الإثنين 25 نوفمبر 2024

رؤية مقترحة للعمل فى حوض النيل

  • 16-2-2017 | 11:25

طباعة

بقلم –  د. السيد فليفل

الأستاذ بمعهد البحوث والدراسات الإفريقية

وعضو مجلس النواب

ترتبط الرؤية التى تلى هذه السطور بتحديد دقيق لأهم مصالح مصر فى حوض النيل من ناحية، وبالمستجدات التى طرأت فى هذا الحوض وأهمها: انفصال جنوب السودان، والسياسة الإثيوبية فى مجالات التنمية الزراعية والكهربائية التى باتت شبه مستقلة حتى عن إطار التعاون فى حوض النيل الذى قادته هى نفسها، ثم هذا الإطار نفسه باعتبار أن مصر والسودان باتتا خارجه بتوقيع بوروندى عليه، ومدى ما يمكن أن يترتب على هذه المتغيرات الثلاثة من تأثيرات حقيقية على مصر والسودان.

لا يختلف اثنان فى أن هذه الأهداف وتلك المصالح تنحصر فى مياه النيل وأمن قناة السويس والبحر الأحمر وصيانة الحدود، وضمان عدم وقوع مخاطر أمنية ولا هجرات مفاجئة نتيجة لحروب أهلية أفريقية أو انهيار الأنظمة السياسية على نحو يضر بالوطن والمواطن. ومن ثم فلمصر مصلحة فى أمن واستقرار وتنمية الدول الأفريقية عامة، والمشاطئة للنيل ثم للبحر الأحمر خاصة.

وأبرز المصالح المائية العاجلة هى العودة إلى إستراتيجية التخزين القرنى للمياه خارج الحدود المصرية، نظرًا لأن طاقة قدرة مجارينا النهرية على استيعاب مزيد من المياه صار غير متاح، ما لم ننشئ ممرى التنمية بصحرائنا الغربية، وبسيناء لاستيعاب الزيادة السكانية فيهما، ومجابهة أخطار الاجتياح العسكرى وتهريب السلاح والمخدرات. أما أبرز المصالح التنموية فى الصحراء فهى استثمار الطاقة الشمسية ومد الطرق العملاقة إلى دول الجوار لفتح التجارة المصرية مع أفريقيا، ولكى يتحقق هذا فلابد من مشروع قومى مصرى جامع ذى ثلاثة روافد:

تنمية شاملة لسيناء تنهى تراخى تنفيذ الخطة القومية حتى ٢٠١٧م المقررة سابقًا.

ممر التنمية بالصحراء الكبرى: مجارٍ مائية، وطرق إلى الوادي، ومدن جديدة، وطاقة شمسية، وصناعات حديثة، وطرق إلى السودان ومنها لتشاد ووسط أفريقيا، لضمان تأمين جوار السودان.

العودة لإستراتيجية التخزين القرنى فى الأحواض التى أشارت إليها اتفاقية مياه النيل مع السودان عام ١٩٥٩م، وهى مشروع بحر الجبل، مشروع مشار، مشروع بحر الغزال، بل ومشروع نهر سميليكى الكونغولي/السوداني، وذلك لاستقطاب فواقد المياه فى دولة جنوب السودان والاهتمام بها إلى حد اعتبارها دولة شقيقة أولى بالرعاية وكذلك كفاءة الدولة المصرية على ما فيها من مياه يمكن استقطابها إلى الوادى الجديد.

مفاهيم دقيقة لعلاج الموقف التفاوضى الحالي

أخطر ما فى المرحلة هو الإحساس بالاكتئاب نتيجة التقصير، فالمطلوب هو الإحساس بالحاجة إلى العمل الشاق لحرق المراحل وتعويض ما فات. إذا أردنا أن نتحدث عن علاج الموقف الحالي فإننا نظن أنه يقتضي:العودة إلى الذات، وإعطاء الاتجاه الجنوبى مكانته التى يستحقها بين كافة اتجاهات العمل الخارجي، وتأكيد هوية مصر الأفريقية، وأنها لا تنفصل عن مفردات الهوية العربية، والإسلامية، والمتوسطية، والشرق أوسطية. وأن هذه الاتجاهات متفاعلة ومتناغمة ومتناسقة أو يجب أن تكون كذلك عبر أداة تنسيق قومية شاملة، كنا نقترح دائمًا وزيرًا للشئون السودانية يكون هو وزير شئون نهر النيل، ووزير شئون أفريقيا يكون هو المنسق العام الذى يحرس عمل هذا الأول ويرعى تنسيق كافة الوزارات معه. ومن غير المتخيل أن يكون لبريطانيا – وهى لا تشرب من النيل ـ وزير للشئون الأفريقية وكذلك الحال فى الجزائر، ولا يكون لنا.

إن مصر – وهى نيلية النشأة والتكوين والتوجه حسب مصطلحات العلامة الراحل جمال حمدان – لا يمكنها أن ترد النيل صفوًا دون ثمن، فلكل مزية مقابل، ومقابل النيل هو دور تنموى مصرى تجاه شعوبه يقوم على إستراتيجية بسيطة «الماء مقابل الطاقة»، فكل مشروع للطاقة على المنابع الإثيوبية أو الاستوائية يزيد حصة مصر من الماء، وهذا ثمن مقبول للمصلحة الوطنية والأمن القومى والدور والريادة، وبديل ذلك هو الصدام فى مستنقعات عجزت عن نظائرها الولايات المتحدة، بل الأولى هو دور مصرى فى الاستقرار وحفظ الأمن الأفريقى بالتركيز على دول الحوض.

