تتمتع ولاية صباح الماليزية، التي تقع في الطرف الشمالي من جزيرة بورنيو وتحيط بها ثلاثة بحار، بشواطئ بديعة وجبال ساحرة، إلى جانب وفرة في زيت النخيل واحتياطيات النفط الخام.
رغم ذلك فإن هذا المكان الشاعري لطالما كان مصدراً للتوترات حول قضية أحقية الملكية مع الفلبين المجاورة، التي يقيم فيها المدّعون المطالبون بعرش سلطنة سولك البائدة.
ورغم رفض الحكومة الماليزية مطالب ورثة العرش البائد، ووصفها أحدهم بالإرهابي، فإن محكمة أوروبية طالبت ماليزيا بدفع نحو 14 مليار دولار لهم تعويضاً. وبينما تستمر المعركة القانونية، تحاول الحكومتان الجديدتان في كل من ماليزيا والفلبين التوصل إلى طريقة لحل هذه الأزمة المزعجة.
مصدر الخلاف هو عقد تجاري وقّعته سلطنة سولك في 1878، وهي مجموعة جزر على امتداد بحر سولو في جنوب شرق آسيا، مع تاجرَين أوروبيين أنشآ لاحقاً شركة "بريتيش نورث بورنيو".
ولا يزال هناك جدال حول ما إذا كان السلطان قد عرض منطقة صباح للإيجار أو تنازل عنها بموجب الاتفاقية. كما وقعت الولاية تحت سيطرة الحكم البريطاني بعد الحرب العالمية الثانية، وصوّت السكان لصالح الانضمام إلى ماليزيا عندما حصلت الدولة على استقلالها في 1963، وذلك بعد فترة قصيرة من تنازل السلطنة عن سيادتها للفلبين.
وافقت الحكومة الماليزية على التزام المدفوعات السنوية البالغة قيمتها 5,300 رينغيت ماليزي (1,200 دولار) لأحفاد السلطان. وفي مطلع 2013، قصفت طائرات ماليزية ولاية صباح ودفعت بقوات أرضية، بعدما غزتها عشيرة مسلحة من الفلبين في محاولة لاستعادة الأراضي. وكانت العشيرة تتكون من تابعين لجمال الكرام الثالث، الذي نصّب نفسه سلطاناً.
لقي العشرات حتفهم، وتوقفت المدفوعات بعد ذلك. وكان جمال الكرام الثالث، الذي تُوفي في وقت لاحق من العام نفسه، حفيداً غير مباشر لآخر السلاطين المؤكدين، جمال الكرام الثاني، الذي تُوفي في 1936 بلا ورثة.
واحتفظت الدولة المجاورة لماليزيا في صمت بأحقيتها -المُستمَدة من سلطنة سولك- في ولاية صباح، التي يُعتبر أغلبها الآن جزءاً من الأراضي الفلبينية (تقع مايمبونغ، عاصمة السلطنة، في ما يُعَدّ الآن مقاطعة سولو بالجنوب الغربي).
وعلى مر السنين، تأرجح رؤساء الفلبين بين إعادة إحياء مطلبهم وعدم التدخل في الموقف لتحسين العلاقات مع ماليزيا. كما كان السلطان ماهاكوتا كرام آخر السلاطين الذين اعترفت بهم حكومة الفلبين، تحت حكم الديكتاتور فرديناند ماركوس.
وانتهى حكم السلطان بوفاته في 1986، تقريباً في الفترة نفسها التي عُزل فيها ماركوس من منصبه. ولم تعترف الفلبين بأي شخص منذ ذلك الحين. لكن قضية ملكية ولاية صباح ظلت قائمة.
وفي 2020، أشعلت القضية من جديد فتيل خلاف دبلوماسي آخر، وتنازع مسؤولون رفيعو المستوى على "تويتر" بسببه.
إلى جانب كونها وجهة سياحية يقصدها كثيرون لشواطئها ومواقع الغطس فيها، فإن السلطنة السابقة التي تضم غابة مطيرة، وتقع على بُعد أكثر من 1,400 كيلومتر (870 ميلاً) من شبه الجزيرة الماليزية، تمثل أكثر من ربع احتياطي الدولة من النفط الخام.
