الثلاثاء 14 مايو 2024

أمثال شعبية (30-4)| مسمار جحا

صورة تعبيرية

ثقافة26-3-2023 | 21:27

عبدالله مسعد

تعد الثقافة الشعبية من المداخل الهامة لدراسة الشعوب؛ لأنها تعبر عن الجوانب النفسية والشعورية في حياة المجتمعات، وتعد الأمثال الشعبية أحد أبرز هذه الثقافة، وذلك لأنها تمثل حجر الزاوية في معرفة الشعوب.

والمثل هو تلك الحكمة التي تبرز في كلام مسجوع أو مرسل فيدخل النفس حاملا في طواياه رمزاً إلى نقد أو علاج ناحية من مناحي هذه الحياة المتفرّقة الموزّعة، والحكمة قديمة في هذه الأرض وهي نتاج النفس ووليدة تجربتها وخبرتها في نعماها وبؤساها، وقلّما تخلو أمة أو قبيلة من إرسال الحكمة في أمثال سائرة بينها وقد تتعدّى هذه الأمثال أهلها وقائليها إلى غيرهم من الأمم والشعوب وذلك واضح فالنفوس البشرية مهما تباينت في الرقي والانحطاط فهى تشترك في أغلب منازع الحياة، وقد تعلو هذه الحكمة وترتدي أثوابا من الثقافة والمعرفة وبعد النظر والنفاذ في الأشياء على قدر رقي الأمة ونضوجها.

ونستعرض معا خلال أيام شهر رمضان المعظم مجموعة من تلك الأمثال الشعبية المصرية، والتي تناولت العديد من الموضوعات الحياتية واليومية.

 

وحديثنا اليوم عن مثل: مسمار جحا

كان جحا معروفًا بغبائه وخبثه، وفي يوم ما اضطر إلى أن يبيع منزله، ولكنه اشترط على المشتري أن يترك له مسماراً في حائط داخل المنزل، فوافق المشتري دون أن يلاحظ الغرض الخبيث لجحا من وراء ذلك الشرط، لكنه فوجئ بعد أيام بجحا يدخل عليه البيت، فلما سأله عن سبب الزيارة أجاب جحا "جئت لأطمئن على مسماري".

ولكن جحا بدأ يتخذ مسماره حجة ليتردد على المنزل في كل وقت دون استئذان أو ميعاد مسبق، بدأ صاحب المنزل يغضب ولكنه كان يستحي أن يحرج جحا، وفي يوم جاء جحا مبكرًا ليفرش فرشته على الأرض وتهيأ للنوم ففاض صبر صاحب المنزل وسأله عن ماذا ينوي أن يفعل؟ فأجاب جحا "سأنام في ظل مسماري".

وبدأ هذا الموقف يتكرر كثيرًا حتى نفذ صبر الرجل وقل جلده وترك المنزل وهرب.

ولعل أبرز أمة حظيت بهذا الضرب من الحكمة هى الأمة اليونانية فقد كانت الغالبة على كل ثقافتها وقد خلدت في حكمائها على مر العصور.

والحكمة وحى الروح وسكونها وتجردها من قوارع الهوى ونزوات الشهوات، بل قل هي عدالة النفس وتقواها.

وقد برزت الحكمة مرسلة ساذجة جميلة في الأمة العربية قبل الإسلام وكانت وحي الصحارى وبنت الخيال الساذج الهائم تحت الكواكب في الليل وفي وهج الشمس بالنهار، وكانت تساور نفوس هؤلاء البدو الرحل وتعتلج في صدورهم فأرسلوها في شعر موزون صاف، وفي نتف من النثر البليغ المسجوع آونة والمرسل آونة اخرى.

ثم جاء الإسلام بالحكمة الكبري تترى في آيات بينات يحملها جبريل إلى محمد الذي أخذ يلقنها الناس قوانين لدينهم ودنياهم فارتفعت بالأمة العربية وبلغت بها الأوج في العز والرفاهة والعدل.

وكثر شعراء الحكمة في الاسلام وكتابها وتداول الناس أمثالها السائرة وفاز شعراؤها وكتابها بالخلود وأصبحت في أسمي مراتب الأدب العربي ، وإن المتنبي وأبا العلاء وغيرهما قد سبقوا بشارا ومروان بن أبي حفصة وأضرابهما وهم أشعر منهم وأحل لأن الفريق الأول حكماء والثاني شعراء فقط.

انحدرت الحكمة إلى شمال أفريقيا قاطبة من العرب وغيرهم من الأمم التي نزلت بها فتلقفوها وهضموها وأرسلوها أمثالا في هذا المزيج العجيب من الرطانة التي تتحدث بها هذه البلاد.

وفازت مصر بالنصيب الأوفي من هذه الأمثال التي أخذت تفصلها وتتنوّق فيها فأرسلتها نهاية في العذوبة.

وأصبحت الأمثال المصرية فاكهة الأمم الشرقية لصوابها حيناً، ولفكاهتها حيناً آخر، فهام بها الشرق العربي وتقبل هذا الأدب المصري المحلى باللذة والتشوق، والعجيب أن هذه الأمم الشرقية تشترك مع في كثير مصر من أمثالها ولعل مصر هى التي تشترك معها فيها باختلاف بين اللهجات الاقليمية.

Dr.Radwa
Egypt Air