يزخر تاريخنا الثقافي والفني بشخصيات كثيرة يمثلون علامات مضيئة، ونجومًا تتلألأ في حياتنا، من مؤلفين وممثلين ومخرجين، ونجوم خلف الستار، أضافت الكثير بالتزامها وإخلاصها وموهبتها وإبداعها في مسيرة المسرح المصري والعربي أيضًا، وأسعدت الجمهور بكل ما قدمت.
وتستكمل بوابة «دار الهلال» في رمضان 2023، ما بدأته من قبل برمضان 2021، حيث تواصل تسليط الضوء على نجم من هؤلاء النجوم يوميًا تحت عنوان «نجوم المسرح المصري» ولنسافر معًا في سطورنا إلى رحلته وحياته بالمسرح، فقد ترك هؤلاء النجوم إرثًا فنيًا في الحركة المسرحية المصرية وحفروا أسمائهم في عالم الإبداع بما قدموا بالكثير من الأدوار والشخصيات الدرامية بمسرحنا المصري.
واللقاء اليوم مع الفنان القدير.. الممثل والمخرج عبد الحفيظ التطاوي
هو أحد عشاق والمخلصين للفن الأصيل والهاوي الحقيقي للمسرح، الفنان القدير عبد الحفيظ التطاوي، والذي يمثل قامة كبيرة وشخصية مهمة من علامات الإبداع والفن المصري.
شارك في رحلة الفن المصري والعربي، بمختلف قنواته، واتجاهاته، بالمسرح والسينما والتليفزيوني والإذاعة على مدى أكثر من خمسين عامًا، وتفرغ لممارسة الفن كمحترف مبكرًا، لكنه ظل محتفظًا بروح الهواية الخالصة.
الميلاد والنشأة .. ابداية كانت مسرحية
ولد عبد الحفيظ التطاوي في 29 نوفمبر عام 1922 بمحلة منوف بمحافظة الغربية، وأخذته نداهة الفن وهو تلميذ بالمرحلة الابتدائية عندما شاهد مسرحية «شهامة العرب» التي كان يقدمها سيرك حسن الحلو بمولد «السيد البدوي» بمدينة طنطا، فقام حينذاك بتقليد جميع الفنانين الذين يشاهدهم.
وتوجه بعد ذلك إلى ممارسة هواية التمثيل من خلال فرق الهواة، وكانت البداية بفريق التمثيل بالمدرسة الابتدائية، ثم فريق المدرسة الثانوية، ومن بعد ذلك بالمرحلة الجامعية وتألقه المسرحي حتى أنه اختير لتولي مسئولية رئاسة فريق التمثيل بكلية الحقوق «جامعة فؤاد الأول» التي تخرج منها عام 1949.
أول دفعته بمعهد فنون مسرحية
وبعد تخرجه من الجامعة، التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية وتخرج منه عام 1950، وكان أول دفعته، وهي الدفعة الرابعة التي ضمت نخبة من المبدعين منهم: نور الدمرداش، ملك الجمل، علي الغندور، أحمد سعيد، ونظرا لتفوقه رشح للسفر في بعثة دراسية و اضطر للاعتذار نتيجة لارتباطاته العائلية والوظيفية، حيث كان يعمل موظفًا بوزارة المالية أثناء دراسته بالمعهد.
البداية العملية .. واحتراف الفن
بدأ عبد الحفيظ التطاوي حياته العملية عام 1950 بانضمامه إلى فرقة «المسرح المصري الحديث»، والتي كونها الفنان القدير زكي طليمات من خريجي معهد الفنون المسرحية، هذا مع احتفاظه بوظيفته لعدم قدرته على التفرغ واحتراف الفن.
تأسيس فرقة «المسرح الحر»
وشارك مجموعة من زملائه خريجي معهد الفنون المسرحية في تكوين فرقة «المسرح الحر» عام 1952، وكان منهم: على الغندور، حسين جمعة، زكريا سليمان، إبراهيم سكر، سعد أردش، شكري سرحان، على الزرقاني، عبد المنعم مدبولي، توفيق الدقن، أنور محمد، وشارك عبد الحفيظ التطاوي في معظم عروض الفرقة، و تولى مسئولية رئاسة مجلس الإدارة عدة سنوات، ومن أهم أدواره في هذه الفترة: شخصية الكمسري بمسرحية «الناس اللي تحت»، عبد السلام بمسرحية «عبد السلام أفندي».
