الأربعاء 27 نوفمبر 2024

سلسال ال دم جرائم الإخوان من الفنية العسكرية لأنصار بيت المقدس

  • 16-2-2017 | 10:03

طباعة

بقلم –  ثروت الخرباوى

لكى نتحدث عن أنصار بيت المقدس التى أصبحت ولاية سيناء يجب أن نبدأ من البداية، والبداية كانت فى صيف عام ١٩٧٤ حيث اجتمعت مجموعة من قيادات التنظيم الخاص للإخوان فى بيت أحدهم هو الحاج أحمد حسانين فى قليوب، كان البيت متاخما لأرض زراعية لا ترى نهايتها، وكان قائد تلك المجموعة التى اجتمعت هو مصطفى مشهور المشهور أو قل المُكَنَّى بأبى هاني، وفى هذا الاجتماع جرت أمورٌ سطَّرت تاريخا.

ومن باب التوثيق أذكر أننى كتبت عن هذا اللقاء فى كتابى «قلب الإخوان» وذكرت أسماء المجموعة التى اجتمعت والموضوعات التى تناقشت فيها، وسأعيد ما كتبته من قبل من باب الإفادة، وفى الإعادة إفادة، (فى بيت أحد سدنة هذا النظام وحراسه وهو الحاج أحمد حسانين فى قليوب البلد، وكان صاحب الدار قد خرج من السجن منذ أسابيع خلت قبل هذا الاجتماع التاريخى مع آخر دفعة نالت الإفراج من الإخوان، بدا اللقاء وكأن الجمع يحتفلون بخروج ثلة ليس لها نظير من أركان التنظيم من سجنهم الذى احتضنهم ما يقرب من العشرين عاما، وفى حجرة فقيرة فى أثاثها ومحتوياتها تطل شرفتها على أرض زراعية شاسعة، جلس كل من مصطفى مشهور وكمال السنانيرى وأحمد الملط وحسنى عبد الباقى وخامسهم صاحب الدار أحمد حسانين وهم يستدبرون تاريخهم مع الجماعة ورحلتهم فى السجون وخطط المستقبل الذى يجب أن يكون، كان قد مضى على وفاة المرشد الثانى حسن الهضيبى عام وعدة أشهر، ومازالت الجماعة بلا مرشد جديد؛ إذ مات الهضيبى ـ الأب ـ دون أن يعيد تشكيل التنظيم ويحدد آلياته، اللهم إلا أنه التقى فى الحج قبل وفاته ببعض المهاجرين من الإخوان وأخذ منهم البيعة وبعث النشاط فى أرواحهم، وتعاهدوا معه على إعادة تشكيل حركة الإخوان فى البلاد التى يعملون فيها، ثم لم يمهل القدر حسن الهضيبى حتى يقوم بإعادة بناء الجماعة التى كانت قد تفككت وانمحت وتاه رجالها فى البلاد يبحثون عن معايشهم، فعاجله الموت الذى هو نهاية كل حي، كان الحاج مصطفى مشهور أكثر الجميع حماسة وحيوية فى اجتماع قليوب الخطير، فقد اقترح أن يتم تعيين مكتب جديد للإرشاد من الحاضرين فى الاجتماع.. وأن يتم اختيار مرشد جديد خلفا للمستشار حسن الهضيبى.. وهنا أصر الحاج أحمد حسانين على مبايعة الحاج مصطفى كى يكون مرشدا للإخوان إلا أن الحاج مصطفى رفض هذا الأمر تماما واقترح أن يتم اختيار شخصية أخرى.. شخصية لا يعرفها أحد ولكن يسهل من خلالها إعادة تشكيل الجماعة وفقا لرؤية هذا الفريق، شخصية سينساها التاريخ ولن يعرف ملامحها.. وكأن من ألف السرِّية واعتادها لا يأتلف إلا مع شخصية سرية !!).

