الجمعة 26 ابريل 2024

الفرق بين النخبة والعامة

مقالات7-5-2023 | 15:07

عرف العرب طوال تاريخهم المضئ ما يعرف بأهل الحل والعقد وهو مصطلح قديم جرى عليه تعديل طوال قرون مضت ليصبح النخبة والعامة وكان كل فريق يعرف للآخر دوره وأيضا قدره فكان المجتمع أكثر هدوءا وأكثر استبصارا بمجريات زمانه فتسيد زمانه وهابته الأمم ومن بين ما ابتليت به الأمة اليوم أن ضاعت هذه الفروق وبات لدى الجميع شهوة ضاغطة للظهور والتحدث في أمر العامة فضاعت الحقائق وانخرطنا في نفق مظلم قائم على الانطباع والتصور المنقوص للواقع وبالتالي المواقف الخطأ في المكان والزمان الخطأ.

وحين تحتاج الأمة إلى استبصار طريقها وإعادة تعريف أولوياتها كان لابد أن ننظر في يد من نضع مصيرنا وإلى من نسند رسم ملامح طريقنا لا أن نتركه كلأ مباحا لكل راتع فيحوله إلى محاضرة لإثبات موقف أو إدراك شعبية أو تجديدها فإن المهمة المنوط بها أهل الحل والعقد ليس مجرد التعليق على ما يجري أو بحث توصيفه وفق أجندة حزبية أو فكرية ما بل هو إعمال العقل وفق قواعد العلم لتصحيح ما هو خطأ وترسيخ ما هو صحيح.

وهنا تكمن الخطورة فإن تحول أهل الحل والعقد من خانة التخصص والإلمام إلى خانة الانطباع الخاضعة لغضب الهوى ورضاه كانت المحصلة صفر كبيرا وخزنة ممتلئة بالثرثرة التي تزيد المجتمع إرباكا وقد تزيد مخاوفه ولا تهدئها.

من هنا فإن شعور العامة بأن نخبتها مضطربة ومتعاركة ولا تستند إلى  نهج أكاديمي راسخ وتمارس دعايات وقت الأزمة يزداد المجتمع جمودا ويتسلل الإحباط بكل يسر إلى ما تبقى من مفاصل الأمل فيه وتتهيأ البيئة إلى خطاب مغاير قد يذهب بالعامة إلى المسار الخطأ الذي لا تحمد عقباه.

جميل أن نجتمع كأطراف مجتمعية يلقى كل منا ما يراه لكن يطرحه وهو يدرك أنه تحت الاختبار والموضوعية لا أنه حقيقة ثابتة لا يمكن رفضها أو مناقشتها وحتى إسقاطها وواجب أيضا كما تركنا الباب مفتوحا ليتحدث الجميع فيجب أيضا أن يكون هناك رد موضوعي أيضا يظهر الغث من الثمين ويضع النقاط على الحروف لا أن تترك المسألة رهينة الانطباع وأسيرة العواطف التي غالبا ما تفسد على العقل والمنطق مساره.

إن تعامل البعض مع الحوار كوسيلة للوصول إلى تفاهم مشترك على أنه فرصة خطابية لبيان أنه الصواب وما دونه الخطأ أول جريمة ترتكب باسم الحوار فلا وقت لاستعراض سياسي أو صراخ حزبي أو تقافز لمصالح فئوية فلسنا في معرض البحث عن الغنائم بل في مرحلة الحفاظ على نسيج مجتمع تتربص به الأخطار من كل ناحية ومن الخطأ الانشغال عنها أو تأجيلها.

إن الحوار فرصة لعقد المراجعات وتقريب وجهات النظر مع هو قائم وليس إلغاء ما هو قائم وهو فرصة لدفع المسار لا تعطيله أو التشكيك فيه فكيف ينظر البعض إليه أنه فرصة في قلب الطاولة وتصفير العدادات والانطلاق وفق قواعد جديدة فكما رغبت قيادة الدولة في إتاحة الفرصة للتحدث دون خطوط حمراء فإن الأمانة تقتضي من المتحدثين أن يكونوا أمناء أيضا في ما يقدمونه أو ما يستعرضونه وأن تنصلح النوايا التي اجتمعت على تقديم الأفضل لهذا الوطن وهذا الشعب مهما كان موقع المتحدث سواء في السلطة أو من خارجها ومن الخطأ أن تضيع هذه القيمة ليتحول الحوار لفرصة لتبادل الصراع والجدل والرغبة في الإدانة أو التشويه.

إن الحوار مؤتمر لتقديم الحلول وليس محاكمة لفترة سابقة وهو ما بدا في كلمات البعض في وقت كان الجميع وهو يتابع الجلسة الافتتاحية ينتظر أن يسمع إلى خلاصة فكر رجال تمرسوا في الحياة والخدمة العامة ليخبروننا كيف نجدد الأمل في المقبل من الأيام لا أن نسوق ونروج للإحباط وننخرط في جلسات لطم وجلد للذات.

إن الجميع ينتظر أن يخرج الجميع من الحوار صفا واحدا مكسوا ومتحصنا بتنوع لتحقيق الأهداف لا أن نخرج أحزابا وشيعا يضرب بعضنا بعضا وانتبهوا جيد إن المصريين خير متابعين ترشدهم فطرتهم الوطنية التي لم تخطئ يوما ما طوال التاريخ في التعرف على من هو المصلح ومن المفسد ومازال الوقت لم يمر لتحقيق ذلك حتى نخرج للعالم بمظهر الأمة الواعية المدركة لمخاطرها العصية على استقطاب أحد مكوناتها ليسلم هذا الجيل الوطن لجيل بعده ورايته منصورة يكسوها الكبرياء فالتحديات جسيمة والمخاطر محتدمة لكنها تتقزم أمام تماسكنا ووحدة أهدافنا فليحفظ الله مصر وشعبها من كل الشرور.

Dr.Randa
Dr.Radwa