إن هذا الدور المصرى على جانب آخر هو دور أخلاقى، فمن غير المنطقى أن يمر النهر على قوم من العطاش والجائعين والمرضى، فيدخل إلى حياضنا فنزرع ونروى وننشئ مجتمعات جديدة، دون أن يكون مروره مصحوبًا بحقد وحسد. إن هذا الدور المصرى المنشود سينهى الابتزاز ومشاعر الغبن، وسيكون مدعاة لتواصل إنساني، ومحققًا لمصالح جمة فى الطاقة والتجارة والاستثمار والوجود الفاعل، وهو ما يحقق النفوذ الناعم، ولمنع التوظيف الخارجى للقوى المحلية الأفريقية، ويدعم تفاوضنا مع دول حوض النيل، ومع شركاء التنمية أو المانحين، وألا نقبل بمشروع يضر بمصالحنا.

ويبقى أن مصر عليها أن تتوجه بكلياتها صوب أفريقيا على نحو لا يشغلها عن أى اتجاه آخر، وعليها أن تنقل الحركة الإستراتيجية بسهولة ويسر من اتجاه لآخر، وبحيث يدعم كل اتجاه الاتجاه الآخر. أن سفراءنا فى الدول الأوروبية والأمريكية لا يجب أن يكونوا بعيدين عن حوض النيل، بل إن وجودهم فى هذه العواصم لابد أن يصب فى اتجاه دعم دور مصر فى حوض النيل.

إن النيل لا يجب أن يكون فقط على برامج وزارة الخارجية ومفاوضيها ولا وزارة الموارد المائية والرى وخبرائها، بل يجب أن يكون على جدول أعمال كل الوزراء، وشيخ الأزهر وأسقف الإسكندرية وسائر أفريقيا، ورؤساء الجامعات ووزارة الإعلام، وخاصة أجهزة العامة والخاصة.

إن تحرك الدولة المصرية تجاه أفريقيا وفى القلب منها حوض النيل وفى الصميم أذينه الأيمن فى إثيوبيا والأيسر فى البحيرات العظمى يبدأ من السودان وعندها ينتهي، فإذا فرطنا فيه واستقراره أن تسربت المياه إلى أطراف شتى يتعذر معها التفاوض دون ثمن مغالى فيه.

إن مصر ليست -ولا يجب أن تكون- فى عجلة من أمرها فى مسألة التفاوض، فإن من مصلحتنا ألا نوقع على اتفاق منقوص يضعف وضعنا عما كان عليه فى الاتفاقات الموروثة منذ ١٨٩١م وحتى ١٩٩٣م، وحتى إعلان المبادئ فى العام ٢٠١٥، بل علينا بالصبر، وتأدية الدور، ريثما يتحسن الموقف التفاوضي، ويشعر الأشقاء بوجودنا وبفائدة العمل معنا، وفى نفس الوقت نحفظ حقوقنا طبقًا للقانون الدولي، ولكن يجب أن نقدم خبرتنا المائية والكهربية والتنموية، بما يحفظ لنا مناخًا قابلًا لتفاوض مثمر، مع كف يد العابثين بمياهنا.

وبعد، « فليس معنى هذا أن نتأخر فى التحرك، بل لابد من تعويض الوقت الضائع، والمسارعة إلى تصحيح الأخطاء، وجمع الخبراء لصياغة خطة تحرك وطنى شامل صوب النيل وأفريقيا ودور مصر الدولي»، بل ومجمل سياسة مصر الخارجية وخططها المستقبلية للعمل الوطنى الداخلى.

ويبقى أن أؤكد أن نحو أربعة عقود من الزمان منذ كامب ديفيد لم تمنع وزيرا سابقا لخارجية إسرائيل من استباق زيارة رئيس الوزراء المصرى إلى إثيوبيا، كما لم تمنع رئيس الوزراء نيتانياهو من الجلوس فى قمة دول البحيرات كما لو كان سيد الموقف، كما لم تمنع إثيوبيا من تولية أمر توزيع طاقة سد النهضة- تحت التأسيس لشركة إسرائيلية، ولم تمنع من ظهور قيادات المعارضة فى دارفور فى تل أبيب. ومن ثم فخطر الشرق الأوسط هو نفسه خطر الجنوب، والخطر على سيناء هو نفسه الخطر على الماء. والخطر النووى إلى الشرق موصول بالخطر المائى فى الجنوب. وهذا كله يدفع إلى القيام بهذه المراجعة المنشودة للمصالح المصرية الثابتة التى شوهتها رؤى سطحية أو أفكار عقيمة، فإلى ثوابت أمننا القومي، وهى أولى بالرعاية من أى علاقة مع أية قوة سواء كانت قريبة خطرها مثل إسرائيل، أو بعيدة وخطرها جاثم عن قرب، ما دامتا تعكران صفو مائنا ونيلنا الخالد.

