الإثنين 6 مايو 2024

السودان بين المطرقة والسندان

مقالات23-4-2023 | 14:30

شهدت الأيام القليلة الماضية إشتعال الأزمة في السودان ما بين قوات الجيش السودانى، بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، بزعامة محمد حمدان دقلو «حميدتى»، بسبب الخلاف حول بنود الإصلاحات الأمنية والعسكرية، والخلاف حول دمج قوات الدعم في القوات المسلحة السودانية، وما ترتب على ذلك من تأجيل التوقيع على الاتفاق النهائى لتسوية الأزمة السياسية في البلاد، للمرة الثانية، والذى كان مقررًا مطلع الشهر الجارى، لتضع الأزمة الحالية السودان أمام سيناريو الحرب الأهلية وفشل المرحلة الانتقالية المتأزمة ما بعد رحيل نظام الرئيس عمر البشير، حيث تمثل الأزمة الحالية حجر عثرة أمام عملية التحول الديمقراطي في السودان، خاصة أنها تقع بين جناحي المكون العسكري.

كانت هذه هى الأسباب الظاهرة والمعلنه فى جميع الأوساط . لكن المتأمل للواقع السياسى السودانى يدرك تماماً أن هذه الأزمة مفتعلة و تدار من مراكز قوى خارجية ترتبط مصالحها بالسودان .حيث تسعى تلك الدول المستفيدة من ثروات السودان إلى تعزيز وضعها على الأرض مستخدمة القوة العسكرية السودانية المواليه لها فى الحفاظ على مكتسباتها بينما تنتظر تلك الدول أكثر العروض خدمة لمصالحها بالسودان لتؤيدها .

يظهر ذلك من خلال تغييب الحق الطبيعى السودانى فى أن يكون لها قوات مسلحة وطنية تنعم بتأييد الدولة . تلك الدول ترى مصلحتها المباشرة فى مناصرة وتأييد الطرف الذى يسيطر على المناطق المهمة و الغنية بمناجم الذهب السودانى والبترول ومشروعات التعدين والزراعة وأيضاً له تواجد قوى ومسيطر فى إقليم دارفور الغنى باليورانيوم .

ترى تلك الدول ايضاً فى حالة دمج قوات التدخل السريع ضمن الجيش السودانى الوطنى ضبابية فى مستقبل إستثماراتها فى السودان.الأمر الذى قد يهدد الحجم الضخم للإستثمارات خارج وداخل الصندوق الإقتصادى السيادى للدولة . 

داخلياً يسعى كل طرف من الأطراف إلى إستمالة الشعب إلى جانبه لتدعيم شرعيتة وإثبات حقة فى ممارسة السلطة والإحتفاظ بقواته منفصلة تتبع قائداً منفصلاً وإن كان هناك إعتراف رسمى بتبعية الجميع للقائد العام السودانى إلا أن الواقع يقول عكس ذلك تماما ً.من هذا التحليل يتضح لنا أننا أمام أحد السيناريوهات الآتية :

السيناريو الأول : يتمثل فى نجاح قوات التدخل السريع فى السيطرة الميدانية الكاملة على البلاد وفرض الأمر الواقع وفى هذا السيناريو سيكون على محمد حمدان دقلو «حميدتى» قائد قوات التدخل السريع أن يؤسس ويبنى ويشكل قواته فى قوالب عسكرية نظامية وأسلحة نمطية مثل باقى الجيوش ( قوات جوية – قوات برية – قوات دفاع جوى – قوات بحرية..الخ )مما يهدد البلاد فى تأخير تصنيفها العسكرى من المرتبة الخامسة والسبعون الى ما دون ذلك نظراً لإفتقار قوات التدخل السريع إلى تلك الخبرات والتدريب حتى مع إفتراضية إنحياز عناصر الجيش السودانى لتلك القوات . حيث سيصبح الجيش مقسم داخلياً وتسليحياً ويعانى من التفرقة الداخلية وعدم الإنسجام وتعدد القيادات المتضادة /المزدوجة  داخل الجيش الواحد . 

السيناريو الثانى : أن ينجح الجيش السودانى ، بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان فى السيطرة على الأوضاع وكسر شوكة قوات التدخل السريع بخسائر كبيرة متوقعة فى الارواح والمعدات , سيكون على قائد الجيش السودانى إعادة تأهيل عناصر التدخل السريع وتدريبهم ودمجهم فى قوام الجيش السودانى الوطنى وإستعواض الخسائر . وهذا السيناريو قد يفقد معه السودان الكثيرمن التأيد من دول ذات مصالح مشتركة  مع قوات التدخل السريع وفرض عقوبات مباشرة على دولة السودان حال عدم تقديم ضمانات كافية للدول التى تستفيد وتستثمر الثروات السودانية.

السيناريو الثالث: أن يتم وقف العمليات بضغوط دولية تفرضها الدول ذات المصلحة الخاصة والمستفيدة بخسائر للطرفين دون حسم الصراع مما يثبت ميزان القوة على الأرض لأماكن منفصلة تسيطر عليها الأطراف المتنازعة مما يدخل السودان فى نفق الحرب الأهلية البغيض الذى لن يستفيد منه كل الأطراف.

فى النهاية يظل الشعب السودانى يتألم بين المطرقة والسندان ولا يملك من أمره شيئاً , الا إذا تجردت الأطراف المتنازعة للصالح الوطنى وإستمعوا لصوت الشعب  صاحب الحق الأصيل فى تقرير مصيره ,وجلس الجميع ( الاطراف المتنازعة – ممثلوا الشعب ) فى حوار حكيم للخروج من ذلك النفق المظلم . حفظ الله السودان.

Egypt Air