بقلم – لواء د. نصر سالم
منذ اشتعال الصراع فى اليمن فى أوائل عام ٢٠١٥ والنار تأكل كل ساعة يمنياً إن لم تجد ما تأكله!
فقد تعدت خسائر اليمنيين البشرية والمادية حتى الآن ما يزيد على ١٢ ألف قتيل، ٤٠ ألف مصاب، ٣ملايين نازح لا يجدون ما يقوتهم من الطعام، أما ما تحتاجه اليمن لإعادة الإعمار، إذا قدر لها وتوقف القتال فربما لا يكفيها عشرون ملياراً من الدولارات.. هذا إذا توقف مرض الكوليرا عن حصد المزيد من اليمنيين الذى بلغ تعدادهم حتى الآن «٣٠٠ ألف فرد مصاب» ووفاة أكثر من «١٧٠٠ فرد».
فى الوقت الذى يحاول فيه المبعوث الدولى لليمن طرح مبادرات لتقريب وجهات النظر بين طرفى الصراع الذين يتمسك كل منهما بموقفه ويرفض تقديم أى تنازلات للتوصل إلى تسوية للأزمة.. ومع تكثيف المجتمع الدولى جهوده لاستئناف المفاوضات وتخفيف المعاناة عن الشعب اليمنى، سواء سعى المبعوث الأممى لدفع الحوثيين والرئيس السابق على عبدالله صالح لتسليم ميناء «الحديدة» لجهة محايدة لضمان وصول المساعدات إلى الشعب اليمنى، وحل أزمة الرواتب، وإقرار هدنة جديدة، ثم عقد جولة من المفاوضات، فى ظل تعهد الدول المانحة فى اجتماع جنيف يوم ٢٥ أبريل٢٠١٧ بتقديم حوالى «١.١ مليار دولار « والسعى لمواجهة انتشار مرض الكوليرا والقضاء عليه أو الحد من خسائره، وفى المقابل إعلان الكويت استضافة كافة الأطراف اليمنية للتوصل إلى صيغة نهائية للحل حقنا للدماء وحفاظاً على وحدة التراب اليمنى.
وبين هذا وذاك تواصل الولايات المتحدة الأمريكية عملياتها الانتقائية من آن لآخر ضد تنظيم القاعدة وأى عناصر إرهابية تتراءى لها على الأراضى اليمنية، وخاصة بعد أن ساهم الاقتتال الداخلى بين طرفى الصراع فى تزايد نشاط تنظيم القاعدة فى اليمن، بسبب انهيار منظومة الدولة وعناصرها، وتمكن القاعدة من السيطرة على مناطق متعددة فى اليمن وخاصة محافظة حضر موت جنوبى اليمن، وظلت تدير عملياتها فى المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، إلى أن قامت قوات التحالف العربى وقوات الشرعية بإجبارها على الانسحاب إلى المناطق الجبلية والصحراوية فى محافظة شبوه المجاورة، مع سعيها لتوظيف الموقف للسيطرة على مساحات واسعة وفرض حالة من الفوضى فيها، خاصة بمحافظة «عدن».
أما طرفى الصراع:
فجماعة الحوثى بميليشياتها المسلحة المدعومة من إيران ومعها ما يقرب من ٨٠ في المائة من قوات الجيش اليمنى الموالية للرئيس السابق على صالح وهى عبارة عن قوات الحرس الجمهورى، تواصل جهودها فى التمسك بمكتسباتها الميدانية على الأرض مع القيام بضرب العمق السعودى بالصواريخ أرض أرض وتهديد الملاحة فى البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وقد سبق لها:
- استهداف سفينة تابعة لدولة الإمارات العربية كانت تقوم بعملية نقل الجرحى ومواد وإغاثة فى أكتوبر عام ٢٠١٦
- استهداف فرقاطة عسكرية سعودية كانت تقوم بالمرور أمام سواحل الحديدة فى يناير ٢٠١٧
- استهداف ثلاث قطع للبحرية الأمريكية قبالة السواحل اليمنية بعدة صواريخ فى أكتوبر ٢٠١٦ وقد ردت عليها القوات الأمريكية بصواريخ كروز.
كما تشير تقارير أمريكية عن تزويد إيران للحوثيين بتكنولوجيا القوارب الانتحارية المتفجرة والطائرات الموجهة بدون طيار والصواريخ البالستية.
