الثلاثاء 21 مايو 2024

فورين بوليسي: معضلة صربيا وكوسوفو تكشف عجز الاتحاد الأوروبي عن معالجة المشاكل الأمنية

الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل

عرب وعالم25-3-2023 | 10:53

دار الهلال

بعد قمة مليئة بالضغوط في بلدة "أوهريد" شمالي مقدونيا الشمالية بين زعيمي كوسوفو وصربيا، أعلن منسق السياسة الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن الجانبين توصلا إلى توافق بشأن تنفيذ اتفاق لتطبيع العلاقات الثنائية، لكن الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش رفض في النهاية التوقيع على النص الذي توسط فيه الاتحاد الأوروبي.

وقال بوريل، عقب الاجتماع الذي استمر 12 ساعة يوم السبت 18 مارس، "إن كوسوفو وصربيا اتفقتا مبدئيا على السير في طريق تطبيع العلاقات بينهما، وأشار بوريل، في حديثه إلى وضع الصرب بكوسوفو، قائلا "إن كوسوفو وافقت على الشروع على الفور في المفاوضات بشأن وضع مستوى مناسب من الإدارة الذاتية للمجتمعات الصربية في كوسوفو".

من جهته، قال الرئيس الصربي "اتفقنا على بعض النقاط، ليست جميعها، وإن هذا ليس اتفاقا نهائيا"، لافتا إلى أن مسار صربيا نحو عضوية الاتحاد الأوروبي سيكون مشروطا بتنفيذ الاتفاق.

وتنص الوثيقة الأوروبية المقدمة لحل الخلاف بين الجانبين، والمؤلفة من 11 مادة، على أن الطرفين "يعترفان بشكل متبادل بوثائقهما والرموز الوطنية الخاصة بكل منهما"، وأنهما لن يستخدما العنف لحل الخلافات بينهما.

كما تنص الوثيقة على أن "صربيا لن تعارض انضمام كوسوفو إلى منظمة دولية"، كما تقترح منح "مستوى مناسب من الحكم الذاتي" للأقلية الصربية في كوسوفو.

وتأتى المحادثات عقب جهود دبلوماسية مكثفة تهدف إلى إنهاء التوترات بين بلجراد وبريشتينا، التي مازالت مستمرة بعد نحو 25 سنة من حرب دامية، انتهت بحملة عسكرية قادها حلف شمال الأطلسي (ناتو) لحماية ألبان كوسوفو من مجازر الصرب وقتها.

ولطالما رفضت صربيا الاعتراف بإعلان كوسوفو الاستقلال أحاديا في عام 2008، مع اندلاع اضطرابات متفرقة بين صربيا وإقليمها الانفصالي السابق، وأعلنت كوسوفو - ذات الأغلبية الألبانية - استقلالها عام 2008، بعد 10 سنوات تقريبا من الحرب التي أنهت الحكم الصربي، لكن صربيا لا تزال تعد كوسوفو إقليما منفصلا.

وتساءلت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية عما إذا يمكن للرئيس الصربي أن يتجاهل التزامات بلجراد في ملحق التنفيذ الخاص بالاتفاق الصادر في مقدونيا الشمالية؟ وكذلك النقاط الأخرى التي تم التفاوض عليها في بروكسل في 27 فبراير الماضي، والتي رفض الرئيس الصربي التوقيع عليها أيضا؟ ولماذا يجب على رئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي أن يضع على الفور ضمانات غير محددة لصرب كوسوفو إذا كانت كوسوفو لا تعرف على وجه اليقين مدى التزام صربيا بجانبها من الاتفاق؟ وهل ستعترف صربيا ضمنيا بكوسوفو بموجب هذا الاتفاق، أم أن هذا يعتمد على خطوات أخرى؟
وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن الوضع يمكن توصيفه باختصار بأن "سحابة من عدم اليقين تخيم على أهم مفاوضات في البلقان" منذ أكثر من 20 عاما، رغم أن قضية كوسوفو أشعلت شرارة التفكك العنيف ليوغوسلافيا في التسعينيات.

واعتبرت المجلة أن هذه القضية (كوسوفو وصربيا) كشفت عجز الاتحاد الأوروبي عن معالجة المشاكل الأمنية في ساحته الخلفية، منبهة إلى أن استمرار حالة الخلاف الراهنة وعدم قدرة أوروبا على توحيد المنطقة في النظام الغربي، من شأنه خلق فرصة كبيرة لتواجد روسيا والصين (اللتين تعارضان بشدة استقلال كوسوفو) في المنطقة.

وحذرت "فورين بوليسي" من أن زيارة الرئيس الصيني "شي جين بينج" إلى موسكو قبل أيام ربما تضمنت تنسيقا للجهود بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتقويض الاتفاق (بين صربيا وكوسوفو)، ما يترك كوسوفو في حالة من الغموض، والمنطقة بأسرها في حالة اضطراب من ناحية، وتعزيز شراكتهما الاستراتيجية مع صربيا من ناحية أخرى.

ونبهت المجلة الأمريكية إلى أنه بالنظر إلى ما هو على المحك إذا فشل الاتفاق، يجب على واشنطن وبروكسل -وليس فقط بلجراد وبريشتينا- تحمل مسؤولياتهما، خاصة فيما يتعلق بالغموض الذي يكتنف الاتفاق وأدى برئيس صربيا إلى عدم التوقيع عليه.