ولعل من المهم هنا ألا نظن أننا بحاجة لبناء جديد، فما هو موجود هام وأساسى ولا يمكن تجاهله، بل إن علينا أن نبنى على ما هو موجود، لكن مع تعظيم العائد منه، كأن يتم إعداد كوادر العمل فى حوض النيل من دبلوماسيين وفنيين إعدادًا جيدًا، مع دعم مقرات الرى بأطباء ووحدات صحية، بحيث يرتبط حصولنا نحن على الماء بخير يقدم للأشقاء فى مجال الصحة، وهم أحوج ما يكونون للعون فى هذا المجال، كما يمكن توفير مكتبات فى ذات المقرات بحيث تؤدى دورًا ثقافيًا كذلك. وقد آن الأوان أن نستوعب لماذا طور الأزهر وأدخل فيه الطب والهندسة والصيدلة والزراعة. إننا نستطيع باستخدام خريج جيد واحد أن نلعب أدوارًا ثقافية وتنموية مشتركة، فمتى يحدث ذلك؟ إن ما لدينا كثير، لكن المنشود هو التوظيف الجيد، والبرامج، والروح المقدامة للقادة والساسة.

إننا بحاجة لإستراتيجية وفكرة نابهة للدور المصرى تعمل على فتح القلوب الأفريقية لها، وكل من الأمن والتنمية يبلوران لنا هذه الفكرة لتكون أساسًا لتلك الإستراتيجية، فلا أمن لمصر بدون دور تنموى فى أفريقيا، وهو ما يمكن تلخيصه فى كلمة عامة «الماء مقابل الطاقة». الماء لنا والطاقة لهم. الأمن لنا والتنمية لهم، فيكون الأمن والتنمية لنا جميعًا. ولابد أن نؤكد أن العمل فى حوض النيل لا ينفصل عن العمل فى القرن الأفريقي، بل فى مجمل دول الاتحاد الأفريقي، فالإقليم الفرعى جزء من الأصل الإقليمي، وهذا ما يتطلب العودة لمنظور شامل للسياسة الخارجية المصرية، وفق مراجعات صادقة وصريحة، تعيد الاعتبار لدور مصر الأفريقي، على نحو يخدم جميع الاتجاهات. فلا يمكن التركيز على أمن حوض النيل وتجاهل أمن البحر الأحمر، فهذان مساران يفضى أحدهما إلى الآخر ويدعم أحدهما الآخر، وهما كفيلان إذا نسقت الأدوار فيهما بتحجيم المخاطر التى نتعرض لها فى ماء النيل والبحر الأحمر معًا. وما لم نكن أسودًا أكلتنا الذئاب، وهذه الذئاب لا تأتلف إلا إذا هربنا من الميدان أو تراجعنا، وصاحب الحق الذى يقف دون حقه أقوى عشرات المرات من المفتئت المعتدي، والحق الذى نتكلم عنه هو حق مائة مليون مصرى فى الحياة وفى كوب ماء، وحق الحقول المصرية فى أن تروى من العطش.

الرؤية

وإذا كانت هذه هى المصالح الواضحة، وتلك هى البرامج المنشورة فما هى الرؤية المقترحة للعمل؟ تعتمد الرؤية المقترحة للعمل فى حوض النيل على تعميق المصالح المصرية وفق المدركات التالية:

الوصول إلى سوق مشتركة لحوض النيل أو تجمع إقليمى؛ ليكون أساسًا أخلاقيًا يبنى المصلحة المصرية المشتركة مع الأشقاء الأفارقة.

تبنى سياسة متوازنة بين دولتى السودان: الشمالية منهما هى ممر الماء الذى لا يمكن الاستغناء عنه للحصول على حصة إضافية، والجنوبية هى التى تملك الفائض للقيام بمشروعات زيادة الحصة.

