الجمعة 17 مايو 2024

سندباد الألحان (1)

16-9-2017 | 12:23

بقلم: الموجي الصغير

في هذا المقال احترت ماذا أكتب ومن أين أبدأ وماذا أقول، فهو عن الموسيقار الكبير بليغ حمدي .. هل أكتب عن أعماله المحفورة في وجدان الجماهير التي دائماً ما تتحدث عنه وكلنا نعرفها ونحفظها عن ظهر قلب أم أكتب عن بداياته ونحن نعرف أنه بدأ مطرباً وبعدها اتجه إلى التلحين وماذا أقول عنه هل أقول إنه هرم من أهرامات الموسيقى العربية .. هل أكتب أنه طوفان الألحان .. هل أكتب أنه الغواص الذي يغوص في بحور الموسيقى لكي يستخرج اللؤلؤ والمرجان من الألحان والموسيقى المتطورة .. هل أكتب أنه سندباد الألحان وهو عنوان مقالي وهو المسافر دائماً للبحث والتنقيب عن كل ما هو جديد ومتطور في الموسيقى العربية وهناك ألقاب كثيرة يستحقها هذا العملاق ولكنني فضلت أن أكتب عن يوم وفاة الموسيقار الكبير بليغ حمدي التي هزت وصدمت جماهير مصر والعالم العربي وأصابتنا جميعاً نحن الموسيقيين، ملحنين ومطربين ومؤلفين وكل من له علاقة بالموسيقى والغناء وقبل وفاته بعدة شهور كان الموسيقار محمد الموجي والموسيقار كمال الطويل بينهما جفوة بسيطة وسوء تفاهم حيث كان الموجي مرشحاً نفسه لانتخابات جمعية المؤلفين والملحنين عام 1993 وكان أيضاً الموسيقار كمال الطويل مرشحاً نفسه للانتخابات ويومها فاز الموجي بمنصب رئيس جمعية المؤلفين والملحنين وظن الطويل أن الأصوات التي كانت سترشحه ذهبت إلى الموجي ليفوز في الانتخابات وتقدم الطويل ليهنئ الموجي بفوزه وقال له مبروك يا محمد لعبتها كويس وخبط على صدره خبطة قوية فيها شيء من الزعل وغضب الموجي من هذا التصرف، وهذا الفعل أحدث غضباً بينهما، وبعدها سافر الموجي إلى الاسكندرية للاستجمام ليقيم في أحد الفنادق هناك وللصدف كان كمال الطويل قد سافر أيضاً إلى الاسكندرية للاستجمام وكل واحد منهما لا يعرف أن الآخر موجود في الاسكندرية وكان الشاعر الكبير رضا أمين زوج ألحان ابنة الموسيقار محمد الموجي يتردد دائماً على الموجي هو وزوجته حيث إنهما كانا يقيمان في هذه الفترة بالأسكندرية وعلم الموجي أن الطويل موجود في الاسكندرية ، وفي يوم كان الموجي يتناول وجبة الغداء في غرفته بالفندق دق جرس التليفون وكان على الخط المطربة ليلى غفران وكانت ألحان قد استقبلت المكالمة وقد نقلت خبر وفاة بليغ حمدي إلى السيدة ألحان وما أن وضعت السماعة وهي حزينة فسألها الموجي «مين على التليفون ولماذا هذا الحزن؟» قالت له ابنته إن الموسيقار بليغ حمدي توفى الآن ... وعند سماعه الخبر ترك الموجي وجبة الغداء ولم يكملها واتصل بكمال الطويل ليبلغه الخبر وجاء بعدها الطويل إلى الفندق للموجي واحتضنا بعضهما البعض وأجهشا بالبكاء على رفيق دربهما وصديقهما بليغ حمدي الذي كان الضلع الثالث في مثلث التجديد، وعلى الفور ترك الموجي والطويل الإسكندرية وأصرا على العودة إلى القاهرة وقطعا الإجازة ليستقبلا واجب العزاء في فقيدهما الثالث وهكذا كانت وفاة بليغ حمدي سبباً لعودة المياه إلى مجاريها بينهما وأوصاهما الشاعر الكبير رضا أمين قبل سفرهما إلى القاهرة بأن لا يحدثا بينهما خلافاً أو خصاماً أبداً قائلاً: «أنتما هرما الموسيقى العربية الباقيان بعد أن فقدنا الهرم الثالث لكما».

