السبت 23 نوفمبر 2024

الهلال لايت

إيفند جونسون من مكبس القش إلى نوبل

  • 11-5-2023 | 17:37

أحمد البكرى

طباعة
  • دار الهلال

● عمل جونسون كعامل في ورشة لتقطيع الأخشاب؛ ثم عمل مساعد سباك، وكهربائيا؛ وعمل أيضا في مكبس قش.

● بينما كان جونسون يتقلب بين المهن المختلفة انخرط مع الاشتراكيين الشباب، الذين روجوا لمحو الأمية الثقافية بين الطبقة العاملة.

● كان مشروع جونسون الأكثر طموحا هو "ثلاثية كريلون"، التى وظف فيها الواقعية والخيال والرمزية والصحافة

وكانت طفولة الكاتب والصحفى السويدى إيفند جونسون الصاخبة، وتجاربه كعامل، وآرائه السياسية ذات الميول اليسارية هى المنبع الذى استند إليه فى تقديم نقده الاجتماعى الحاد في روايات مثل (تعليق على نجم ساقط) و (أيام سعادته) التى أكسبته جائزة المجلس الشمالى للأدب. كما عبر عن آرائه السياسية القوية فى العديد من المقالات الصحفية وساعد في تأسيس صحف راديكالية مثل صحيفة (الحرية الاسكندنافية) والصحيفة النرويجية "مصافحة".

ولد جونسون فى 29 يوليو 1900، فى سفارتبويورنسبين التى تقع في مقاطعة نوربوتن في أقصى شمال السويد فوق الدائرة القطبية الشمالية.

وكان ثانى أصغر الأطفال الستة الذين ولدوا لقاطع الأحجار أولوف جونسون، الذى تعود نشأته إلى بلدة فارملاند، وزوجته سيفيا غوستافسدوتر من بلدة بلاكينج الجنوبية السويدية.

عمل أولوف جونسون فى بناء خطوط السكك الحديدية، وهى المهنة التى نقلت الأسرة إلى مقاطعة نوربوتن. فى حوالى عام 1904، ولكنه أصيب بمرض تنفسى أدى بدوره إلى إصابته بالاكتئاب. 

روى جافين أورتون فى كتابه عن سيرة إيفند جونسون الذاتية أن جونسون قال ذات مرة عن أبيه: "قيل لى إنه كان رجلاً مرحا وودودا وإنه كان يغنى بسعادة، وأنا سعيد بتصديق ذلك.. لكنه مرض.. كان مريضا لسنوات عديدة، ولم أسمعه يغنى أبدا. بالكاد سمعته يتحدث".

أصبح أولوف غير قادر على العمل، وسقطت عائلة جونسون فى هوة الفقر، وتم إرسال جونسون للعيش مع شقيقة والدته، أماندا وزوجها أندرس يوهان روست، الذى كان يعمل أيضا في بناء خطوط السكك الحديدية. وعلى الرغم من أن عائلة خالته كانت تعيش على الجانب الآخر من الطريق الذى يسكن فيه والدى جونسون، إلا أنه كان دائما ما يفتقد عائلته بشدة، رغم أنه لم يكن يشعر معهم بالراحة. يقول أورتن: "عندما كنت صغيرا كنت أذهب إلى المنزل كل يوم، كان قريبا.. أردت أن أكون مع الآخرين، أن أكون مثلهم.. فأنا أنتمى إلى هناك ولم أرد أن أكون أفضل حالاً منهم.. كنت أشعر بالحنين لمنزلى طوال طفولتى.. وعندما عدت أخيراً إلى المنزل أردت المغادرة".

التحق إيفند جونسون بمدرسة قروية وظل بها حتى بلغ الثالثة عشرة من عمره، ثم انتقل مع عائلة خالته إلى شمال بودن على بعد 45 ميلاً من بيته أسرته.

فى عام 1914 غادر المنزل وعمل فى وظائف مختلفة في جميع أنحاء نوربوتن. في البداية، عمل فى فرز الأخشاب بالقرب من بلدة سافاست، ثم عمل بعد ذلك فى مصنع للطوب.

وبين عامى 1915 و 1919 عمل كعامل في ورشة لتقطيع الأخشاب، قاطع تذاكر، ومرشد و مشغل أفلام فى دار السينما، ثم عمل مساعد سباك، وكهربائيا؛ ومنظف قاطرات فى حظائر القطارات فى بودن؛ كذلك عمل وقّادا على متن قطارات شحن تسافر بين بودن وهابارندا؛ وعمل أيضا فى مكبس قش.