تأتى الكونغو وأوغندا كظهيرين مهمين لمنطقة زيادة الحصة وكشريكين محتملين فى هذا المجال، ومن الملاحظ أن الموقف التفاوضى لدول حوض النيل فيما يتعلق باتفاق عنتيبى أو مسألة السدود وما يرتبط بها من توليد طاقة ليس موقفا واحدا، فموقف إثيوبيا شديد التعنت والمباغت والغامض فى مسألة سد النهضة ليس هو الموقف الأوغندى المتفاهم ولا هو الموقف التنزانى ولا هو الموقف البورندي، وهكذا. كما أن دول حوض النيل ليست سواء فى الإيهام بالحصة، وكذلك فإنها ليست سواء فى الموقف من اتفاق عنتيبى فبعضها صادق على الاتفاق، وبعضها وقع ولم يصادق، وبعضها لم يوقع. ومن المطلوب مراجعة الذى صدقوا كيلا يقدموا على ما هو أبعد وتثبيت الذين وقعوا كيلا يصدقوا، وتأكيد مواقف الذين لم يوافقوا، وتأسيس عوامل الارتباط بهذه المستويات كنوع من التقدير المصرى للدول المتفهمة والمتعاونة. وفى نفس الوقت تأكيد أن مصر لن تفرط فى مصالح شعبها ولن تتنازل عن حقوقها فى الاستخدامات السابقة للمياه، وأنها تطالب بحقوقها المشروعة فى مسألة زيادة الحصة كى نصل على أقل تقدير وفق ما ذكره سياسى كبير ومفكر من وزن السيد الصادق المهدى زعيم حزب الأمة والأنصار الكبير بالسودان بأنه يجب أن تكون القاعدة هى ألف متر مكعب للمواطن فى حوض النيل، وإن علينا أن نتعاون جميعا كى تصل مياه الشرب إلى جميع البيوت، ومياه الرى لمن لا يجد مياه المطر، وفى هذا فإن مصر يمكن أن تلعب دورًا مهمًا فى برامج البنية الأساسية لمشاريع المياه والطاقة والصرف الزراعى والصرف الصحى والطرق وغيرها بحيث تصبح مقاول حوض النيل فى هذا المجال، مثلما أنها خبير المياه الأكبر فى المنطقة، وهذا يدفعنى إلى تأكيد أن من واجبنا أن نراجع حجم الهطول على كل دولة، والاستخدامات الفعلية وخريطة الفيوض المائية والشح المائى فى كل دولة، وكيف ننقل الماء من مناطق الوفرة إلى مناطق العجز فى هذه الدولة أو تلك، وهذا يقتضى أن تضطلع الجهات العلمية المصرية مثل مركز البحوث المائية والمركز القومى للبحوث وأقسام الفلك والجيوفيزياء والمناخ والدراسات الهيدروولوجية بدور متكامل فى إعداد رؤية مائية شاملة لدول حوض النيل، على أن تتقدم مصر بملف مستقل لكل دولة للمساعدة فى علاج المشكلات القائمة، وبهذا نكون قد وظفنا ما لدينا من خبرة علمية فى مساعدة الشقاء، وعندئذ فإن العلم كفيل بأن يوفر الفهم، كما أن الفهم كفيل أن يحل مشكلات التفاوض.

إننا بحاجة إلى تبنى نهج الاعتماد المتبادل بين دول حوض النيل بحيث يكون نافذة مهمة للتكامل الاقتصادى أو السوق المشتركة أو التجمع الإقليمى المنشود، وذلك للإفادة من التنوع المناخى والبيئى فى الحوض، الذى تتغير أحواله فى جميع المجالات وتتغير حاصلاته كلما انطلقنا من بيئة البحر المتوسط إلى البيئة الاستوائية، ومن بيئة الوادى إلى بيئة الهضبة، ومن بيئة البحيرة إلى بيئة الصحراء. وهذا عامل وحدة بين دول الحوض وليس عامل تناقض. ولكن يجب أن يسبق الشروع فى مجالات البناء الاعتماد المتبادل أن تتكامل الجهود التنموية بين الدول وبين القوى الكبرى، وبصفة خاصة الصين وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة وإيطاليا لبناء خطوط نقل ومواصلات نهرية وبحرية وجوية وبرية، يكون من شأنها ربط هذه المناطق الداخلية من القارة بعالم البحرين المتوسط والأحمر، ويوفر ميناء غرب الإسكندرية يمكن أن نسميه ميناء دول حوض النيل لنقل منتجات أفريقيا إلى أوروبا، وهذا سيحل مشكلة الدول الحبيسة التى لا موانئ لها مثل رواندا وبوروندى وإثيوبيا وجنوب السودان وأوغندا. كما أن من شأن هذه الشبكة فى المواصلات أن تجعل دولا مثل أفريقيا الوسطى والكونغو وتشاد فى وسط القارة تتطلع إلى هذه الشبكات القوية، وتعتمد عليها، فكأننا بهذا أحيينا طريق الحج القديم ودرب الأربعين، ويمكن فى هذه الحالة أن نبعث الماضى حيا كما تفعل الصين مع طريق الحرير.

