الأربعاء 15 مايو 2024

من «عليش» إلى «الكنز» محمد سعد.. كوميديا لغة المساطيل ورقص الأرداف

11-9-2017 | 14:37

بقلم – سامح فتحى

يجسد الفنان محمد سعد بصورة واضحة حال الفن والسينما المصرية التى وصلت إلى مرحلة من الهبوط لم تسبق إليها، فقد كانت السينما المصرية قوية فتية فى بدايتها وحتى فترة الستينيات وبداية السبعينيات، ثم تحولت إلى السينما التجارية فلم تعد تأبه بالفن السينمائى القائم على النص والموهبة التمثيلية والإخراج المميز، بل صارت تمضى فى طريق مخاطبة غرائز الجمهور الجنسية أو النفسية والاجتماعية التى قد تطالب فى فترة ما بأعمال لا قيمة لها سوى الإثارة أو الإضحاك غير الهادف، فندر الفيلم المتميز بطريقة جعلت الأفلام الهابطة هى الأساس فى السينما، وحجة المنتج فى ذلك هى أن الجمهور يريد ذلك، ولا يدرك أنه هو المتسبب الأساسى فى إفساد ذوق الجمهور ودفعه لأعمال تافهة، ولو تمسك بعمل جيد لوجد صدى كبيرًا من الجمهور.

وفى حالة الفنان محمد سعد - وهو الذى اتخذ المنحى الكوميدى - نجد أن مقوماته الفنية لا يمكن أن تزيد عن مقومات الصف الثانى من الممثلين أو «السنيدة» فى الأفلام الكوميدية، ولا يستطيع أن يحمل عبء بطولة عمل وحده، وإن حدث ذلك يكون فى عمل أو اثنين ثم يعود لتألقه فى أدوار السنيد أو الصف الثاني، وقد قام نجاحه بداية على كونه ممثلاً سنيدًا، لكن نظرًا لنجاح أحد أدواره ظن أنه من الممكن أن يصير بطلا أساسيا فى كل أفلامه، وهو ما لم يتحقق، فمحمد سعد بدأ بأدوار ثانوية فى أفلام «عليش دخل الجيش» ١٩٨٨، و»المشاغبون فى البحرية» ١٩٩٢، و»الطريق إلى إيلات» ١٩٩٣، و» الجنتل» ١٩٩٦، و»امرأة وخمس رجال» ١٩٩٧، ثم جاءته فرصته الكبرى فى فيلم «الناظر» ٢٠٠٠ من بطولة علاء ولى الدين، وأحمد حلمي، وهشام سليم، حيث أدى فى هذا الفيلم دور «اللمبي» ذلك الشخص الذى ينتمى للطبقة الشعبية، المسطول بصفة مستمرة، ويتحدث بطريقة غريبة يظهر من خلالها ثقل النطق مع حديثه المليء بالبذاءات والسفالة والبلطجة، وتخلفه الثقافى الواضح، ومعالجته كل مشكلاته عن طريق السلاح الأبيض، وعدم فهمه الحديث الراقي، وإفهاته المتعلقة بشخصيته إلخ. وقد لاقت هذه الشخصية الجديدة على الجمهور نجاحا كبيرا، جعل محمد سعد يشعر بالنشوة وبداية مشوار الصعود، حيث وجد الشخصية قد خطفت الأضواء وجذبت الأنظار، وصار الجمهور يتحدث عنها ويقلدها فى أحاديثها ويتندر بطريقة كلامها.

لكن محمد سعد فهم أن مؤهلاته هى التى نجحت وليست الشخصية وغرابتها، فقدم بطولة فيلم «٥٥ إسعاف» ٢٠٠١ مع أحمد حلمى بعيدا عن شخصية اللمبي، ظنا منه أن الجمهور سيحتفى به على اعتبار أنه ممثل جيد علق بأذهانهم فى فيلم «الناظر»، لكنه فوجئ أن هذا الدور لم يحقق الصدى المرجو، بل مر العمل دون أدنى بصمة جيدة، ففهم محمد سعد أن الجمهور الذى أحبه فى فيلم «الناظر» لم يحبه تقديرا لمؤهلاته الفنية، ولكن أحب الشخصية نفسها ولو أداها أى ممثل بنفس مواصفتها لتعلق به الجمهور، لذا أعاد سعد تقديم شخصية «اللمبي» فى فيلم حمل اسم الشخصية «اللمبي» ٢٠٠٢، وقام سعد بدور البطولة، لأن الفيلم كله يدور حول شخصية «اللمبي» وهنا حدث ما لم يتوقعه سعد ولا النقاد بل ولا الجمهور، وهو نجاح العمل واكتساحه شباك التذاكر بصورة نادرة الحدوث، وإقبال جماهيرى جعل دور العرض ترفع شعار كامل العدد والحجز مسبقا، وانتقل محمد سعد باللمبى إلى الصف الأول بل وتصدر هذا الصف, وفهم سعد أن السبب فى النجاح هو مواصفات الشخصية التى علقت بذهن الجمهور وليس مواصفاته هو الشخصية والتى لا تنتج بطلا من الصف الأول.