- ورغم كل تلك الظروف فقد تراجعت سيطرة مجموعة الحوثي/ صالح على الأراضى اليمنية إلى «١٥ فى المائة» فقط.
وتفجرت الخلافات بين عنصريها من الحوثيين ومجموعة صالح داخل مدينة صنعاء وحاول كل منهما استعراض قوته وفرض سطوته على الآخر بعد أسابيع من التوتر بين الطرفين على خلفية اتهامات متبادلة بالخيانة، شهدت خلالها شوارع العاصمة صنعاء انتشارا مكثفا لحزب المؤتمر الشعبى العام، الذى يتزعمه على صالح ردا على محاصرة ميليشيات الحوثى لمنزل على صالح وإقامة نقاط تفتيش فى محيطه، كما دفعت بعدد من العربات المدرعة من داخل المطار إلى أكبر ميادين العاصمة، ومع كل ذلك لم تتوقف تلك المجموعة «صالح/ الحوثى» عن قصف قوات الشرعية والتحالف العربى بالصواريخ الباليستية فى المخا، غرب مدينة تعز.
أما قوات الحكومة الشرعية التى تسعى للحفاظ على الدعم المادى والعسكرى من دول التحالف لتعزيز شرعيتها فى ضوء محدودية قدرات الحكومة على إدارة شئون البلاد وتلبية الاحتياجات الأساسية للشعب اليمنى خاصة فى المناطق الواقعة تحت سيطرة السلطة الشرعية التى بدأت فى عمليات إعادة إعمار عدن بدعم من الدول الخليجية.
وتواصل هذه القوات جهودها لتحرير الأراضى اليمنية من سيطرة جماعة الحوثي/ صالح وفرض سيطرتها على سائر المحافظات التى تم تحريرها، مع التركيز على تحرير العاصمة صنعاء وباقى المناطق الحدودية مع المملكة العربية السعودية ومنطقة باب المندب وسواحل البحر الأحمر، لتأمين الملاحة البحرية وإحكام سيطرتها على المنطقة لقطع طرق تهريب الأسلحة للميليشيات.
وفى هذا التوقيت الذى يتطاير فيه الشرر من الاحتكاك الواقع بين مجموعة الحوثى ومجموعة صالح فى صنعاء.. تتعالى بعض الأصوات من خارج اليمن بضرورة قيام قوات الشرعية باستغلال الوضع الراهن واقتحام مدينة صنعاء وتحريرها من مجموعتى الحوثى وصالح، غير عابئين بكل الاستحكامات الدفاعية حولها والطبيعة الجبلية للأرض الجبلية المحيطة بها مهما كانت الخسائر بدعوى أنهم نالوا من الدعم المادى والعسكرى ما فيه الكفاية للقيام بذلك.. غير عابئين بحجم الخسائر التى يمكن أن تحدث فى كلا الجانبين ولا بحور الدم اليمنى التى سوف تجرى من فوق هذه الجبال وفى أوديتها.
إن الحكومة الشرعية التى تستند إلى شرعية اختيارها من الشعب اليمنى مسئولة عن كل قطرة دم تسيل من دماء اليمنيين سواء من جانب المؤيدين أو المخالفين، فكلهم يمنيون ولابد من تحكيم العقل والحكمة والوصول إلى كلمة سواء، مهما كان الثمن السياسى لذلك، وكفا ما سال من دماء يمنية حتى الآن.
إن الدماء اليمنية لن يهتز لها إلا اليمنيون ولن يكون هناك من هو أحرص منهم على حقنها.. وليعملوا بمبدأ «إذا لم يكن هناك مكسب فلتكن أقل خسائر»، وليتهم يتعلمون من درس لبنان الشقيق الذى اكتوى بنار الحرب الأهلية عشر سنوات، ولم يجدوا سبيلا سوى التوافق الذى حفظ لهم أرواحهم ودولتهم.
أما بخصوص الحوثيين فهناك أكثر من سبيل لاحتوائهم بشرط ابتعادهم عن أى تدخل إيراني، الذى يعتقد أن حضن الوطن هو الحصن الحصين لهم من هذا التدخل، وليت الجميع يكونون من الحكمة بالدرجة التى تحمى أبناء الوطن من الشيطان ولا تكون عونا للشيطان عليهم.