إثيوبيا دولة عصية. تعيش إثيوبيا حالة تاريخية مستمرة من العزلة وكراهية الأجانب والشك فيهم، وقد زادت حدة ومرارة هذا الوضع مع النظام القائم فى أديس أبابا، فهو نظام أقلية استحوذت على السلطة، ولم تقدم من برامج العمل الداخلى ما يرضى الجماعات الكبرى فى الدولة، سواء الأورومو الذين يشكلون الغالبية الكبرى من السكان أو الأمهرا الذين يشكلون الأساس السياسى والثقافى للدولة، ناهيك عن الصوماليين وبنى شنقول، وهذه الجماعات عرضة الآن لضغوط غير إنسانية فى وقت يعجز النظام فيه عن تقديم أى نمط من التراضى الوطنى لها. والحقيقة أن حظ مصر مع إثيوبيا يشتمل على تناقضات كبيرة، فقد توسعت إثيوبيا مع الاستعمار بينما انحسرت مصر، وكانت إثيوبيا مع الولايات المتحدة عندما كانت تعتدى علينا، وكانت مع الاتحاد السوفيتى عندما انتقلنا إلى الولايات المتحدة، كما أن نفسية الدولة الإثيوبية هى نفسية متناقضة بين الشموخ الذى يمتاز به سكان الجبال فى نظرتهم إلى سكان السهول، ونفسية العزلة التى اعتبرت نفسها محاصرة بمحيط إسلامي، ونفسية الدولة التى تهطل عليها كمية تقترب من ألف مليار متر مكعب من المياه، فإذا بها تحقد على من ينالون أقل من مائة مليار متر مكعب، وتعتبر النيل الأزرق هو النهر الذى يجب أن تقام عليه مشاريع الكهرباء تاركة مزارع الرياح من ناحية، والأنهار الأخرى من ناحية ثانية، بل وتعتبر النهر لصا يسرق الماء ويخرج به من الحدود فهو نهر داخلى «عاص» وليس نهرًا دوليًا. وهى تعترض على اتفاق ١٩٠٢ باعتباره اتفاقا استعماريا رغم أن إثيوبيا كانت مستقلة ومصر والسودان تحت الاحتلال البريطاني. وهى تأخذ كنيستها بعيدا عن الكنيسة المصرية التى أنشأتها، كما تؤلف مذهبًا دينيا تسميه المذهب الحبشى وتجبر السكان المسلمين عليه مع كونهم من السنة الشوافع تتجه بهم إلى طهران وحزب الله. وهى تقيم علاقة متناغمة مع كل من يمكن أن يكدر علاقتنا معهم، وهى تبنى سد النهضة بنهج الأمر الواقع وتسيسه كى يكون «سد ضرار» قابل للاستخدام سياسيًا، وتجمع فيه كافة مخرجات النيل الأزرق، فتخطط لمائتى مليار متر مكعب فى خزانات وراء السدود وذلك فوق ما يتيحه النهر من مائية بالكامل. وهى تستهدف أن يكون السد هو مفتاح السياسة الزراعية فى السودان ومصر، فلا نزرع إلا حيث فتحوا الخزانات، وهى تفترض أننا لابد أن نقبل الطاقة المتولدة من السد، وأننا سنربط مع أوروبا حتى لو قلّ الماء لدينا، وإن قل الماء عشرة مليارات أو خمسة عشر مليارًا، فليقل إعلامهم المدعوم أمريكيا وإسرائيليا إن أربعين مليارا هى حصة كافية لمصر. والحقيقة أن إثيوبيا دولة جمعت أراضيها فى عهد الاستعمار، والحقيقة أيضًا أنها قوة استعمارية من منظور الجماعات الكبيرة فيها لا سيما الأورومو والصوماليين وبنى شنقول، والحقيقة أيضا أن كل ما يجرى فى الدولة الإثيوبية هو ناتج عن الاستثمار فى الزراعة وفى ماء النيل ومن الحصة المصرية ودون أدنى تشاور. والحقيقة أيضا أن الزعم بأنها دولة نامية فوق المستوى المعتاد فى أفريقيا يجعلنا نؤكد أن اقتصادها لا يزيد فى ناتجه الإجمالى عن ١٨٪ من ناتجنا القومي. والحقيقة أخيرا أن القول إنها دولة ديمقراطية تطرح قيادات أفريقيا الجديدة هو قول مجاف لوجود كل المعارضة الإثيوبية فى السجون أو فى المنفى، كما أن الحقيقة أن البرلمان الإثيوبى على مدار دورتين لا يضم إلا نائبين من قومية الأورومو الذين يزيدون على أربعين فى المائة من السكان على سبيل المثال. والحقيقة أن التحرك الإثيوبى على مدار أكثر من قرنين من الزمان يشير إلى ميلهم إلى الضغط فى حوض النيل «حملة فاشودة» لنيل الثمن فى القرن الأفريقي، وللوصول إلى البحر الأحمر «أوجادين- خطة سكة حديد جيبوتى أديس أبابا- إريتريا» والآن تعصف القوات الإثيوبية بدولة الصومال وتمنع وحدتها وتؤكد وجودها العسكرى عبر ما يسمى بالقوات الأفريقية. وقد أقبل أوباما على تشجيع مشروعات الطاقة المائية فى إثيوبيا مقرونة بضمان أمن إثيوبيا. ومع هذا فإنه لا يجب أن نستخدم نهج التهديد مع إثيوبيا كما لا يجب تهديدها بأى لغة توحى بالحرب أو تبنى مشكلاتها الداخلية، بل لابد من اتباع نهج الاعتماد المتبادل معها علانية، وبناء الثقة واستمرار التفاوض. وفى نفس الوقت لابد من دعم وجودنا فى الإقليم لدى الأصدقاء والأشقاء والشركاء التاريخيين فى إريتريا والصومال وجيبوتى وفى السودان وجنوب السودان، كما لابد من تعظيم التواجد الشعبى والبرلمانى والسياسى والثقافى مع الأشقاء فى إثيوبيا وغيرها، بحيث نستطيع أن نقدم من برامج العمل المشترك ما يفتح الباب لاستثمارات مصرية حقيقية فى إثيوبيا ومشاريع لحل مشاكل مياه الشرب والصرف الصحى فى المدن بما لدينا من خبرة بهذا المجال، وحدث عن المقاولين العرب والأسمنت المسلح وغيرهما من الشركات المصرية، كما لابد من تفعيل دور المجتمع المدنى فى التواصل مع كافة الأطياف الإثيوبية وألا نسمح بالقطيعة. وهنا نجدد ضرورة التوسع فى برنامج مكافحة فيروس سى والملاريا وأمراض عمى النهر وغيرها وأن نقدم نموذجا مصريا لتكامل قوى الدولة الشاملة فى هذا المشروع بحيث تقوم وزارة الصحة ومعها الهلال الأحمر والمعاهد الصحية القومية والجامعات وكليات الطب وشركات الأدوية ورجال الأعمال بدعم علاج مرضى الأمراض السابقة، بما يقدم نتائج محققة على نحو ما حدث فى القرى المصرية؛ كى نطرح حقيقتنا على الأشقاء باعتبارنا قوة خير ونمو وسلام، وأننا حريصون على مواطنى حوض النيل فى إثيوبيا وفى غيرها. وفيما يتعلق بالتفاوض فى مسألة سد النهضة فإننا يجب أن نستوثق من أن إثيوبيا لن تتخذ أى إجراء لتخزين المياه دون العودة إلينا طبقا للاتفاق الإطارى الموقع بين مصر والسودان وإثيوبيا، وأنها يجب أن تعلم أنها لن تضمن بيع الكهرباء عبر بلادنا إلا إذا ضمنت ورود المياه ورودًا منتظمًا وأن سد النهضة لن يكون أبدًا على حساب السد العالي.