وانضم في نهاية الخمسينيات وأوائل الستينيات إلى كل من فرقتي «المسرح الشعبي»، و«مسرح العروبة»، وشارك بالتمثيل والإخراج في عروض كل منهما، وكان يشاركه البطولة في عروض فرقة «مسرح العروبة» كل من الفنانين: نوال أبو الفتوح، أمال زايد، زيزي مصطفى، عصمت محمود، نادية عزت، كامل أنور، زين العشماوي.
وانضم في أوائل الستينيات إلى مسارح التليفزيون شعبة «المسرح الحديث»، كما شارك في عروض فرقة «مسرح الحكيم» في الفترة من 1966 إلى عام 1971، ومن أهم أدواره في هذه الفترة شخصيتي« خالد النعمان»، و«عبد العال» في مسرحية «اتفرج يا سلام»، وشخصية «أبو الدهب الحاوي» في مسرحية «بلدي يا بلدي»، وشخصية رئيس الوزراء في مسرحية «سلطان زمانه».
تفرغ عبد الحفيظ التطاوي لمهنة التمثيل بدءًا من عام 1970، وترك مهنة المحاماة وإن كانت قد أفادته كثيرا في أعماله الفنية وكان آخر منصب تقلده مستشار قانوني بالإصلاح الزراعي.
ومنذ أوائل السبعينيات شارك في بعض عروض فرقة «المسرح الكوميدي»، ثم انتقل إلى فرقة «المسرح الحديث» منذ عام 1974، ومن أهم أدواره: شخصية «سليمان» في مسرحية «واحدة بواحدة»، والأستاذ في مسرحية «حكاية الواد بلية»، وشخصية حميد في مسرحية «ميت حلاوة».
وشارك عبد الحفيظ التطاوي أيضًا في بطولة بعض المسرحيات بفرق القطاع الخاص ومن أهمها: «البغل × الإبريق لفرقة «تحية كاريوكا» عام 1968، البغبغان مع فرقة «مسرح الفن»، و«كعبلون» بفرقة «مصر المسرحية» مع الفنان سعيد صالح،ونحاول في السطور المقبلة أن نقدم قائمة للعروض المسرحية التي شارك فيها بالمسرح المصري خلال رحلته الفنية الثرية.
أعماله المسرحية
قضى عبد الحفيظ التطاوي في العمل بالمسرح كممثل ومخرج محترف ما يقرب من 50عامًا، شارك خلالها بعضوية أهم الفرق المسرحية وعمل مع كبرى الفرق الخاصة.
وتتمثل مشاركاته في المسرح مع الفرق المختلفة كالتالي:
فرق مسارح الدولة
- فرقة «المسرح الحديث»: «الحصاد» من إعداد: أنور فتح الله عن قصة عبد الحميد جودة السحار (1962)، حتى يعود القمر» ، إعداد: عبد الرحمن شوقي عن قصة محمود السعدني، «البيت القديم» (1963)، «جواز على ورقة طلاق» من تأليف: الفريد فرج (1974)، الزفاف» (1975)، «برج المدابغ» من تأليف: نعمان عاشور (1976)، «حفلة طلاق» من تأليف: فتحي سلامة (1977)، «واحدة بواحدة» من تأليف: أحمد عفيفي (1979)، «حكاية الواد بلية» من إعداد وأشعار: سيد حجاب (1981)، «ميت حلاوة» من تأليف: د. محمد عناني، «البنت اللي بتحلم » من تأليف إلمر رايس (1982).
- «مسرح العروبة» (العسكري): «اتفرج وشوف» من تأليف:.محمود مرسي (1965)، «المرايا» من تأليف: محيي الدين عارف (1966).
- «مسرح الحكيم»: «اتفرج يا سلام» (1966)، بلدي يا بلدي (1968)، والمسرحيتان تأليف رشاد رشدي.