كما جذبت استثمارات الغاز والنفط من شركات مثل "شل" و"كونوكو فيليبس". وتُعَدّ صباح أيضاً أكبر الولايات إنتاجاً لزيت النخيل في ماليزيا، كما تُعتبر ماليزيا ثاني أكبر دولة لمزارع زيت النخيل في العالم.
وبعد سنوات من وقف ماليزيا مدفوعاتها، عيّن ورثة سلطنة سولك محامين لمتابعة الإجراءات القانونية، بناءً على الصفقة التجارية الأصلية. ويدعم "ثيريوم كابيتال مانجمنت"، وهو صندوق عالمي للتقاضي، تمويل المدّعين.
وبعد مواجهة طريق مسدود في المملكة المتحدة ثم إسبانيا، وهي قوة استعمارية سابقة، انتهت الحال بالمدّعين في محكمة للتحكيم في باريس، حيث أمرت المحكمة العام الماضي ماليزيا بدفع 62.59 مليار رينغيت (14 مليار دولار) لأحفاد السلطان لرد حقوقهم وتعويضهم (لكن لم يجر ِتناول قضية السيادة).
وحصلت ماليزيا على حكم من محكمة باريس للاستئناف بوقف تنفيذ الحكم. ونقض ورثة سلطنة سولك حكم الاستئناف، لكن المحكمة أيدته في مارس 2023. وقبل ذلك بفترة قصيرة ظهر ضباط في السفارة الماليزية ومحل إقامة موظفيها في باريس وهم يسألون عن تفاصيل عن الممتلكات.
ولم تُقدِّم السفارة أي معلومات للضباط، الذين بدا أنهم تصرفوا بناءً على تعليمات من المطالبين بعرش سولك.
وقالت الأمانة العامة الخاصة بسولك في ماليزيا إنها تعتزم رفع قضية على ورثة سلطنة سولك بسبب هذه الخطوة.
وفي غضون ذلك، أكدت شركة النفط والغاز الماليزية المملوكة للدولة، "بتروليام ناسيونال"، المعروفة باسم "بتروناس"، في فبراير أنها تلقت أمراً بالحجز على وحدتين في لوكسمبورغ، باعتبار هذا جزءاً من جهود المطالبين بعرش سولك لتنفيذ قرار التحكيم الدولي، فيما قالت "بتروناس" إن الإجراء "لم يكن له أساس من الصحة"، وتعهدت بحماية مركزها القانوني.
وقال خير الدزيمى داود، المدير العام في وزارة القانون، خلال الشهر الجاري إن حكومة ماليزيا الجديدة التي انتُخبت في نوفمبر الماضي برئاسة رئيس الوزراء أنور إبراهيم تعتزم "الأخذ بزمام المبادرة" هذه المرة ضد مجموعة سولك، فيما يُعَدّ اختلافاً عن استراتيجية "رد الفعل" التي جرى اتباعها سابقاً.
وفي خطوة أولى، صنفت ماليزيا أحد المدّعين المطالبين بعرش سولك بأنه إرهابي بموجب قوانين الدولة لمكافحة غسل الأموال والإرهاب. ويُعَدّ هذا الشخص أحد أفراد مجموعة سولك المكونة من 8 أشخاص يزعمون أنهم ورثة سلطان سولك، وفقاً للحكومة.
ووصف محامي المدعين المطالبين بالعرش الإجراء الذي اتخذته ماليزيا بأنه محاولة "للضغط على المحاكم الأجنبية"، مضيفاً أن موكله "ليس إرهابياً". وافقت ماليزيا أيضاً على تعيين شركة علاقات عامة، ومقرها المملكة المتحدة، وإرسال وزير داخلية البلاد إلى 4 دول –فرنسا وإسبانيا ولوكسمبورغ وهولندا– تشارك في التحكيم.
وفي مارس الماضي، وافق أنور ورئيس الفلبين فرديناند ماركوس جونيور –الذي انتُخب العام الماضي– في أثناء اجتماعهما في ماليزيا على عقد محادثات متعمقة.