تصاعدت حدة الأزمة بين العراق، وإقليم كردستان، خاصة بعد تمسك الأخير بإجراء استفتاء للاستقلال عن العراق، المقرر له 25 سبتمبر الجاري، بعد موافقة البرلمان الكردستاني، بأغلبية الأعضاء على الاستفتاء، خلال جلسة أمس الجمعة، معتمدًا على ذلك بأنه ثاني أكبر أقلية عرقية في العالم بعد الشيعة، وتقدر أعداد الأكراد في المنطقة العربية 27 مليون كرديًا.
وتدخلت عدد من الدول على رأسها أمريكا وتركيا والأمم المتحدة، لتأجيل الاستفتاء والدعوة للتفاوض مع بغداد، للوصول لحل يرضي الطرفين خاصة في ظل الحرب على الإرهاب في العراق وسوريا.
وترفض كردستان تأجيل الاستفتاء المقرر له 25 سبتمبر الجاري، إلا بعد وجود ضمانات دولية بإمكانية إجراءه مستقبلًا، الأمر الذي رد عليه حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي، بتهديد الإقليم بالدخول في حرب معه حال إجراء الاستفتاء، في هذا الوقت.
وترصد بوابة «الهلال اليوم» أبرز محطات الدولة الكردية، الحلم الذي طال انتظاره لمئة عام، حيث تعد الدولة العثمانية هي أول من سعت لتأسيس دولة كردية في 1920، بعد توقيع اتفاقية "سيفر" التي تمنح الأكراد حق تأسيس الدولة، وتمنح الأكراد في الموصل حق اختيار الانضمام للدولة المستقلة مستقبلًا.
انتفاضتين للأكراد لتحقيق الحلم القومي
لم تنفذ الاتفاقية التي كان بموجبها تسمح بدخول الدولة الكردية لعصبة الأمم، وظل الوضع مستقر رغم دعوات الأكراد بالاستقلال حتى انتفاضة برزان في 1932، احتجاجًا على دخول العراق في عصبة الأمم وتجاهل دعوات الأكراد للحكم الذاتي، وسرعان ما هدأت الانتفاضة الكردية ضد العراق.
وفي 1943 دعا الملا مصطفى بارزاني، إلى انتفاضة ثانية لتحقيق الحلم القومي بتأسيس دولة كردية، ونجح في السيطرة على عدة مناطق منها أربيل وبادينان، وتدخل سلاح الجو الملكي البريطاني، بعد 3 سنوات من الانتفاضة لردع الأكراد، وأجبر المسلحين منهم والمتمردين على عبور الحدود تجاه إيران، لينضموا لأكرادها.
الأكراد يعيشون حلم الدولة لـ10 شهور فقط
نجح قاضي محمد، أحد أقطاب وقادة الأكراد في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، في قيادة أكراد العراق وإيران لتأسيس أول دولة كردية في 1946، في مهاباد شمال غرب إيران، بعد محاولتين لتأسيس دولة مستقلة باءت بالفشل، إلا أن الدولة الناشئة لم تستمر سوى لـ10 أشهر.
ورغم قصر عمر الدولة الناشئة إلا أنها أسست أول برلمان كردي، الأمر الذي جعل إيران تشعر بالخطورة وتقرر إنهاء الدولة صاحبة الـ10 أشهر.
معانا الـ24 عامًا
عاش الأكراد معاناة صعبة عقب سقوط دولتهم الناشئة على مدار 24 عامًا منذ انهيارها، عمل خلالهم الأكراد على تشكيل التنظيمات السرية والأحزاب للحصول على حقوقهم الوطنية وأحيوا الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي حل وفقًا لقرار من الحكومة العراقية في 1961 بعد 10 سنوات على تأسيسه برئاسة مصطفى بارزاني.
اتفاق 1970 والاعتراف بالأكراد
وقعت الحكومة العراقية والأحزاب الكردية، اتفاقًا في 1970، يمنح الأكراد استقلالًا ويعترف بلغتهم كلغة رسمية ثانية في الدولة العراقية بعد اللغة العربية، لم تدم حالة الاستقرار بين الأكراد والعرب إلا لأشهر قليلة، وعاد الملا مصطفى بارزاني، في قيادة المتمردين الأكراد، ومخاطبة الولايات المتحدة الأمريكية لإرسال مساعدات لمواجهة العراق.