- «المسرح الكوميدي»: أنت اللي قتلت الوحش» من تأليف: على سالم (1969)، «الجيل الطالع» من تأليف: نعمان عاشور (1971)، «مخالفة يا هانم» (1972)، مولد وصاحبه غايب (1985).
- «مسرح الحكيم»: وابور الطحين (1965)، «سلطان زمانه» عن هبط الملاك في بابل» من تأليف: دورينمات (1970)، «يا سلام سلم الحيطة بتتكلم» من تأليف: سعد الدين وهبه (1970)، «نور الظلام من تأليف: رشاد رشدي (1971).
- «مسرح الجيب»: «ياسين وبهية» تأليف: نجيب سرور (1965)، «جواب» من تأليف: ناجي جورج (1971).
- «وزارة الثقافة»: مع فرقة روض الفرج: شارك في مسرحية «امرأة العزيز» تأليف:سمير سرحان 1982، ومسرحية «ليلة حب عصرية» وقدمت كـ «أمسية مسرحية» من تأليف: أحمد عز الدين (1989)، «عودة الأرض» من تأليف: ألفريد فرج (1989).
الفرق الخاصة
- فرقة «المسرح الحر»: «عبد السلام أفندي»: تأليف: أنور قزمان، إخراج: صلاح منصور، (1954)، »المغماطيس»: تأليف: نعمان عاشور، (1955)، ومسرحية «الناس اللي تحت» لنعمان عاشور، (1956)، «زقاق المدق»: إعداد: أمينة الصاوي، عن رواية نجيب محفوظ، إخراج: كمال ياسين، «فيضان النبع» تأليف: محمود السعدني، (1958)، الفراشة: تأليف: رشاد رشدي، «مراتي نمرة11» : تأليف: أنور قزمان (1959)، «لعبة الحب»: تأليف: رشاد رشدي، «بين القصرين»: إعداد. أمينة الصاوي عن رواية نجيب محفوظ، إخراج: كمال ياسين (1960)، «قصر الشوق»: إعداد: أمينة الصاوي عن رواية نجيب محفوظ، إخراج: كمال ياسين (1961).
- فرقة «تحية كاريوكا»: «البغل × الإبريق» من تأليف: فايز حلاوة 1968.
- فرقة «مفيد مرعي»: عاشق المظاهر «على بيه مظهر»: تأليف: لينين الرملي (1979).
- فرقة «مسرح الفن»: «البغبغان» من تأليف:مصطفى سعد (1982).
- فرقة «مصر المسرحية» للفنان سعيد صالح: «كعبلون» م(1985)، «نحن نشكر الظروف» (1987)، «حلو الكلام» (1991)، والمسرحيات الثلاث للمؤلف محمد شرشر.
- «المسرحيات المصورة» : شارك عبد الحفيظ التطاوي في المسرحيات التي أنتجت خصيصًا للعرض التليفزيوني ومنها: «مرافعات عائلية»، «عيني في عينك»، «كومبارس الموسم»، «عروسة تجنن،» «فخ السعادة الزوجية»، «كلام خواجات، «جواز مع المشاركة في الأرباح»، «ليلة من الليالي».
كبار المخرجين
وتعاون عبد الحفيظ التطاوي بمسرحياته مع نخبة من كبار المخرجين الذي يمثلون أكثر من جيل ومن بينهم الأساتذة: عبد الرحيم الزرقاني، نبيل الألفي، سعد أردش، إبراهيم سكر، كمال ياسين، كرم مطاوع، حسن عبد السلام، نجيب سرور، جلال الشرقاوي، عبد المنعم مدبولي، سمير العصفوري، علي الغندور، أحمد سعيد، صلاح منصور، فايز حلاوة، فوزي درويش، عبد الغفار عودة، رشاد عثمان، عبد الغني زكي، جلال توفيق، مجدي مجاهد، جمال الشيخ، أحمد بدر الدين، عصام السيد.
- شخصيات درامية متعددة ومركبة
جسد عبد الحفيظ التطاوي خلال مسيرته الفنية في عدد كبير من الأدوار المركبة والشخصيات المتنوعة ولعل من أشهرها شخصيات:« الرجل الريفي المغلوب على أمره، الثرى الصعيدي، رب الأسرة المتوسطة المتميز بالطيبة والعطف والمسالمة، الرجل المصري البسيط الذي ينتمي للطبقة المتوسطة الكادحة»، وكذلك أدوار «الرجل المثالي» المحافظ على التقاليد والعادات، وإن لم يمنعه ذلك بالطبع من أداء بعض أدوار الشر والخداع، وكذلك بعض الأدوار الكوميدية.
