قنا: أحمد سعد جريو
لا أحد ينكر أن القطاع الصحى فى مصر يعانى من أزمات عدة، بعضها يتجاوز خط الأزمة، ويستحق وصف «الكارثة»، لكن فى مقابل هذه الصورة السوداء التى يصر البعض على تصديرها عن المؤسسات الصحية فى مصر، هناك نقاط بيضاء، سيكون من العبث والخطأ الفادح تجاهلها..
بعيدا عن العاصمة.. تحديدا فى محافظة قنا، هناك تجربة ناجحة يمكن أن تكون نموذجا لـ«تطوير القطاع الصحى»، هذه التجربة تشهدها أروقة وردهات وغرف وحدة جراحات الأطفال، التابعة لمستشفى قنا الجامعى، والتى تم افتتاحها عام ٢٠١٤، أملا فى تخفيف العبء على أهالى المحافظة، وبقية محافظات الصعيد، الذين كانت تضطرهم ظروفهم المرضية للجوء إلى مستشفيات القاهرة، أو المستشفيات الجامعية فى محافظة أسيوط.
الوحدة التى مر على تأسيسها سنوات ثلاث فقط سرعان ما تحولت إلى «قبلة» لأهالى الأطفال المرضى، بعدما ذاع صيتها، ونجاحاتها المتتالية، فى إجراء عديد من الجراحات المتقدمة، منها جراحات العيوب الخلقية فى القولون وعيوب فتحة الشرج والقنوات المرارية.. كما أن الوحدة خلال شهر أغسطس فقط اجريت ٣٥ عملية جراحية للأطفال وصلت نسبة النجاح فيها إلى مائة بالمائة منها ١٤ عملية قلب مفتوح و٢١ عملية لحديثى الولادة وهى تخدم ٤ محافظات هى: قنا والبحر الأحمر والأقصر وأسوان.
الدكتور نزار أبو حلاوة، رئيس قسم جراحات الأطفال بمستشفى قنا الجامعى، أحد الأطباء الذين ذاع صيتهم فى السنوات القليلة الماضية، على خلفية مشاركته فى إجراء جراحات متقدمة لـ«أطفال الجنوب».
يكشف السر فى النجاح ويقول : تم حديثا البدء فى جراحات المناظير فى الأطفال والتى تعتبر تقنية حديثة جدا، وتضم جراحات الخصية المعلقة وجراحات الفتق الأربى وجراحات العيوب الخلقية فى القولون وجراحات فتق الحجاب الحاجز وجراحات تضخم الطحال، وجميعها تتم بالمنظار الجراحى.
يقول نزار إن جراحات الأطفال بالمستشفى شهدت طفرة رائعة ببدء عمليات الجنس المبهم، والتى تشمل حالات التدخل فى نوع الطفل، وأجريت منها ٤ عمليات فى مستشفى قنا الجامعى، وتحرص وحدة جراحة الأطفال على المتابعة لكل ما هو جديد فى تلك الجراحات، ما يعود بالنفع على أهالى إقليم الصعيد وفى ذلك السياق تم عمل ورش عمل، استضفنا خلالها خبراء جراحة الأطفال فى مصر ومنهم الأستاذ الدكتور عصام الحلبى، رئيس جمعية جراحات الأطفال الإفريقية، رئيس رابطة جراحات الأطفال العربية، والدكتور محمد الصواف، أستاذ جراحة الأطفال والمناظير بطب طنطا، والدكتور أكرم البطرنى، أستاذ جراحة الأطفال بطب طنطا، عضو جمعية جراحة الأطفال المصرية.
وأضاف: وحدة جراحات الأطفال تحظى بالدعم الكامل من المسئولين بدءا من الأستاذ الدكتور، عباس منصور، رئيس جامعة جنوب الوادى، والأستاذ الدكتور حمدى حسين، عميد كلية الطب، والأستاذ الدكتور أسامة حسين، مدير المستشفيات، وتمثل الدعم فى الموافقة على قرار إنشاء وحدة مستقلة لجراحات الأطفال، كما تمت الموافقة على شراء آلات خاصة بتلك الجراحات الدقيقة مع توفير مستلزمات مناظير جراحة الأطفال.
فى السياق قال د. محمد يوسف، مدير المستشفى الجامعى بقنا: المستشفى استضاف الدكتور عصام عبد العزيز الحلبى، الذى أجرى ثمانى عمليات معقدة، منها عملية تصحيح الجنس والتى تعتبر من العمليات الدقيقة جدًا، وهى المرة الأولى التى تجرى هذه العملية داخل مستشفيات قنا الجامعية، والعمليات تضمنت أيضًا عملية خصية معلقة بالمنظار وعملية تضخم خلقى للقولون بالمنظار،كما تم إجراء عملية لإصلاح عيب خلقى بالشرج والأعضاء التناسلية والتى تم إجراؤها بالمنظار أيضًا بالرغم من أن التدخل الجراحى هو الاتجاه السائد حاليًا فى مثل هذه النوعيات من العمليات.
وكشف يوسف أن هناك ورشة عمل أخرى تم تنظيمها حول مناظير الجراحة للأطفال، التى تعتبر من أحدث التقنيات فى جراحات الأطفال بحضور الدكتور أكرم البطرنى أستاذ جراحة الأطفال بطب طنطا، والدكتور محمد الصواف أستاذ بطب طنطا، وتضمنت إجراء ١٢ عملية جراحية لأطفال فى مجال فتق الحجاب الحاجز، وتضخم بالطحال، والخصية المعلقة، والفتق الأربي، وإصلاح عيب خلقى بالقولون.
د.جمال عبد الحميد، أستاذ جراحة المسالك البولية للأطفال بمستشفى قنا الجامعىكشف عن أنه تم إجراء مجموعة من العمليات الخاصة لتصليح العيوب الخلقية للمسالك البولية لمجرى البول وضيق حوض الكلية لأطفال تراوحت أعمارهم ما بين ٦ و٩ سنوات.
النجاح لم يقتصر فقط على هذا النوع من الجراحات فكما تقول الدكتورة شيماء مسلم، طبيب جراحة القلب والصدر أطفال بمستشفى قنا الجامعى، فقد أجروا عدة عمليات كبرى- لأول مرة بالمستشفى- منها عملية مجازاة من وريد الأجوف العلوى إلى الشريان الرئوى الأيمن والأيسر، وعملية رباعى فالوت، إلى جانب عملية قلب مفتوح أحادى لإصلاح عيب خلقى فى القلب، مشيرة إلى أن الفريق الطبى بالمستشفى يتكون من مجموعة خبرات فى مقدمتهم الدكتور عادل الجمل والدكتور كرم مسلم.
«المستشفى بدأ فى تحقيق حلم إجراء عمليات جراحة القلب والصدر للأطفال، وتوفير عناء الانتقال إلى أسيوط أو القاهرة».. جملة بدأ الدكتور محمد عبد البارى، استشارى جراحة القلب والصدر، بها حديثه مؤكدا أن من أهم الحالات التى نجح فريق الأطباء فيها إصلاح رباعى فالوت وإغلاق ثقوب القلب ما بين الأذنين والبوطينين، وإزالة غشاء ما تحت الصمام الأورطى وغلق الوصلة الشريانية، والمستشفى تتوافر به تجهيزات وأدوات وأجهزة ومستهلكات متوفرة لإجراء مثل هذه العمليات، فضلا عن وجود طاقم تمريض متمرس لمتابعة الحالات وخاصة الحالات الحرجة.
الأهم فى هذا النجاح أن الجراحات تتم بالمجان عن طريق التأمين الصحى، ونسب النجاح تقترب من ١٠٠ فى المائة، وقسم جراحة القلب للأطفال فى طريقه لإنهاء إجراءات لاتفاقية مع جمعية نبضات لعمل قوافل طبية وعمليات مجانية خاصة عمليات القلب المفتوح.
فى السياق قالت سيدة على، ممرضة بالوحدة: العمليات الجراحية للأطفال تلقى عناية كبيرة من الأطباء الذين يعملون كفريق عمل جماعى، ويحرص كل منهم على نجاح العمليات، خاصة عمليات القلب المفتوح والتى تعالج الثقب فى القلب، كما أن فريق التمريض بالمستشفى متمرس وتلقى تدريبا عالى المستوى فى التعامل مع الحالات الحرجة التى تخص القلب والصدر للأطفال، ويمكن القول إن التفانى والإخلاص سر نجاح عمليات جراحة الأطفال بالمستشفى الجامعى بقنا.
من جانبها قالت دعاء كمال، ممرضة: توافر الأجهزة الطبية والقوة البشرية يساعد على النجاحات التى تحققت فى جراحات الأطفال، إضافة إلى التعاون المثمر والجاد بين فريق الأطباء والممرضين والتفاهم وتحمل المسئولية، كما أن المستشفى يبحث دائما فى عمله على التميز وليس على النجاح فقط.
أهالى المرضى.. الذين يمكن وصفهم بـ«شهود عيان» على التطوير الذى تشهده وحدة «أطفال قنا»، أكدوا أن المستشفى جاء لينقذ أطفالهم من الموت ويحميهم من تعب البحث عن مستشفيات فى القاهرة ، مصطفى أحمد، والد الطفل «حسين»قال : ابنى أجرى عملية قلب مفتوح بالمستشفى، وفريق العمل بالمستشفى جدير بالتقدير، لأن ابنى يعانى من مشاكل فى القلب، وسافرت إلى العديد من المحافظات بحثا عن فرصة علاج له، حتى استقر بنا الحال هنا فى مستشفى قنا الجامعى، وتم إجراء العملية وكتب لها النجاح.
رمضان أحمد، والد الطفل «هيثم»، التقط طرف الحديث من «مصطفى» وأكمل قائلا: المستشفى أجرى عملية معالجة ثقب فى القلب لابنى بدرجة عالية من الكفاءة والاقتدار، والآن حالة ابنى مستقرة، مع الأخذ فى الاعتبار أن العملية تمت بالمجان، حيث أجريت تحت مظلة «التأمين الصحى».