واستمرت الأزمة بين الأكراد والعراق حتى وفاة الملا مصطفى، في 1979 شهدت خلالها عدة مواجهات مسلحة بين الأكراد والقوات العراقية.
الحرب العراقية الإيرانية
اندلعت الحرب بين العراق وإيران في 1980، واستغلت الأخيرة أزمة الأكراد مع بغداد، ورأت أن الفرصة متاحة لتقديم الدعم اللازم لفتح جبهة جديدة في العراق من خلال الأكراد المضطهدين وشهدت هذه الفترة قصف القوات العراقية لمناطق الأكراد وقتل الآلاف منهم.
ومع اقتراب انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، أطلقت بغداد حملة «الأنفال» للقضاء على فكرة إنشاء الدولة الكردية، من خلال قتل المقاومة وتهجير الأكراد من شمال العراق إلى تركيا وسوريا وإيران، بشكل ممنهج للقضاء على الحلم الكردي.
عصر صدام
حاول الرئيس الراحل صدام حسين، تقويض الأكراد في مناطقهم، لفرض سيطرته على العراق عقب الخروج من حربين أنهكوا الدولة وخزينتها، الأمر الذي اعتبره الأكراد فرصة لتأسيس دولتهم حيث سيطرت قوات البيشمركة الكردية على أربيل والسلمانية، وفرضت القوات العراقية حصارًا على مناطق الأكراد.
الحرب الأهلية الكردية
تسببت الانتخابات التي أجريت في 1991 بالمناطق الكردية، في نشوب حرب أهلية بين الأكراد، عقب فوز الحزب الديمقراطي الكردستاني بـ50.8% من الأصوات فيما حصل الاتحاد الوطني الكردستاني على 49.2% من إجمالي الأصوات.
واندلعت الاشتباكات بين الطرفيين الكرديين في 1994 سيطر خلالها الاتحاد الوطني الكردستاني، على عدة بلدات تابعة للديمقراطي الكردستاني، ولجأ رئيس الحزب الديمقراطي إلى صدام حسين لمساعدة في استعادة القرى التي سيطر عليها الاتحاد الوطني، وبالفعل تدخل القوات العراقية ونجحت في استعادة عدة مناطق ودخول أربيل معقل الاتحاد الوطني.
وشكلت حكومة كردية جديدة بقيادة الحزب الديمقراطي بمساعدة صدام، في مبنى البرلمان في أربيل.
واستمرت الحرب الأهلية بين الطرفيين الكرديين حتى 2001 قتل خلالها الآلاف من الجانبين، ولم يصبح أمامهم سوى حلم الوحدة لتأسيس دولة كردية قوية، بدلًا من النزاع المسلح بين الأكراد.
حلم الوحدة الكردية
مع تصاعد تصريحات وتحركات الإدارة الأمريكية، وإعلانها الحرب على العراق، رأت الأطراف الكردية، ضرورة التنسيق فيما بينهم لتحقيق الحلم الكردي.
دخلت القوات الأمريكية بغداد وأعلنت سقوط نظام صدام، وساعدت الأكراد في السيطرة على كركوك والموصل لتوسيع رقعة الأكراد في المنطقة، فيما استغل الأكراد الفرصة لإجراء انتخابات وتأسيس برلمان كردي عقد جلسته الأولي في أربيل، واختار مسعود بارزاني رئيسًا لإقليم كردستان في 2005، وتم إعادة انتخابه في 2009 وحتى الآن.
الربيع الكردي
حاول الأكراد ثاني أكبر أقلية عرقية في العالم، العثور على دور خلال اندلاع موجة الربيع العربي، في عدة دول خاصة سوريا والانفلات الأمني في العراق، ليقدموا التضحيات ويوقعوا الاتفاقيات للحصول على حقهم بتأسيس دولتهم المستقلة.
وشارك الأكراد في عدة مواجهات منذ اندلاع الأزمة السورية، كما شاركوا القوات العراقية في حربها ضد تنظيم «داعش» الإرهابي، ونجحوا في السيطرة على عدة مدن جديدة منها نينوي.
ومع اقتراب إنهاء وجود «داعش» في العراق، صوت البرلمان الكردستاني على إجراء استفتاء للاستقلال عن العراق، ووافق أغلبية النواب على الاستفتاء، المزمع إجراءه في 25 سبتمبر الجاري.