وفى هذا الاجتماع كان البند الثانى هو ما هو الطريق الذى ستسلكه الجماعة، هل هو طريق السياسة؟ أم طريق السلاح؟ كان لديهم رسالة حسن البنا التى تتحدث عن وجوب استخدام القوة فى وقت ما، ذلك الوقت الذى قال عنه البنا إنه لن يصلح إلا بالقوة، وكان لديهم أيضا منهج سيد قطب الذى يتهم المجتمع كله بالجاهلية ويوجب قتال تلك الأمة الكافرة، وانتهى الاجتماع إلى أهمية أن يسير الإخوان وفقا للطريقين، طريق السلاح وطريق السياسة! ولكن كيف يمكن الجمع بينهما وقد ترتب على طريق السلاح أن غابت الجماعة فى السجون، سواء فى نهاية عصر الملكية، أو طوال عهد عبد الناصر؟ كان الحل موجودا فى عقل مصطفى مشهور، إذ قال لهم يومها: كان خطأ حسن البنا أنه جعل النظام الخاص الذى مارس القوة وأمسك السلاح جهازا تابعا للجماعة بصورة مرئية، كان يجب أن يستخدم الخديعة، وكان يجب أن يفصل بين ذلك الجهاز والجماعة، وما أوتيت الجماعة إلا لأن من تم القبض عليهم كانوا من أصحاب العضوية العاملة فى الجماعة، فلم يكن أمام حسن البنا إلا أن يتبرأ منهم ببيانه «ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين» أما نحن وفى تلك الظروف الراهنة التى لم نقرأ بعد واقعها قراءة رشيدة فيجب أن نختلف، والاختلاف هنا هو أن ننشئ جماعات السلاح والقوة، ولكن على أن تكون بأسماء أخرى، وألا يكون أفرادها من المنخرطين فى جماعة الإخوان وأنشطتها، ثم أخبرهم مصطفى مشهور أنه قام بدعم شاب اسمه شكرى مصطفى، كان من شباب الإخوان سابقا ودخل السجن فى قضية سيد قطب ثم خرج فى غضون عام ١٩٧٠، وأن شكرى هذا قام بزيارة مشهور أكثر من مرة فى بيته الكائن فى شارع طومانباى بحى الزيتون، وأن مشهور قام بدعمه بعدد من الشباب الذين كانوا يترددون عليه ويبحثون معه عن كيفية إقامة الدولة الإسلامية، فكان يقول لهم: « انضموا لجماعة المسلمين التى أنشأها شكرى مصطفى، وللتاريخ أذكر أن من ضمن الشباب الذين طلب منهم مصطفى مشهور ذلك الشاب خالد الزعفرانى الذى أصبح من القيادات الشابة فى تنظيم المسلمين ثم انشق على شكرى مصطفى بعد ذلك إذ تبين له فساد فكر هذا الشاب.

ثم أخبرهم أيضا أنه كان وراء تنظيم الفنية العسكرية وهو تنظيم أنشأه شاب اسمه صالح سرية كان من الإخوان ثم تلقى توجيها من مشهور بالابتعاد شكليا عن الإخوان والعمل على استخدام القوة ضد نظام السادات لقلبه، وأخبرهم أيضا عن دور زينب الغزالى فى تحديد مسار هذا التنظيم، وللعلم فإن أمر هذا التنظيم انكشف فى إبريل من عام ١٩٧٤ قبل شهر من اجتماع قليوب الخطير، إذ تعجل سرية وحاول قلب النظام فحدثت مقتلة عظيمة ثم تم الحكم بعد ذلك على صالح سرية وآخرين بالإعدام دون أن ينتبه أحد لتبعية التنظيم للإخوان، وشاء الله أن يخرج بعض قادة هذا التنظيم من السجن بعد سنوات طويلة ليتحدثوا عن تبعيتهم للإخوان!.

المهم أن اجتماع قليوب انتهى إلى الموافقة على خطة حركة مفادها أن يعود التنظيم السرى للوجود داخل الإخوان، ولكن بشكل سرى بعيد عن عيون باقى قيادات وأفراد الجماعة، وأن نشاطه سيكون فقط إدارة كيانات يُنشأها هذا التنظيم السرى بأسماء أخرى، وأفراد يظهرون بأنهم من غير الإخوان، وبعدها تمت لعبة استقطاب عدد من الشباب الذى تخرج فى الجامعات حديثا، هؤلاء دخلوا للعمل السياسي، وكانوا فى السابق يعملون فى الجامعة تحت اسم «الجماعة الإسلامية» فكان منهم عبد المنعم أبو الفتوح وأبو العلا ماضى وعصام العريان وحلمى الجزار وغيرهم، أما القسم الآخر فظل على اسمه «الجماعة الإسلامية» وهؤلاء قرروا العمل المسلح، واختاروا الصعيد ليكون مسرح حركتهم، ومن الصعيد كان حلمهم فى إنشاء إمارة الصعيد الإسلامية، وكان الداعم الأكبر لهم من طرف خفى هو مصطفى مشهور ورجاله من قيادات التنظيم السري.