بليغ حمدي بدأ مطرباً وغنى لملحنين آخرين بعدما اعتمد مطرباً بالإذاعة كان يغني في برنامج «ساعة لقلبك» وكان يغني في بعض البرامج الأخرى وكان مولعاً بألحان الموجي وخصوصاً ألحانه للعندليب مثل «يا قلبي خبي وصافيني مرة وبتقولي بكرة» وأنا أمتلك تسجيلاً بصوت بليغ حمدي وهو يغني «يا قلبي خبي» في إحدى الحفلات في الخمسينيات. وكان متحمساً للفنان بليغ حمدي الكاتب الكبير موسى صبري بعد أن غنى لعبد العظيم محمد (يا ليل العاشقين) وفؤاد حلمي (يا باكي) و(فاتت سنة) و(زي اليومين دول) لمحمد عمر و(الطير العاشق) للدكتور يوسف شوقي «ولو قلبي خالي» للموسيقار رؤوف ذهني .. ثم جاء به موسى صبري للموجي ليلحن له لحناً جديداً لصوته وبعد أن استمع الموجي منه إلى بعض الألحان التي غناها للآخرين وبعض الألحان التي لحنها لنفسه على العود ، كان رأي الموسيقار الموجي للكاتب الكبير موسى صبري ولبليغ حمدي أنه موسيقي أكثر منه مطرباً ونصحه بأن يتجه إلى التلحين أفضل من الغناء وبالفعل.. فبعد هذه النصيحة اتجه بليغ حمدي إلى التلحين وترك الغناء وكان من أوائل ألحانه للمطربة الكبيرة فايدة كامل (ليه فايتنى ليه) و(ليه لا) وبعدها بدأت ألحانه تغزو الإذاعة والسينما حيث لحن للعندليب عبد الحليم حافظ في فيلمه الوسادة الخالية أغنية «تخونوه» عام 1957 كلمات الشاعر الكبير إسماعيل الحبروك والتي كانت أصلاً للفنانة ليلى مراد وتنازلت عنها ليغنيها العندليب وفي نفس العام لحن له في فيلم فتى أحلامي (خسارة خسارة) كلمات الشاعر الكبير مأمون الشناوي وأيضاً لحن له (خايف مرة أحب) كلمات الشاعر الكبير مأمون الشناوي في فيلم يوم من عمري وانطلق إلى عالم التلحين حيث ثبت أقدامه بأعماله المميزة وبعد نجاحه في هذا المجال عاد الموسيقار بليغ حمدي إلى الموسيقار محمد الموجي وشكره على نصيحته له بالاتجاه إلى عالم الموسيقى والألحان وقال بليغ للموجي : لولا نصيحتك لكنت الآن مطرباً يبحث عن ملحنين يلحنون له ، وضحك الاثنان وقال الموجي لبليغ سوف تنبغ في عالم الموسيقى والألحان.

