة الإفطار، مضيفا أن أغلب الناس يشترون قمر الدين لأن سعره متداول بين الناس لكن ارتفاع سعره جعل الناس مترددة أو تشتري على سيبل إسعاد أولادهم وأنفسهم بينما هناك بعض الناس يستطيع الشراء فيأخذ بكميات كبيرة خوفًا من غلاء فيما بعد.

فيما يوضح أحمد محمد، بائع الفوانيس، أن حركة البيع ليست ثابتة، وأسعار الفوانيس ذات الخامة الجيدة مرتفعة في السعر والخامة المتوسطة الجودة أقل في السعر، مضيفًا الإنتاج المصري يكتسح السوق، وأن الفوانيس الكبيرة التي اعتاد الناس تعليقها في الشوارع على سبيل البهجة والاحتفال باهظة الثمن.

وأكد أن الناس يشترون الفوانيس التي تبدأ أسعارها من 10 جنيهات للأطفال وحتى ثمانين جنيهًا وليست ذات حجم كبير لكنها تؤدي الغرض.

السلوكيات الخاطئة تفسد بهجة رمضان

وفي هذا السياق قال الدكتور عبد العزيز آدم أستاذ علم النفس، إن هناك الكثير من السلوكيات الخاطئة التي تظهر في مجتمعنا بشكل واضح مع دخول شهر رمضان المعظم منها الإسراف في شراء السلع والأغذية، وكأن شهر رمضان أصبح شهر للتغذية فقط وليس شهر للروحانيات والعبادة.

وأوضح في حديثه لـ"دار الهلال"، أن شهر رمضان نعيد فيه شحن الطاقات الإيجابية النفسية، وتؤكد دراسات علم النفس أنه عندما يتم شحن الحانب الروحاني وتقويته لدينا يؤدي ذلك إلى سلامة الصحة النفسية"، مضيفا أن رمضان شهر نتقرب فيه إلى الله عزوجل فهو من الطبيعي الإقتصاد وليس الإسراف.

ولفت إلى أن ما نراه من طعام على مائدة الإفطار للتباهي في حالة العزومات أو الخوف من زيادة أسعار السلع قبل الشهر المبارك؛ يؤدي لحدوث حالة من الشره في الشراء دون وعي أو إدراك للكميات التي فوق حاجة المشتري، وهذا ليس من الجانب النفسي أو الديني في شئ.

وأضاف أن كل هذا يؤدي إلى نتيجة عكسية، فالإسراف في الأكل وإلقائه في سلة المهملات كل ذلك يزيد من حدة المشاكل المتعلقة بالأسعار، علاوة على ذلك الجانب الديني وما فيه من حرمانية كبيرة، مضيفا أن هناك من الناس لا يستطيع الحصول على القدر القليل من الطعام؛ نتيجة إسراف البعض في الشراء وعدم استخدامها بالكامل يعرضها للتلف وكل ذلك يزيد من العبء على الفقراء وكل هذا يؤدي إلى فقدان القيمة الروحانية المنوط بها شهر رمضان المعظم.

حالة مرضية

ويقول: أما بخصوص الناس التي تقوم بهذه السلوكيات هي للأسف عندها اختلال بالثقة في النفس، حيث يأخذ الأمر في أغلب الأحيان كنوع من أنواع الخوف يصل إلى حد الوسواس القهري؛ متصورا أنه خلال شهر رمضان الأمور ستزيد صعوبة في الحصول على الطعام مع الصيام حيث تزيد هذه المخاوف الناتجة عن عن عدم الثقة في النفس هذا النوع من الناس يستخدمها كنوع من التداعي.

وقال إن العزومات مناسبة لصلة الأرحام والتقارب من الأسرة وكذلك الثواب وإفطار صائم، وليس للاستعراض والتنافس، مؤكدا أن كل ذلك يؤدي إلى شراء جنوني للسلع الغذائية يساهم في الغلاء المبالغ فيه وتصيبنا صدمة كبيرة عند الإطلاع على الإحصائيات المتعلقة بالطعام المسستهلك في شهر رمضان حيث ما نستهلكه في شهر لا نستهلكه في الشهور الأخرى من العام.

حلول مقترحة

ويطرح بعض الحلول لهذه المشكلة هي التوعية من خلال المؤسسات الدينية والثقافية لنؤكد على فكرة الإعتدال وعدم الإسراف ونشر ثقافة الصحة النفسية للتخلص من هذه الواساوس القهرية والهواجس.   

فيما يشير الدكتور حسن الخولي أستاذ علم الاجتماع إلى نقطة أخرى مختلفة، وهي التنشئة الإجتماعية والتربية لها دور كبير في هذه الظاهرة السيئة التي إذا دلت لا تدل إلا على عدم الرشد في التفكير والتصرف، مضيفا أن التنشئة وما لها من ذكريات في الطفولة والمراهقة تبني هذا السلوك من خلال المحكاة والتقليد لسلوكيات الكبار في شتى نواحي الحياة.

وأضاف أن التكالب على شراء السلع بدون تدبر وتعقل وهذا ما يجعل التجار ينتهزون الفرصة لرفع أسعار السلع فيدفع ثمن ذلك الجميع وليس النوعية المفرطة في الشراء ويشير أن السلعة ذات الثمن المرتفع لها شقين شراء كميات منها لا يتم استخدامها والاستفادة منها والشق الثاني خسارة مادية لثمنها المرتفع.

وأكد أنه لا بديل عن التوعية من خلال التربية والتنشئة التي تحجم هذا السلوك، وأجهزة الثقافة والإعلام لنشر ثقافة السلوك الرشيد الهادي دون صراع أو تكالب كما ترشدنا فلسفة الآية الكريمة "ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط" .