وبينما كان يتقلب بين كل تلك الأعمال، انخرط جونسون مع الاشتراكيين الشباب، الذين آمنوا بضرورة الثورة الاقتصادية وروجوا لمحو الأمية الثقافية بين الطبقة العاملة.
في عام 1919 اقترض المال للانتقال إلى ستوكهولم، حيث ظل عاطلا عن العمل، حتى عثر على عمل فى ورشة إل إم إريكسون في توليجاتان. وبدأ جونسون فى الكتابة لصحيفة "براند"، صحيفة الاشتراكيين الشباب، والمساهمة بمقالات استفزازية وقصائد ثورية تحت اسم مستعار "إيفينج أونج". 

وبعد انضمامه إلى إضراب عمال المعادن في عام 1920، عاش على أرباح ضئيلة فى البداية من كتاباته.

بدأ جونسون بعد ذلك يلتقى مع العديد من الاشتراكيين والكتاب الآخرين بشكل منتظم. وفي عام 1920، أسس جونسون مع صديقه وزميله الكاتب رودولف فارنلاند مجلة "حاضرنا" التى لم تستمر طويلا، وسرعان ما انطلق فى طريقه الخاص، لكنه مع ذلك كان أكثر تشاؤماً من رفاقه. ويرجع عدم تفاؤله إلى الآثار الاجتماعية والنفسية التى خلفتها الحرب العالمية الأولى. يقول أورتن: "لقد رأينا بوضوح تام أسوأ جوانب رفاقنا، رأينا كيف تُفرز أبشع صفات الإنسان وأكثرها بؤسا: الرغبة فى الربح، الرغبة الهمجية فى المتعة، الغرور، الجشع، والجبن".

في أواخر عام 1920، عمل جونسون في صناعة القش وقطع الأخشاب في إحدى مزارع أوبلاند، وبقى فيها لمدة عام. 

وفى أكتوبر من عام 1921، تسلل على متن سفينة متجهة إلى ألمانيا.. وقد نقل جافين أورتون عن جونسون قوله: "أدركت فجأة أننى واجهت تقاطع طرق: إما الغرق في حياة بوهيمية سيئة أو تحرير نفسى بطريقة أو بأخرى بسرعة وبضربة واحدة".

في برلين، ارتبط جونسون بالرسام الطليعى النمساوى أوسكار كوكوشكا، والشاعر الراديكالى إرنست تولر، وغيرهم من الفنانين الثوريين. كما التقى بالعديد من اللاجئين السياسيين الذين فروا إلى أوروبا الغربية لطلب اللجوء، وقرأ الأعمال المؤثرة لكتاب مثل جون دوس باسوس، ألفريد دوبلين، مارسيل بروست، أندريه جيد، جيمس جويس، هنرى بيرجسون، وسيجموند فرويد.

وفي عام 1923، عاد جونسون إلى السويد حيث ألّف كتابه الأول، مجموعة القصص القصيرة "الغرباء الأربعة" ،وبدأ روايته الأولى "تيمان والعدالة" التي نشرت فى عام 1925. وفى الوقت الذى نشرت فيه الرواية، انتقل جونسون إلى باريس، حيث كان يكسب قوت يومه الضئيل من كتابة الروايات والقصص القصيرة والمقالات للصحف السويدية. 

وفي عام 1926، سافر جونسون إلى خليج بيسكاى، حيث كتب روايته الثانية "مدينة في الظلمات".. التى يستعيد جونسون ذكرياته عنها قائلا: "اندفعت الموجات المتكسرة من بيسكاى لتخترق جدرانا عالية من المياه على الشواطئ الرملية التى لا نهاية لها.. غالبا ما كنت أسير إلى هناك وأصغى وأراقب".

تزوج جونسون من أوساى كريستوفرسن في 1927، وانتقل الزوجان إلى سان لو لا فوريت حيث ولد ابنهما، تورى، في العام التالى. وفى الوقت نفسه كانت فاجعة وفاة شقيق جونسون الأصغر في الولايات المتحدة، الأمر الذى كان له بالغ الأثر عليه، فكتب روايته التالية "فى الذاكرة"، التي نشرت فى عام 1928، لتعكس ما يشعر به من مرارة. وتدور قصتها حول أخوين غير شقيقين، قُتل أحدهما بوحشية. 

ولم يتوقف إحساس المرارة وخيبة الأمل عند هذه الرواية، بل امتد إلى عمله التالي "تعليق على نجم ساقط"، الذى نشر فى عام 1929.

وقد عبرت روايته التالية "وداعا لهاملت"، التي نشرت في العام التالى، عبر فيها عن تقارب متجدد مع نضال الطبقة العاملة. يقول أورتون فى كتابه عن لسان جونسون بقوله: "فى وداعا لهاملت، التى كتبت بعد زيارة قصيرة إلى السويد، بدا لى أننى أرى طريقا.. كان تحررا من حالتى بعد "تعليق على نجم ساقط"، وكان بطريقة ما استمرارا.. فحاولت أن أشارك مرة أخرى بوعى فى المخطط الأوسع للأشياء".

عاد جونسون إلى السويد في عام 1930 وانضم إلى "مجموعة الثلاثة عشر"، وهي مجموعة مناقشة تركز على القضايا السياسية المعاصرة. في حين أن روايته "العالم الآمن"، 1940، تعكس موقفه النقدى في الشئون العالمية، اعتمد فيها على موضوعات الطفولة، كما كانت الأعمال السابقة التى نشرها جونسون عند عودته إلى وطنه الأم مثل: "مرة أخرى أيها الكابتن"، "رواية عن أولوف" وهى قصة سيرة ذاتية، تم تحويلها إلى فيلم بعنوان "ها هى حياتك".

ومع اقتراب الحرب العالمية الثانية، انتقد جونسون، الذى طالما كان من دعاة السلام، رفض الحكومة السويدية مكافحة انتشار النازية، وساعد فى تأسيس صحيفة معارضة، "الحرية الاسكندنافية" التى انتشر توزيعها من 1939-1945، وصحيفة المقاومة النرويجية "مصافحة" فى الفترة من 1942إلى 1945.

وظهرت وجهات نظره المناهضة للفاشية فى رواياته في تلك الفترة، فتحكى رواية (مناورات ليلية)، التى نشرت فى 1938، عن انضمام أحد دعاة السلام من رافضى الحرب والعنف إلى الثورة الإسبانية، في حين تحيى رواية "عودة الجندى"، التي نشرت فى 1940، الجنود الذين حاربوا من أجل الديمقراطية في إسبانيا وفنلندا والنرويج.

وكان مشروع جونسون الأكثر طموحا والذى يتناول موضوعات مشابهة هو "ثلاثية كريلون"، التي نشرت بين عامى 1941 و 1943. والتى وظف فيها الواقعية والخيال والرمزية والصحافة. تبدأ القصة بنقاش بين مجموعة على غرار "مجموعة الثلاثة عشر"، وتتطور إلى حكاية ملحمية عن صراع رجل واحد ضد الشر، وتعكس معارك قوات الحلفاء ضد النازية. 

توفيت زوجة جونسون، أوساى فى 1938، وبعد عامين تزوج من سيلا فرانكينايسر، التى تعاون معها فى وقت لاحق على ترجمة أعمال العديد من المؤلفين، مثل: ألبرت كامو، أناتول فرانس، جان بول سارتر، ويوجين يونسكو. ورزق منها بطفلين: ماريا 1944، وأندرز1946.

اعتمد جونسون على موضوع الحرب العالمية الثانية فى روايته "الأمواج المتكسرة" عام 1946، والتى اعتبرها النقاد نسخة محدثة من ملحمة "الأوديسة لهوميروس.

بعد هذه الرواية تابع جونسون عمله بأربع روايات تاريخية، من بين مشاريع أخرى: "أحلام الورود والنار"، نُشرت في عام 1949، "الغيوم فوق ميتابونشين" 1957، "أيام سعادته" 1960 التى حصل عنها على جائزة المجلس الشمالى للأدب في 1962، " يوم طويل فى الحياة" 1964.

في عام 1957، تم تعيين إيفند جونسون فى الأكاديمية السويدية، التى تمنح سنويا جائزة نوبل في الأدب. وحصل فعلا على جائزة نوبل في عام 1974، مقاسمة مع زميله المؤلف السويدى هارى مارتينسون.

وقد قال كارل راجنار جيرو عضو الأكاديمية السويدية في خطابه: "إيفند جونسون وهارى مارتينسون يمثلان العديد من الكتاب البروليتاريين وشعراء الطبقة العاملة الذين، اقتحموا جبهة واسعة من أدبنا، ليس لتخريبه ونهبه، ولكن لإثرائه بثرواتهم. فإن وصولهم يعنى تدفقا للخبرة والطاقة الإبداعية، اللتين لا يمكن تقدير قيمتهما". 
قدم إيفند جونسون نحو 40 رواية غير المجموعات القصصية، وتوفى فى ستوكهولم فى 25 أغسطس 1976.

الاكثر قراءة