إن المسألة تقتضى –وكما ذكرنا من قبل- إعداد دراسات مائية للحوض بكامله أن نعد أيضا دراسات بيئية شاملة فضلا عن دراسة المشاريع الاقتصادية المقترحة وموازنة ما قد ينقص من حصتنا عبر سد النهضة بمشروع آخر فى مشار، فضلا عن دراسات قانونية واجتماعية، مع الوصول بكل ذلك إلى الإعلام الدولى كى يعلم الكافة المخاطر التى نتعرض لها ومدى النقص الفادح فى نصيب مواطنينا من المياه والذى يتآكل مع الزيادة السكانية، كما يجب أن نبحث فى مدى تأثير انخفاض منسوب النيل على ملوحة شمال الدلتا، وعلى المحاصيل التى تعد مستهلكة للمياه مثل قصب السكر والأرز. كما يجب ألا نقبل مطلقًا أن يدار اقتصادنا على أيدى أية شركة إسرائيلية، إن أخلاقيات العلاقات الدولية تطرح على إثيوبيا معنى غير أخوى وغير أخلاقى بتوظيف إسرائيل فى هذا الصدد. والأقرب إلى الاحترام والالتزام هو أن يكون المصريون والسودانيون فى هذا المجال. كما يجب أن نطالب الأخوة فى إثيوبيا بأن الاتهام غير المبرر بالتدخل فى الشئون الإثيوبية لم يعد مقبولًا، وأن القضية الأساسية فى هذا الصدد هى إلقاء إثيوبيا باللوم على غيرها؛ بدلا من أن تتساءل الحكومة الإثيوبية عن أسباب ثورة الشعوب الإثيوبية، وهى ثورة تنبع من اعتداء الحكومة المركزية على أراضى هذه القبائل ومنحها للشركات الأجنبية أو لتعميق نفوذ التيجراى فى مركز الدولة بالعاصمة. ولابد أن نطرح حقيقة أن التعنت الإثيوبى ومحاولة جمع دول الحوض ضد مصر هو الذى عطل مبادرة حوض النيل وهو الذى منع الدول من الانتقال إلى تأسيس مفوضية حوض النيل، كما أنه عطل برامج التنمية فى الحوض الشرقى وإثيوبيا من أكبر المستفيدين فيه، ومن ثم فإن الذى يجب أن يتغير هو الطرف الإثيوبى الذى لا يلقى بالا لمصالح الفلاح المصري، فإذا نقصت المياه عند هؤلاء الفلاحين فما الذى يمنعهم من هجرة عكسية إلى قلب إثيوبيا ودول حوض النيل حيث توجد وفرة الأمطار والأرض الكافية للزراعة. ولقد سبق أن حدث هذا فى تاريخ كل من مروى وأكسوم من قبل، ونحن نرى الشعوب تتدافع الآن من مناطق الأزمات إلى مناطق الوفرة والثراء، فما الذى يمنع المصريين من ذلك؟. إن إثيوبيا ليست بحاجة أن تكون وكيلا عن إسرائيل ولا عن الولايات المتحدة والغرب فى المنطقة، إنها بحاجة أكثر إلى التعاون مع دول المنطقة، وإن بوسعنا جميعًا –مصريين وإثيوبيين وأوغنديين وكل شعوب حوض النيل- أن نبنى تجمعًا حقيقيًا يؤسس لوحدة الحوض ويعطى نموذجًا للتنمية والسلام بدلا من أن تستقطب إيران أو تركيا أو قطر أو إسرائيل، وأن تعمل بأسلوب «المكايدة» فإن كل الدول تستطيع أن تعمل بهذا الأسلوب، لكن النتيجة النهائية ستخسر جميعًا. والحقيقة أن فكرة التكامل الإقليمى فى حوض النيل توجب أولا أن تكون إثيوبيا دولة متكاملة من الداخل، وقادرة على تقديم نظام سياسى مشبع لكافة الجماعات بما يطرح الاستقرار الداخلى الذى يساعد كافة دول حوض النيل على التقدم ببرامج مشتركة للتنمية، كما أن التعاون الإقليمى يفترض عدم تسييس ماء النهر أو استخدامه سلاحًا، وعليها أن تفهم أيضا أن مصر ليست مجرد ممر لخطوط ضغط عال قادمة من هذه الدولة أو تلك، كما أنها لا تملك أن تصدر فيتو ضد علاقات مصر الخارجية مع دول العالم، وأن الإصرار على القبول بسد النهضة كما أسسته إثيوبيا بالمخالفة لقواعد القانون الدولى ووفقا للتناقض الهندسى الذى أشار له تقرير الخبراء الدوليين، وكذلك اللعب على الوقت فيما يتعلق بتقرير الشركتين الفرنسيتين حول مخاطر وآثار سد النهضة، كل ذلك لن يؤسس لعودة مبادرة حوض النيل، ولن يساعد على قيام مفوضية حوض النيل ولن يصنع سلامًا واستقرارا وأمنًا، ولكن الذى يصنع السلام والتنمية هو التعاون بحسن نية كما ذكر الاتفاق الإطاري. والحقيقة أن هذا الاتفاق يمكن أن يكون فاتحة خير لتنفيذ ما ورد به من ضرورة حسن نية بين الأطراف المتعاقدة بما يكفل الانتهاء من مخطط شامل للموارد المائية لحوض النيل مخطط يسوى بين دول المنابع والمصب من منطق إنسانى بحت، ويؤسس لتبادل المصالح والاعتماد المتبادل وتوفير فرص الحياة المشتركة الكريمة لكل أبناء الحوض، بما فى ذلك حق التنقل والتجارة والاستثمار والعمل، فيطرح كل منا خير ما لديه لأخيه ويمضى الجميع فى أخوة وسلام. ونقول إن البدائل ليست فى صالح الجميع.