وحددت "فورين بوليسي" ثلاث خطوات ضرورية لوضع أساس لنجاح الاتفاق، أولها: ضرورة تخلي الاتحاد الأوروبي عن الادعاء بأنه مجرد وسيط بين الطرفين، ويجب على واشنطن هي الأخرى أن تتخلى عن الإدعاء بأنها مجرد داعم تحت قيادة الاتحاد الأوروبي، ويجب إدراك أن حديث منسق السياسة الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عن أن تنفيذ الاتفاق متروك للأطراف المعنية، أمر غير مجدي خاصة وأن هذا الحديث ليس سوى تقليل لدور الاتحاد الأوروبي في المراقبة، في حين أن الواقع يؤكد أنه لا يوجد طرف لديه التزامات رسمية بموجب اتفاق "بروكسل-أوهريد" أكثر من الاتحاد الأوروبي نفسه.

وأوضحت المجلة أن هناك نصوصا في الاتفاق تتحدث عن مهام محددة مثل "رئاسة" الاتحاد الأوروبي للجنة مشتركة لضمان والإشراف على تنفيذ "جميع الأحكام"، مع مهلة زمنية صارمة مدتها 30 يوما لإنشاء هذا اللجنة، لافتة إلى أن مثل هذه النصوص تتطلب أن تظهر بروكسل قوة غير مألوفة لتنفيذ البنود المتفق عليها، وعدم الاكتفاء بحالة الغموض التي من شأنها مفاقمة الأوضاع سوءا.

وتتمثل الخطوة الثانية في أنه يجب على الاتحاد الأوروبي معالجة أي شك بشأن الطبيعة الملزمة للاتفاقية وجميع أحكامها، حيث يشعر ألبان كوسوفو بالقلق من أن رئيس صربيا يمكن أن ينسحب من الاتفاق الذي لم يوقعه حتى الآن، أو ببساطة يختار البنود التي يرغب في تطبيقها فقط، ويجب هنا التأكيد على أن نص الاتفاق الذي تم التوصل إليه بوساطة الاتحاد الأوروبي - الاتفاق الأساسي والملحق- يشير بوضوح إلى نية الأطراف الالتزام بشكل شامل بالاتفاق، كما أن البند الثاني من ملحق الاتفاق ينص على أنه: "يلتزم الطرفان تماما باحترام جميع مواد الاتفاق وهذا الملحق، وتنفيذ جميع التزامات كل منهما الناشئة عن الاتفاق وهذا الملحق على وجه السرعة وبحسن نية".

ودعت المجلة بروكسل إلى متابعة وتعديل إجراءات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي رسميا بالنسبة لصربيا وكوسوفو، حتى توضح للأطراف المختلفة –خاصة روسيا والصين - أنه لا يوجد غموض بشأن اتفاق "بروكسل-أوهريد"، مع الشروع بشكل فوري في تسجيل الاتفاق لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة.

واعتبرت "فورين بوليسي" أن التسجيل في هذه الحالة (بدون توقيع حتى الآن) يتوافق تماما مع دعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة الخاصة "إيداع كل معاهدة أو اتفاقية دولية، مهما كان شكلها واسمها الوصفي في أقرب وقت ممكن ليتم تسجيلها"، (حتى وإن كان "الاتفاق الذي يتم تطبيقه مؤقتا وقبل دخوله حيز التنفيذ").

وفيما يتعلق بالخطوة الثالثة، فيجب على واشنطن الضغط على شركائها في الاتحاد الأوروبي لمعالجة أكبر ثغرة في الاتفاقية، والمتعلقة بحرمان كوسوفو من أي مسار أوروبي حقيقي، ويجب هنا الانتباه إلى أن خمس دول في الاتحاد الأوروبي - قبرص واليونان ورومانيا وسلوفاكيا واسبانيا - ترفض الاعتراف بكوسوفو، ما يمنع بريشتينا حتى من التقدم بطلب للحصول على عضوية في الاتحاد الأوروبي أو الناتو، ويبقى من غير الواضح تماما ما إذا كان توقيع صربيا وتصديقها على اتفاق "بروكسل-أوهريد" سيؤدي إلى تغيير هذا الموقف من عدمه.

واقترحت المجلة في هذا الصدد قيام إدارة الرئيس الأمريكي "جو بادين" بخطوة خارج الصندوق لحلحلة الوضع القائم، وذلك بأن تقنع أوكرانيا بالاعتراف بكوسوفو على أساس اتفاق "بروكسل-أوهريد"، ما يضع بدوره الدول الأوروبية الأخرى أمام تحد صعب يتمثل في أنه: إذا كانت الدولة، التي تواجه هجوما من قبل طرف مسلح نوويا، يمكنها الاعتراف بكوسوفو، فلماذا لا تقوم دول مثل اسبانيا بذلك أيضا؟
وشددت المجلة الأمريكية على أهمية عامل الوقت، حيث إن استمرار المعضلة على وضعها الحالي للعام المقبل (2024 عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية)، من شأنه خسارة تركيز واشنطن في القضية، ما قد يؤدي إلى العودة بالملف إلى منطقة الأزمات، وتوسيع دائرة النفوذ الروسي والصيني.