لذا اتخذ سبيله فى تقديم هذه الشخصية فى أعماله التالية، ومن بطولته طبعا، استغلالا لنجاحها وظاهرتها العجيبة، فقدم الشخصية بصور متنوعة فى أفلام «اللى بالى بالك» ٢٠٠٣، و» عوكل» ٢٠٠٤، و»بوحة» ٢٠٠٥، و» كتكوت» ٢٠٠٦ ، و»كركر» ٢٠٠٧، و»بوشكاش» ٢٠٠٨، و» اللمبى ٨ جيجا» ٢٠١٠، و»تك تك بوم» ٢٠١١، و»تتح» ٢٠١٣، و»حياتى مبهدلة» ٢٠١٥ و»تحت الترابيزة» ٢٠١٦. وبالطبع شخصية «اللمبي» تقدم منوعة بصور مختلفة فى هذه الأعمال، فإما أن يكون اللمبى باسمه وطبيعته، وإما يكون اللمبى بصفاته التى تتلخص أحيانا فى الجنون، والحديث بطريقة غريبة، مع ضحالة الثقافة وسوء الفهم، ومقدرته مع ذلك على صنع الأفعال المبهرة، والإتيان بالعجائب، والتغلب على قوى الشر التى تفوقه مهارة وذكاء وثقافة كما فى «كركر»، أو تمكنه - وهو الشخصية البسيطة الساذجة التى تتحدث بسذاجة مفرطة - من القيام بدور يحتاج لقمة اللباقة والثقافة كما فى «كتكوت»، أو يقوم بشخصية اللمبى ومواصفتها فى «تتح»، أو يقوم بطبيعة الشخصية من استظراف وتحريك الجسد بالرقص- خاصة الأرداف التى يفعلها تقريبا فى كل أعماله -وإطلاق الإيفهات المختلفة والمكررة كما فى «بوشكاش»، أو يقوم باللمبى ذاته بكل حركاته فى «حياتى مبهدلة» وفى «تحت الترابيزة».

فمحمد سعد يقدم شخصية واحدة فى كل أعماله لكن بصور متنوعة، والغريبة أنه يظن أنها شخصيات مختلفة، ولا أدرى هل ظنه هذا يرجع لعدم قدرته على التمييز بين محددات الشخصية وطبائعها التى تميزها عن غيرها، أم أنه يدرك لكنه ينكر من أجل الرد على من يتهمونه بتكرار الشخصية؟ وبالقطع الذى دفع محمد سعد لتقديم هذه الشخصية الواحدة فى أعماله هو مواصفات الشخصية التى لاقت النجاح الكبير بين الجمهور، لكن نجدها مُقدمة بلا سيناريو محكم أو إخراج مميز أو نص راق، ورغم ذلك تنجح الشخصية! وسبب نجاح الشخصية يرجع لأن هذه الشخصية جديدة على جمهور صار يريد الابتعاد عن هموم الحياة ومعايشة السذاجة والضحك من أجل الضحك فقط، فهو يريد أن يترك عقله على باب السينما ويسترده عند الخروج، فيجد فى الشخصية الباعث على الضحك من حركات مبتذلة ورقص بالأرداف وكلمات بذيئة وإيفهات مبتكرة، لذا نجحت الشخصية وبالتالى نجح سعد وشكل ظاهرة، لكن الظاهرة مهما طال أمدها محكومة بفترة زمنية وتنتهي، لذا مل الجمهور الشخصية من كثرة تكرارها، فالنكتة عندما يسمعها الشخص للمرة الأولى يضحك كثيرا وتضحكه أقل للمرة الثانية، لكنها عندما تتكرر يمجها ولا ينصت لها، ويتعجب صاحب النكتة المكررة من عدم إضحاكها للجمهور! وهو ما حدث مع محمد سعد الذى مله الجمهور، أو مل الشخصية، لأن سعد استنفذ مخزونه من استخدام نفس القالب فى الإضحاك، فيلقى بنفس الإيفيهات على مشاهد تشبّع بها فلم يعد يضحك، وبالطبع لا يجد فيها ما يجذبه دراميا، مما جعله لا يحفل بها، ففوجئ سعد برد الفعل على أفلامه الأخيرة السلبى من الجمهور، الأمر الذى جعله أخيرا ينتبه ليعود إلى بدايته كسنيد أو مساعد للبطل فى الفيلم، والذى ينجح فيه ببراعة، ففعل ذلك فى الفيلم الجديد «الكنز» ٢٠١٧ والذى يعرض حاليا فى دور العرض، وهو من إخراج شريف عرفة، وبطولة محمد رمضان، وهند صبري، وروبي، ورغم أن مساحة دوره كبيرة تجعله يدخل فى حيز البطولة، ورغم أن طبيعة الدور الذى يقدمه سعد فى فيلم «الكنز» جادة إلا أن سيطرة الكوميديا على محمد سعد جعلته يحاول أن يخرج بعض مكامن الكوميديا فى الدور، مما أضعف الدور كذلك فلم يكن على المستوى المطلوب.

    Dr.Radwa
    Egypt Air