الجهد الذى يجب توجيهه لإثيوبيا يقوم على إقناعها بأن مشروعاتها لتوليد الطاقة المائية مجحفة بحق مصر ولابد من مشاركة مصرية فيها فى حال قيامها، أو البحث عن بديل لها عبر تبنى مصر سياسة للربط الكهربائى مع الدول الأفريقية ودول حوض النيل خاصة فى إطار الشبكة المصرية القومية للكهرباء، والتى ترتبط حاليًا عربيًا وأوروبيًا، وأفضل الوسائل لذلك هى مشروع قومى عملاق للطاقة الشمسية النظيفة والرخيصة فى أكثر مناطق العالم حرارةً فى جنوب مصر، والذى يمكن إنجازه بمشاركة تمويلية عربية وأوروبية وصينية، ما يجعل مشروعات إثيوبيا أكثر تكلفة فتقبل على الربط الكهربائى مع دول المنطقة وتتخلى عن بعض مشروعاتها المؤثرة.

الوجود المصرى عبر الدبلوماسية الرسمية والشعبية والشركات العامة والخاصة وخبراء التنمية البشرية، والمستشفيات الصغيرة، وأدوار الجامعات، وقنوات فضائية مصرية موجهة إلى أفريقيا عامة ودول حوض النيل خاصة، وأدوار الأزهر والكنيسة والثقافة والتعليم والكتاب والفيلم والمسلسل التليفزيونى أدوات ناجزة فى أفريقيا.

إن مراجعة المشروعات المائية الكبرى التى قامت فى حوض النيل تؤكد أن مصر كانت شريكًا فى تصميمها وفى دراسة الجدوى وفى تحمل جزء من التمويل، وهو ما أهملته الحكومات الماضية. ولابد من الإقرار بأن الوجود والمشاركة يحفظ الحقوق المصرية، وأن الغياب والتقاعس يوصلنا إلى ما نحن فيه من أزمة مع الأشقاء فى حوض النيل.

أنه قد ثبت أيضًا أن التمويل ليس مشكلة كبرى تواجه المخططات المائية والكهربائية المطلوب تنفيذها فى حوض النيل، إذا توافرت الشفافية والنزاهة فيمن يختارون لحمل الأمانة السياسية والفنية. وإذا توفرت الإرادة السياسية مع هذا كله فيمكن القول إن جيل ٢٥ يناير و٣٠ يونيه يستطيع أن ينجز بنفس روح بناة السد العالي.

بعد هذه الركائز يمكن القول إن مصر تستطيع تبنى رسالة أفريقية شاملة مناظرة لرسالتها فى تحرير أفريقيا بحيث تصبح رؤيتها تقوم على استراتيجية محددة هي:

الأمن والتنمية – فأمن أفريقيا هو السبيل لدور نشط فى حوض النيل يساهم فى إنشاء المشروعات المائية التى تحقق لمصر تنفيذ توسعها العمرانى فى كل الصحراء الغربية الوادى الجديد (عبر ممر التنمية) وسيناء (عبر ترعة الشيخ جابر فضلا عن الأنفاق الجديدة مرورًا بقناة السويس)، وتملك مصر مقدرات هائلة للمشاركة فى برامج الأمم المتحدة لحفظ السلام فى القارة، وكذلك تمتلك مقدرات هائلة فى مجال التنمية يمكن أن يعطيها دورًا رائدًا على الأقل فى حوض النيل.