الرصيد الفني الكبير
بلغ الرصيد الفني للفنان عبد الحفيظ التطاوي ما يقرب من (75) مسرحية، (35) فيلما، (50) مسلسلا تلفزيونيًا، (50) سهرة ومسلسلًا إذاعيًا، وعمل خلال رحلته الفنية التي قاربت نصف قرن، أيضا لفترة طويلة أستاذًا لمادة التمثيل بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وقام بإخراج بعض العروض المسرحية لفرقة الهواة بالجامعة والأقاليم.
المشاركات السينمائية
وشارك الفنان القدير عبد الحفيظ التطاوي في عدد كبير من الأفلام السينمائية المتميزة، وكان أول فيلم يشارك فيه هو «حياة وآلام السيد المسيح » عام 1939، في حين كانت آخر مشاركاته السينمائية بفيلم «الكلام في الممنوع» عام 1999.
وتضم مشاركاته السينمائية عددا من الأفلام المهمة ومن بينها: «ظهور الإسلام»، «مطاوع وبهية»، «يوميات نائب في الأرياف»، وفي السنوات الأخيرة فيلمي: «اللعب مع الكبار» عام 1991، «الحب في ظروف صعبة» عام 1996.
المشاركات التلفزيونية
شارك عبد الحفيظ التطاوي في العديد من الأعمال التليفزيونية منذ بداية الستينيات بالقرن الماضي، منذ بدايات إنتاج الدراما التليفزيونية، ومن أهم أعماله: مسلسل «عادات وتقاليد» الذي جسد من خلاله شخصية الأب رب الأسرة الحكيم المحافظ على التقاليد، وكذلك مسلسلات: «خيال المآتة»، «عيلة الدوغري»، «المحروسة»، «الضوء الأسود»، «بوابة الحلواني»، «حسن ونعيمة»، «زينب»، «برج الحظ»، «جمهورية زفتى»، «يوميات ونيس - ج4»،
وشارك عبد الحفيظ التطاوي، في السهرات التليفزيونية «عبد الستار»، «الرباط»، وكانت آخر أعماله التليفزيونية مسلسل «رياح المدينة» من إخراج رائد لبيب.
جوائز وتكريم
ونال عبد الحفيظ التطاوي على العديد من الجوائز وشهادات التكريم، منها:
- شهادة تقدير من الرئيس الأسبق محمد أنور السادات عام 1976.
- درع التميز من دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1983.
- التكريم من مهرجان المركز الكاثوليكي للأفلام السينمائية.
رحيل وأثر كبير باق
وكان عبد الحفيظ التطاوي يردد أن جائزته الكبرى هي حب وارتباط الجمهور به، وأن أفضل الأدوار التي قام بأدائها في حياته هو دور الأب لأسرته الصغيرة، فقد تزوج مبكرا من السيدة سميرة الحجاوي وأنجب أربعة أبناء هم: ياسر رحمه الله، والمهندسان: تامر ومحمد، والدكتورة. نوال التطاوي وهي أول سيدة بمصر تشغل منصب وزيرة الاقتصاد والتعاون الدولي، في حكومة الدكتور. عاطف عبيد في منتصف التسعينات بالقرن الماضي.
رحيل وأثر إبداعي كبير باق
رحل الفنان القدير عبد الحفيظ التطاوي عن عالمنا في 18 مارس عام 1998، عن عمر يناهز خمسة وسبعين عامًا، بعد عدة أزمات صحية، لكنه بقي بأثره الفني والإبداعي، أيقونة من أيقونات الفن والثقافة بمصر والعالم العربي، وضوءً منيرا لاينطفيء أبدًا.
مسرحية الحب يصلح كل حاجة
مسرحية كومبارس الموسم
مسرحية الناس اللي تحت
من أعمال عبد الحفيظ التطاوي المسرحية
عبد الحفيظ التطاوي.. على خشبة المسرح