وإذا أردنا أن نقسم مشوار بليغ حمدي الفني إلى مراحل ، سوف نجد المرحلة الأولى وهي في منتصف الخمسينيات تتمثل عندما كان مطرباً في البداية وفى غنائه للملحنين الآخرين وسنجد في المرحلة الثانية اتجاهه لعالم الموسيقى والألحان وابداعاته الموسيقية مع المطربين والمطربات مثل عبد الحليم وفايزة أحمد وفايدة كامل ونجاة حيث قدم لها أجمل أغانيها ومنها «حبك الجبار» و«يا حبيبي إنده علي» و«قبل هواك» و«هتسافر» و«مش هاين أودعك» و«الطير المسافر» و«في وسط الطريق» وغيرها من الألحان الناجحة.. وصباح التي قدم لها ألحاناً متميزة منها «قابلت كتير» و«كل حب وانت طيب» و«يانا يانا» و«عدي ولا سلمش عليّ» و«عاشقة وغلبانة» ودويتو «حب الدنيا» مع وديع الصافي وغيرها من الألحان الناجحة، وكانت معظم هذه الألحان في تلك الفترة للأفلام السينمائية .. وكانت المرحلة الثالثة في مطلع الستينيات تتمثل في الألحان التي أبدعها وقدمها لكوكب الشرق السيدة أم كلثوم ولو دققنا في مشواره مع أم كلثوم سنجد أنه لحن لها ثلاثيات مع ثلاثة من كبار الشعراء مثل فارس الأغنية الشاعر الكبير مرسي جميل عزيز وثلاثيتهم الرائعة «سيرة الحب، وألف ليلة وليلة، وفات الميعاد»، كما قدم ثلاثية أخري مع الشاعر الكبير مأمون الشناوي «أنساك، وكل ليلة وكل يوم، وبعيد عنك حياتي عذاب» وثلاثية أخري متميزة مع الشاعر الكبير عبدالوهاب محمد في أغنيات «حب إيه، وأنا وأنت ظلمنا الحب، وحكم علينا الهوي» التي كانت آخر ما غنت كوكب الشرق، وكانت ألحانه لها سبباً في انتشاره وشهرته كملحن إلى دائرة أوسع حيث كانت جماهير وعشاق السيدة أم كلثوم من المحيط إلى الخليج ينتظرون منها كل جديد أما المرحلة الرابعة فهي في منتصف الستينيات حيث اقتحم اللون الشعبي والذي بدأه بألحانه مع المطرب الكبير محمد رشدي بأغاني «عدوية، ومتي أشوفك، وطاير يا هوي» وغيرها، والذي كون شخصيته الغنائية الشعبية وأيضاً ألحانه مع المطربة الكبيرة شادية وكانت علامات مضيئة في مشوارها الفني مثل «معلش النوبة دي، أنا عندي مشكلة، وخدني معاك، وقولوا لعين الشمس، والله يا زمن، يا حبيبتي يامصر» وغيرها من الأغاني الناجحة، وعودته بعد غياب لصوت العندليب حيث بدأ معه في هذه الفترة وبالتحديد عام 1966 بلحن «أنا كل ما أقول التوبة» كلمات الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي ومن خلال نجاح هذه الأغنية تحمس حليم للغناء الشعبي والذي برع فيه بداية من أغنية "(على حسب وداد قلبي) كلمات الشاعر الكبير صلاح أبو سالم و(جانا الهوى) كلمات الشاعر الكبير محمد حمزة وتوالت الأعمال الغنائية بين حليم وبليغ ما بين عاطفي ووطني والأغنية الشعبية الطويلة والقصيرة والتي كان أساسها فلكلورياً متمثلة في أغاني: «زي الهوي، والهوي هوايا، سواح، مداح القمر، أي دمعة حزن لا».. وفي المرحلة الخامسة ، مرحلة السبعينيات حيث كانت زاخرة بالعديد من الألحان والإبداعات الناجحة وكان بليغ في هذه الفترة من أنشط الملحنين انتاجاً للألحان.

وكان باقي الملحنين في هذه الفترة يبدعون أيضاً ويقدمون أعمالاً ناجحة ولكنه كان الأنشط والأكثر انتاجاً حيث كانت المطربة الكبيرة وردة الجزائرية زوجته والتي أبدع لها العديد من الألحان الناجحة ، وكان لها نصيب الأسد في ألحانه فقد قدم لها على سبيل المثال وليس الحصر أغاني (العيون السود) ، (بلاش تفارق) ، (لو سألوك) ، (حكايتي مع الزمان) ، (أولاد الحلال) ، و(معجزة) .. وغيرها من الألحان الناجحة وهي التي جعلت وردة تثبت أقدامها كمطربة كبيرة وكانت هذه الألحان علامات مضيئة وبارزة في مشوارها الفني ساعدت على انتشارها على مستوى مصر والعالم العربي.

وبعدها توالت أعمال الموسيقار بليغ حمدي وإبداعاته مع المطربة ميادة الحناوي والمطربة عزيزة جلال والمطربة سميرة سعيد والمطرب وديع الصافي والمطرب فهد بلان ومحرم فؤاد وشريفة فاضل وعايدة الشاعر وياسمين الخيام، وغيرهم من الأصوات الكبيرة في مصر والعالم العربي.