الطاقة مقابل المياه- هذه فى كلمة واحدة: ربط المشروعات المائية التى نستهدف منها استقطاب فواقد المياه بمشروعات التنمية الكهربية التى توفر لأشقائنا فى دول حوض النيل احتياجاتهم فى هذا المجال.

بناء اعتماد متبادل بين مصر والسودانيين الشمالى والجنوبى (وحدة وادى النيل)

وهنا يثور التساؤل هل تجنح القيادة السياسية فى الخرطوم وجوبا للقبول بذلك؟

يبقى الأمل فى قيادتين سياسيتين توصلا معا لسلام الفرسان الشجعان، تواجها فى الميدان وعلى موائد التفاوض، فهل يكون لهما شرف صناعة الاستقرار والتنمية؟ إن مطلب التنمية والاستقرار لدى الشعبين بعد حرب الخمسين عاما هو مطلب حقيقى لا يجب أن يتوه فى البراعة السياسية التى يحسنها قادة السودان شمالا وجنوبا، وهى براعة تكتيكية فى الكيد السياسى والفشل الاستراتيجى على طريقة الأطباء «الحمد لله العملية نجحت والعيان مات».

إن دورا مطلوبا يستدعى القيادة المصرية لإقناع الطرفين بالتعايش فى إطار توازن دقيق يمنع العودة للحرب، ويشجع هذا الاعتماد المتبادل، ويمنع أطروحات قوى عديدة جاهلة بالشأن السودانى والنيلى والأفريقى تسعى لمصالح ضيقة ليست بالضرورة مصالح شعوب وادى النيل.

إن مصر مطالبة بموقف حاسم يدعم الاستقرار والتنمية بل إنها مطالبة بالتضحية من أجل هذين الهدفين فى حوض النيل كله، وليس السودان وحده فهذا الاستقرار وتلك التنمية فى حوض النيل هما أيضًا مطلب مصرى ومصلحة مصرية، لأنهما يحققان لمصر تنفيذ المشروعات المائية فى جنوب السودان. إن أملا فى وحدة وادى النيل يجب أن يبعث من جديد فالمتفرقون لا يصنعون تقدما ولا تنمية ولا حضارة وتوالى القتال لا يصنع الاستقرار ولا التنمية.

إن الاعتماد المتبادل والتداعم والتكامل بين الشقيقين يجب أن يحظى برعاية مصرية إيجابية وأخوية، لأنها أخلص الأطراف جميعا للوحدة والتعايش والتكامل، ففيه مصلحة مصر ومصلحة السودان شمالا وجنوبا بل ومصلحة حوض النيل وبقية القارة الأفريقية.

إن مواطنة وادى النيل يجب أن تكون موضوعا للدراسة فى مصر والسودان شمالا وجنوبا، بل وفى أوغندا فتلك المواطنة تتوافق مع بيئة بشرية وطبيعية خلقها الله، وقد آن لإنسان وادى النيل أن يصنع فى السياسة والاقتصاد والاجتماع الإنسانى فيما يضيف إلى الجغرافيا جديدا.

إن وادى النيل بحاجة لقيادات جديدة قادرة على الرؤية الاستراتيجية النافذة مستندة إلى العلم والعلماء لصياغة التقدم، وإلا سنذهب جميعا إلى فرقة وتشرذم، يخلفان لأولادنا الحسرة والندامة على جيل سيمضى إلى التاريخ غير مأسوف عليه.

وبعد، الماء بالمنابع يكفى للجميع والموارد المائية هى آخر الأمر نعمة الرب يجعلها مصدرا للحياة للأخيار من الناس، ويجعلها أداة للصراع لشرار الناس، وكل مرهون بموقفه، والاختيار فى أيدى الحكومات لكن الشعوب لن تسامح البغاة، وقد رأينا ماذا يفعلون بأمثال مبارك وموبوتو. إن تطورا فى الأداء الديمقراطى والمشاركة السياسية الواسعة هو الباب الواسع للتنمية والأمن فى حوض النيل لكى تحقق الشعوب مصالحها بنفسها وتدفع الحكومات إلى طريق المصالح الحقيقية القادرة على تحقيق الهدفين: الأمن والتنمية.

إن وادى النيل بأهله وموارده يحتاج إلى قيادة عصرية فاعلة قادرة على حرق مراحل التنمية والانطلاق إلى القرن الحادى والعشرين بروح وثابة تنتشل نفسها من بيئة المستنقع والمراعى الفطرية إلى عصر المعلومات والاتصالات والاقتصاد المعاصر والتجارة الاليكترونية، بحيث يقدم كل عضو فى الوادى لأخيه ويأخذ منه، فننهض جميعا، ليس فقط كدول جوار، ولكن أيضا كأشقاء أكفاء لديهم مزايا نسبية متنوعة داعية وداعمة للتكامل، بيد أن هذا كله رهن بإرادة مصرية قادرة على صياغة المجتمع المصرى ليكون على مستوى التفاعل الخلاق مع الأشقاء بروح الأخوة والنبل.

 

 

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة