كشفت وثيقة داخلية للوكالة الدولية الطاقة الذرية عن مخاوف لدى خبراء الوكالة بشأن قدرتهم على مراقبة التقدم في البرنامج النووي الإيراني، بعدما قلصت إيران من قدرات الوكالة بإزالة كاميرات ومعدات المراقبة من منشآتها النووية، فيما يتصاعد القلق في العواصم الأوروبية من التقدم الذي أحرزته طهران في تخصيب اليورانيوم.
وأظهرت بيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن عدد عمليات التفتيش تقلص بنسبة 10% في 2022، بعدما أنهت إيران إجراءات مراقبة منصوص عليها في الاتفاق النووي لعام 2015، والذي انهار عقب خروج الولايات المتحدة منه أحادياً في 2018، وتعطلت جهود إحياؤه في أغسطس العام الماضي.
وقال المدير العام للوكالة رافاييل جروسي في وثيقة سرية تداولها دبلوماسيون الأسبوع الجاري واطلعت "بلومبرغ" على نسخة منها، أن قدرات مراقبي الوكالة "تأثرت بشكل كبير بقرار إيران".
وبدأت إيران في الحد من وصول الوكالة إلى منشآتها النووية عقب قرار إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الانسحاب في 2018 من الاتفاق الذي كان يهدف إلى منع إيران من الحصول على قنبلة نووية.
وحد الاتفاق من برنامج إيران النووي وسمح بمراقبة واسعة لمنشآت طهران النووية مقابل رفع العقوبات.
وبدأت في نوفمبر 2021 محادثات غير مباشرة في فيينا بين الولايات المتحدة وإيران لإحياء الاتفاق، لكنها تعرقلت في أغسطس الماضي، مع تقديم إيران مطالب جديدة، وكذلك تخلي الولايات المتحدة عن الحوار مع إيران في أعقاب تقارير عن إمداد طهران لروسيا بمسيرات لاستخدامها في أوكرانيا، وكذلك التظاهرات التي اندلعت في سبتمبر 2022 في إيران.
وفي هذه الأثناء، أحرزت إيران تقدماً في نشاطاتها النووية، وأصبحت المعلومات عن تلك النشاطات أكثر غموضاً، وفق تقرير الوكالة.
وقال جروسي في تقرير الوكالة السنوي بشأن ضمانات الأنشطة النووية والذي يقع في 116 صفحة: "هناك الكثير من العمل المهم الذي يجب القيام به في هذا الشأن".
وفي مارس الماضي، عقد جروسي محادثات في طهران عقب اكتشاف مفتشي الوكالة جزيئات يورانيوم مخصبة بنسبة تقترب من النسبة الضرورية لإنتاج قنبلة نووية.
وفيما رجح خبراء أن تكون العينة التي تم اكتشاف اليورانيوم فيها، عينة شاذة نتيجة تغيير إجراءات تخصيب اليورانيوم، إلا أن جروسي استغل الحادثة للضغط على إيران لمزيد من الشفافية، وفق "بلومبرج".
وقال جروسي إنه فيما رحب بتطمينات عالية المستوى من إيران، بأنها ستعزز تعاونها مع الوكالة، إلا أنه لم يتم إحراز أي تقدم على صعيد الإبلاغ عن نشاطات إيران النووية.
وسيقيم مجلس محافظي الوكالة البيانات الأخيرة في اجتماعه في فيينا الشهر المقبل.
ويبقى البرنامج النووي الإيراني، أكثر البرامج النووية مراقبة في العالم، إذ استقبلت إيران زيارات تفتيش تزيد بمعدل الثلثين عن الزيارات التي تلقتها اليابان التي تأتي في المرتبة الثانية من حيث عدد مرات التفتيش، رغم أن طهران تملك نسبة ضئيلة من المواد النووية مقارنة بطوكيو.
وتصر إيران على أن برنامجها النووي سلمي، ولا يهدف لصناعة قنبلة نووية.
يأتي ذلك، فيما قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية الجمعة، إن دولاً أوروبية تضغط على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، لإحياء المسار الدبلوماسي مع إيران، لتجنب "أزمة نووية" محتملة، وذلك بعد شعورها بالقلق من التقدم الذي أحرزته طهران في تخصيب اليورانيوم إلى مستويات صنع سلاح نووي.
وقال مسؤولون أوروبيون لـ"وول ستريت جورنال"، إن "الوقت ينفد" أمام التعامل دبلوماسياً مع برنامج إيران النووي، والذي من شأنه أن يضع طهران على بعد "بضعة أشهر" من القدرة على تطوير سلاح نووي، مشيرين إلى أنهم يشعرون بالقلق من أن البيت الأبيض أغلق القضية إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية 2024.
وبعد مفاوضات استمرت 18 شهراً، انهارت محادثات فيينا بشأن إحياء الاتفاق النووي في أغسطس الماضي، عندما رفضت طهران اتفاقاً كان من شأنه أن يُعيد قدراً كبيراً من شروط الاتفاق الأصلي.
وتعمل إيران في الوقت الحالي على تخزين اليورانيوم المُخصب بدرجة عالية تصل إلى 60%، وأنتجت أخيراً كمية صغيرة من المواد المخصبة بمستويات قريبة من مستويات الأسلحة، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
إحياء الاتفاق النووي، الذي أُبرم عام 2015، كان من ضمن الأهداف الرئيسية لإدارة بايدن. وقال مسؤولون أميركيون للصحيفة، إن واشنطن "لا تزال تفضل التوصل إلى حل دبلوماسي للتحدي النووي الإيراني".
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، قال مسؤولون أوروبيون، إن الولايات المتحدة، وبعد شهور من المناقشات، لم تقدم أي مبادرات جديدة يُمكن أن تؤدي إلى إجراء محادثات.
وأشار مسؤولون أمريكيون إلى أن "ثمة أفكار قيد المناقشة".