وفى ذات الوقت كانت هناك جماعة جهادية نشأت سرا فى الستينيات تحت اسم جماعة الجهاد، وكان الذى أنشأها مجموعة تأثرت بسيد قطب وبإعدامه، وكانوا يترددون على مساجد الجمعية الشرعية، ويتلقون من أفكارها ذات التوجه السلفي، وكان من تلك المجموعة شاب اسمه علوى مصطفى وآخر اسمه اسماعيل طنطاوي، وكان منها أيضا أيمن الظواهري، وبعد قضية الفنية العسكرية عام ١٩٧٤ توجهت مجموعة من قيادات تلك الجماعة إلى مصطفى مشهور الذى أصبح راعيا لكل مجموعات العنف والإرهاب، وطلبوا منه دعم جماعة الإخوان لهم ماديا وبشريا، فلم يتأخر عنهم مشهور وساعدهم سرا فى عدة عمليات قاموا بها فى غضون عام ١٩٧٧، ثم إذا بمشهور يفر من مصر لليمن قبل اغتيال أنور السادات بشهر، وكان الاغتيال المشهور الذى تم بأيدى هذا التنظيم إلا أن الداعم السرى كان قد سافر حتى لا يلقى بأى شبهة على الإخوان، وانطلى الأمر على القيادات الأمنية للأسف الشديد، ولم يرد فى بالهم أن يكون الإخوان هم أصحاب اليد الخفية التى تحركت لهذا الاغتيال.

وفى عامين متتاليين أنشأت الإخوان تنظيمين كبيرين، الأول هو حركة حماس، وكان ذلك فى غضون عام ١٩٨٧ وتم الإنشاء بمعرفة الشيخ أحمد ياسين الإخوانى الفسطيني، وأصبحت حركة حماس المنافس الرئيسى لحركة فتح فتم تفتيت الحركة الفلسطينية المقاومة للاحتلال، إلى حركة تقول إنها إسلامية، وأخرى كانت هى التى تمتلك التاريخ، ولكن فتح تراجعت أمام حماس التى ركزت جهودها الحركية على أن تكون فى غزة لكى تكون متاخمة لمصر، ولذلك أهداف كبرى منها أن تمد حماس التى تظهر بمظهر المقاومة للاحتلال، أن تمد إخوان مصر بالمدد وقت اللزوم، وقد حدث ذلك ورأيناه وشهدنا عليه بعد ثورة يناير وبعد ثورة يونيه وإلى الآن.

وفى غضون عام ١٩٨٨ اتفق مصطفى مشهور مع عبد الله عزام القيادى الإخوانى الفلسطينى على أن ينشأ تنظيم القاعدة، فكان، حيث وضع عبد الله عزام يده فى يد أسامة بن لادن ثم الجهادى أين الظواهري، وكلهم تلاميذ مشهور، فظهر للوجود تنظيم القاعدة، وكانت كل تلك التنظيمات تعلن اختلافها مع الإخوان بل وتنتقدها فى أحيان أخرى وتتهمها بملاءة السلطات ومداهنتهم، وكان كل ذلك من أجل إخفاء الهوية الحقيقية لتلك الكيانات.

وإذا قفزنا لسنوات بعد ذلك سنجد تنظيمات تنشأ بأسماء مختلفة وكأن الإخوان لا يعرفونها، إلا أن البصمة النفسية للمجرم واحدة لا يمكن إخفاؤها، إلى أن جاء محمود عزت ومن خلفه محمد كمال، والمثل يقول «الولد سر أبيه» فكان عزت الولد المطيع لأفكار مشهور صاحب التنظيم السرى للإخوان فى العصر الحديث، وكان قد تلقى الدرس من أبيه مشهور بل كان يحضر معه تلك اللقاءات السرية التى عقدها مشهور فى باكستان، والفلبين، بعيدا عن عيون الأمن المصري، إلى أن جاء عام ٢٠٠٠ وقبل وفاة مصطفى مشهور بعامين، وفيه كان إخوان العريش قد استطاعوا تجنيد شاب من قبيلة السواركة اسمه خالد مساعد يعمل طبيب أسنان، وكان مهندس التجنيد قياديا إخوانيا كبيرا من يافا بفلسطين هو الدكتور «محمود حسين» الأمين العام للإخوان حاليا، وتم تقديم الشاب «خالد مساعد» لمصطفى مشهور فى وجود محمود عزت، وأصبح محمود عزت هو المشرف على كل تحركات مساعد، وهو همزة الوصل بينه وبين الإخوان، لم يكن الاتصال يتم بطبيعة الحال وجها لوجه، ولكن عن طريق الطبيب الإخوانى عادل قطامش القيادى الكبير فى المكتب الإدارى لإخوان العريش، إذ من المنطقى أن يتقابل الطبيب قطامش مع طبيب الأسنان خالد مساعد، وكلاهما حاصل على بكالوريوس الطب من جامعة الزقازيق.

