الخميس 21 نوفمبر 2024

ثقافة

أمثال شعبية (30-20)| لكل جواد كبوة

  • 11-4-2023 | 16:37

صورة تعبيرية

طباعة
  • عبدالله مسعد

تعد الثقافة الشعبية من المداخل الهامة لدراسة الشعوب؛ لأنها تعبر عن الجوانب النفسية والشعورية في حياة المجتمعات، وتعد الأمثال الشعبية أحد أبرز هذه الثقافة، وذلك لأنها تمثل حجر الزاوية في معرفة الشعوب.

والمثل هو تلك الحكمة التي تبرز في كلام مسجوع أو مرسل فيدخل النفس حاملا في طواياه رمزاً إلى نقد أو علاج ناحية من مناحي هذه الحياة المتفرّقة الموزّعة، والحكمة قديمة في هذه الأرض وهي نتاج النفس ووليدة تجربتها وخبرتها في نعماها وبؤساها، وقلّما تخلو أمة أو قبيلة من إرسال الحكمة في أمثال سائرة بينها وقد تتعدّى هذه الأمثال أهلها وقائليها إلى غيرهم من الأمم والشعوب وذلك واضح فالنفوس البشرية مهما تباينت في الرقي والانحطاط فهي تشترك في أغلب منازع الحياة، وقد تعلو هذه الحكمة وترتدي أثوابا من الثقافة والمعرفة وبعد النظر والنفاذ في الأشياء على قدر رقي الأمة ونضوجها.


ونستعرض معا خلال أيام شهر رمضان المعظم مجموعة من تلك الأمثال الشعبية المصرية، والتي تناولت العديد من الموضوعات الحياتية واليومية.


وحديثنا اليوم عن مثل: لكل جواد كبوة.


تروى قصص كثيرة ومتعددة حول هذا المثل وعن أسبابه تذكر أن هذا المثل يقال عندما يرتكب الرجل الصالح خطأ، يعود أصل هذا المثل، إلى زمن الحجاج عندما وقع خلاف بين"الحجاج" وابن القرية"، وحاول ابن القرية بأن يصالح الحجاج كي تعود العلاقات الطيبة مرة أخرى وعن الروايات الكثيرة.

فالرواية الأولى تظهر عندما طلب ابن القرية من الحجاج أن يلقي خطبة للناس، وعندما انتهى سأله الحجاج، "كيف رأيتني"، فأجلبه ابن القرية قائلا "رأيت الأمير خطيبا مصقعا، يشير باليد، ويكثر بالرد، ويستعين بأما بعد، وفور انتهائه من هذه الكلمات، طلب ابن القرية من الحجاج بأن يسمح له بأن يتكلم بكلمات تكن من بعده مثلا، فقال ابن القرية، "أيها الأمير، لكل جواد كبوة، ولكل شجاع نبوة، ولكل كريم هفوة.


وعن الرواية الثانية فمضمونها انه سقط جواد في بئر، وانكسرت قدميه، كما أن صاحب هذا الجواد، رأي أنه لا داعي لإخراج هذا الجواد العجوز، نظرا لكون ثمن إخراجه من البئر سيوازي ثمن شراء جواد جديد، لذا قرر الفلاح أن يتخلص من البئر والجواد في آن واحد.

وقرر الفلاح ردم البئر ودفن الجواد على حد سواء، وأدرك الحصان ما يقوم به صاحبه وأخذ يصهل بصوت مرتفع طالبًا العون والاستغاثة، ولكن بعد فترة قليلة، انقطع صهيل الجواد، وما أن نظر الفلاح هو ومن معه، إذ وجدوا الجواد ينفض التراب عن ظهره، ويسقطه على الأرض.


وبهذه الطريقة كان يرتفع الجواد فوق التراب، حتى ارتدمت الحفرة واستطاع بخطوة بسيطة أن يخرج من البئر، حيث اندهش الجميع من فطنة الجواد، نظرا لقدرته على التغلب على كبوته وخروج منها.

ولعل أبرز أمة حظيت بهذا الضرب من الحكمة هى الأمة اليونانية فقد كانت الغالبة على كل ثقافتها وقد خلدت في حكمائها على مر العصور.


والحكمة وحى الروح وسكونها وتجردها من قوارع الهوى ونزوات الشهوات، بل قل هي عدالة النفس وتقواها.


وقد برزت الحكمة مرسلة ساذجة جميلة في الأمة العربية قبل الإسلام وكانت وحي الصحارى وبنت الخيال الساذج الهائم تحت الكواكب في الليل وفي وهج الشمس بالنهار، وكانت تساور نفوس هؤلاء البدو الرحل وتعتلج في صدورهم فأرسلوها في شعر موزون صاف، وفي نتف من النثر البليغ المسجوع آونة والمرسل آونة اخرى.


ثم جاء الإسلام بالحكمة الكبري تترى في آيات بينات يحملها جبريل إلى محمد الذي أخذ يلقنها الناس قوانين لدينهم ودنياهم فارتفعت بالأمة العربية وبلغت بها الأوج في العز والرفاهة والعدل.


وكثر شعراء الحكمة في الاسلام وكتابها وتداول الناس أمثالها السائرة وفاز شعراؤها وكتابها بالخلود وأصبحت في أسمي مراتب الأدب العربي ، وإن المتنبي وأبا العلاء وغيرهما قد سبقوا بشارا ومروان بن أبي حفصة وأضرابهما وهم أشعر منهم وأحل لأن الفريق الأول حكماء والثاني شعراء فقط.


انحدرت الحكمة إلى شمال أفريقيا قاطبة من العرب وغيرهم من الأمم التي نزلت بها فتلقفوها وهضموها وأرسلوها أمثالا في هذا المزيج العجيب من الرطانة التي تتحدث بها هذه البلاد.


وفازت مصر بالنصيب الأوفي من هذه الأمثال التي أخذت تفصلها وتتنوّق فيها فأرسلتها نهاية في العذوبة.


وأصبحت الأمثال المصرية فاكهة الأمم الشرقية لصوابها حيناً، ولفكاهتها حيناً آخر، فهام بها الشرق العربي وتقبل هذا الأدب المصري المحلى باللذة والتشوق، والعجيب أن هذه الأمم الشرقية تشترك مع في كثير مصر من أمثالها ولعل مصر هى التي تشترك معها فيها باختلاف بين اللهجات الاقليمية.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة