بقلم: الأب بطرس دانيال
هل المُبدع أو الفنان هو المسئول أو له يد فيما يحدث في العالم من شر وإرهاب وتخريب وكراهية؟ يجيب البعض بأنه ليس شيخاً أو قسيساً ليوجّه الناس نحو القيم والأخلاق. هذا كلام غير منطقي، لأن دور المُبدع أو الفنان هو الارتقاء بالقيم والأخلاق والثقافة والذوق الرفيع في المجتمع، لأن الفن والإبداع هما السلاح الذي يستطيع به المتخصصون أن يقدّموا أعظم رسالة في المجتمع الذي يعيشون فيه، كما أنهم يحملون الدعوة إلى الخير مستخدمين بمهارة فائقة الوسائل الإبداعية التي وهبها الله لهم، خاصةً الفن السينمائي. كذلك يساهم الفن بكل أنواعه في إيجاد روح جديدة تحترم الفكر والمبادىء والقيم وتتسامى على الدناءة والسلوك المشين. لا ننكر أن الفن السينمائي انتشر في العالم بأسره وتشعبت مواضيعه وقوة نفوذه ومدى سيطرته على العقول والقلوب والشعور الإنساني، فقد أصبح جزءاً أساسياً من المجتمع الحديث، لذلك يجب أن يكون بوتقة إنسانية رفيعة وبؤرة إشعاع لاتكف عن بث أنوارها وأصالتها. يُحذّر علماء النفس من قوة تأثير الصور المتحركة الناتجة عن الأفلام على الإنسان، لأنها أقوى كثيراً من تأثير القراءة، فالسينما لا تخاطب العقل والفكر فحسب، بل تخاطب كيان الإنسان كله، فضلاً عن سحر الإضاءة والديكور والموسيقى وجمالها مما تجعل المشاهد أسيراً لما توحي إليه من أفكار ورسائل سواء كانت إيجابية أو سلبية. يجب أن تكون الرسالة الأولى للفن السينمائي هي الحفاظ على القيم النبيلة والدفاع بقوةٍ وجسارة ضد كل محاولات التشويه والتحقير، وأن تكون حافظةً على تراث وحضارة الوطن عبر الأجيال. للأسف أحياناً كثيرة قد يُساء استعمال هذه القوة الجبّارة، فتتحول إلى تجارة رخيصة تقوم على الإسفاف والاستخفاف بعقول المشاهدين، وبدلاً من تجنيدها لنشر الخير والفضيلة، تُستَغل لأغراضٍ أخرى مخجلة. لا ننكر أن الرغبة الصادقة للمُبدِع الحقيقي الذي يخلص لفنّه ويهدف لأخلاق سامية، هي أن يسمو بالذوق العام والمستوى الأدبي والحسّي والأخلاقي لجمهوره بكل فئاته العمرية ومحاربة كل ما هو فاسد. ومما لا شك فيه أن الإنسان الذي يعتبر الفن وسيلة كسب مادي فقط، يطأ بقدميه كل الاعتبارات الأخلاقية والإنسانية والتقاليد المجتمعية ويكرّس كل جهده وعنايته لجذب أكثر عدد ممكن من المشاهدين مستغلاً ما في جعبتهم من نقود. لكنّ المُبدع الحقيقي هو حامل شعلة التنوير والإصلاح في مواجهة قوى الظلام والسلبية والنفعية والجهل. فالإبداع دون هدف إنساني وأخلاقي هو عمل لا جدوى له أو فائدة، كما أن حرية الفن والابداع بلا مسئولية هي فوضى. نحن نثق في المُبدعين والفنانين الذين يُخْلصون لفنهم وضميرهم، ويشعرون بالمسئولية الخطيرة والكبيرة والهامة الملقاة على كاهلهم، ولذا ينبغي أن تكون القيم العظيمة والسامية في النهاية هي غايتهم، لأنهم يبحثون من خلال فنّهم عن نزاهة المقاصد ومكارم الأخلاق وصفاء الوجدان ونقاء القلوب، وأن يعكسوا أفراح الإنسان وآماله وطموحه، كما أنهم يتجنبون أن يصبحوا حجر عثرة نتيجة ثمرة عقولهم وموهبتهم وفنّهم. إذاً عليهم أن يساعدوا مُحبّي الفن السابع ويأخذوا بأيديهم ويرفّهوا عنهم من خلال تثقيفهم وتنوير عقولهم وأذهانهم حتى يجدوا في هذا الفن معونةً لحياة أرفع وأسمى.