ولكن من هو خالد مساعد هذا وما الذى طلبه الإخوان منه؟ خالد مساعد كان من طلاب الإخوان فى جامعة الزقازيق، وقد اتفق مع مشهور ومحمود عزت بواسطة عادل قطامش على إنشاء تنظيم «التوحيد والجهاد» فى العريش، وكانت الأهداف التى أعلنوها وهم بصدد تجنيد الشباب هى «مقاومة الاحتلال الإسرائيلي» وتحرير بيت المقدس من الصهاينة، فهذا الهدف من شأنه أن يجتذب مئات الشباب الذى يتوق إلى تحرير بيت المقدس، كما أن هدفا آخرا أعلنوه هو دعم حركة حماس، وهى حركة تبدو فى الظاهر أمام الشباب البريء أنها إسلامية وتعمل من أجل فلسطين، وبالفعل تشكل هذا التنظيم الذى قام بعدة عمليات إرهابية منها تفجيرات طابا ونويبع عام ٢٠٠٤، مع أن طابا ونويبع فى مصر وليست فى بيت المقدس! ثم قاموا باستهداف عدة كنائس فى العريش ورفح، وكان من أعمالها استهداف العديد من السياح فى سيناء وكأن هذا الاستهداف سيحرر القدس، ولكن الحقيقة هى أنهم كانوا يستهدفون مصر، بغيتهم إسقاط الدولة نفسها، لا يهتمون بالنظام، أو الحكومة، ولكن جل همهم الدولة نفسها! وفى عام ٢٠٠٥ تم قتل خالد مساعد أثناء مواجهة مسلحة بينه وبين الشرطة المصرية، إلا أن التنظيم لم ينته، فالإخوان يدعمونه سرا بالمال والرجال.

وبعد سقوط حكم الإخوان قامت جماعة «التوحيد والجهاد بتغيير اسمها إلى «أنصار بيت المقدس» وأعلنت أن هدفها الرئيسى هو إعادة محمد مرسى للحكم، لم يكن هذا الإعلان خافيا أو خفيا ولكنه كان صريحا واضحا عبر العديد من البيانات التى أصدرتها تلك الجماعة، ولعلنا نتذكر كلمة الإرهابى محمد البلتاجى عندما قال أثناء اعتصام رابعة: «سيتوقف الإرهاب فى سيناء فى اللحظة التى يعدل فيها السيسى عن قراراه ويعيد مرسى للحكم» لم يكن كلام البلتاجى مجرد توقعات، ولكنه كان كلاما تنظيميا، ورسالة واضحة لتنظيم أنصار بيت المقدس أن يستمروا فى عملياتهم الإرهابية لحين عودة مرسى للحكم! ثم بعد أن بدأ تنظيم الإخوان فى التفكك بعد الضربات الأمنية الناجحة التى تم توجيهها لهم رأت جماعة أنصار بيت المقدس الإخوانية أن تغير جلدها لتحصل على دعم من ممول آخر هو تنظيم داعش، وداعش هو «تنظيم دولة الخلافة الإسلامية فى الشام والعراق» فليكن هناك تنظيم تابع لهم فى سيناء يكون اسمه ولاية سيناء، ومن خلال تلك التبعية سيحصل على دعم لوجستى مالى وبشري، عتاد وأسلحة، تدريبات وذخيرة من التنظيم الأم، ومن ذلك الذى يمول التنظيم الأم، وكلهم فى معية الإخوان يعملون، ويقتلون، ويذبحون، لا فى القدس، ولكن فى مصر، وفى سيناء أرض الفيروز، فى شبه الجزيرة التى فيها طور سينين التى ذكرها الله فى قرآنه.

 

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة