السبت 4 مايو 2024

عبد العزيز محمود.. ترك سوهاج بـ تاكسي الغرام باحثا عن منديل الحلو

بهاء حجازى

فن16-5-2023 | 09:53

بهاء حجازى

• كان عبد العزيز معروفا فى بورسعيد بخفة الدم والصوت الحسن، وكان يغنى للعمال فيدى الرحلات الطويلة في البحر التى تستغرق أياما، وكان صوته مثار إعجاب كل من سمعه، ونصحوه بالتفرغ للغناء
• عمل عبد العزيز محمود في شركة (شل) حتى أصيب بكسر في إحدى ساقيه، فاستغنت عنه الشركة، واحترف حرفة البمبوطية، وهم تجار البحر الذين يعملون على المراكب مع السفن العابرة في قناة السويس
• تم اعتماد عبد العزيز محمود مطربا وملحنا في الإذاعة بعد 3 سنوات من افتتاح الإذاعة المصرية رسميا سنة 1934، فغنى ولحن أغلب أشكال الغناءالشعبي والعاطفى والوطنى

منديل الحلو يا منديله، على دقة قلبى بغنيله، ويا تاكسي الغرام يا مقرب الحبيب، بتسابق الحمام والسكة الحديد، ويا نجف بنور يا سيد العرسان، كلها أغاني للمطرب عبد العزيز محمود، وربما لا يعرف الكثيرون عن عبد العزيز محمود سوى إنه مطرب شعبى، ظهر فى عدد من الأفلام السينمائية، لكنه واحد من أشهر المطربين في تاريخ مصر بأكملها عبر العصور، وقد حقق شهرة قلما يحققها غيره، لكنه الزمن الذى وصفته أم كلثوم بأنه "ينسى فرح وجرح ياما". 
ولا توجد سيرة أفضل من سيرة عبد العزيز محمود نحكى عنها في عيد العمال، الذي يحتفل به العالم في 1 مايو من كل عام، احتفالا بالعمال، وخاصة بعد وفاة عمال على أيدى الجيش الأمريكى فيما عرف بإضراب بولمان عام 1894، وهو إضراب خاضه العمال لتخفيض ساعات العمل. 
وعبد العزيز محمود الذي ظهر فى أكثر من أغنية مرتديا بدلة العامل ممسكا بأدوات الأعمال الحرفية البسيطة، ولد في 17 أكتوبر سنة 1914، وتجد مواقع الإنترنت تحتفل بالخطأ بعيد ميلاده فى شهر يناير.
ولد  عبد العزيز في سوهاج، جنوب مصر الذي لا يتوقف عن ضخ المواهب في شرايين الحياة الفنية لهوليود الشرق، تبدلت أحوال الأسرة بعد وفاة الأب، فاصطحبته أمه إلى بورسعيد.
سافر عبد العزيز محمود الخناجرى، إلى بورسعيد، وعمل في حرف بسيطة لكى يجمع مبلغا من المال يؤهله للعمال كفنان، فعمل في شركة (شل) حتى أصيب بكسر في إحدى ساقيه، فاستغنت عنه الشركة، ولأننا نتحدث عن عيد العمال، فلا تحدثنى عن حقوق العمال، ولكسر ساقه قصة، حيث كان عبدالعزيز محمود فى عرض البحر، وجمع زملاءه ليغنى لهم، يقول ابنه هشام: "كانوا مزوغين وبيغنوا، ومشرف الشغل عرف فتتبعهم، ووالدى جرى وقفز من اللانش وأصيب فى ساقه فترك الشركة".
احترف عبد العزيز محمود حرفة البمبوطية، وهم تجار البحر الذين يعملون على المراكب مع السفن العابرة في قناة السويس، وهي كلمة إنجليزية أصلها (مان بوت) أو رجل القارب (boatman) وتحرفت إلى بمبوط.
وكان عبد العزيز معروفا فى بورسعيد بخفة الدم والصوت الحسن، وكان يغنى للعمال فى الرحلات الطويلة في البحر التى تستغرق أياما، وكان صوته مثار إعجاب كل من سمعه، ونصحوه بالتفرغ للغناء، وبالفعل بدأ فى التفرغ للغناء وممارسته كمهنة للرزق، فاشتهر بالغناء في الأفراح والموالد مقابل أجر زهيد، لكن هذا لم يكن ما يحلم به الشاب، الذى هجر أهله لاحتراف الفن. 
 لكن ظلت الأمور تسير على وتيرة لا ترضيه، والرياح تقتلع شُرُع سفنه، حتى سمع صوته الأستاذ مدحت عاصم - رئيس قسم الموسيقى والغناء بالإذاعة المصرية، فنصحه بالتقدم للإذاعة المصرية، وسيتم اعتماده مطربا فيها، بما يتيح له فرصة لكى يسمعه جمهور أعرض، وهو الأمر الذى جعل عبد العزيز فى قمة سعادته. 
ومدحت عاصم لمن لا يعرفه فهو فنان موسوعى، موسيقى ومؤلف وكاتب وأديب وناقد رياضى  والده هو إسماعيل بك عاصم المحامى والأديب والشاعر المعروف، ووالدته الأديبة فاطمة شركس، ومن طلائع النهضة النسائية فى مصر، وقد رحل عن عالمنا في الرابع من فبراير عام 1989 إثر عملية جراحية في ساقه عن عمر يناهز 80 سنة. 
دخل عبد العزيز محمود الإذاعة، وتم اعتماده مطربا وملحنا في سنة 1937، وذلك بعد 3 سنوات من افتتاح الإذاعة المصرية رسميا سنة 1934، وانطلق فغنى ولحن أغلب أشكال الغناء الشعبي والعاطفى والوطنى، ومعظم ما غناه كان من ألحانه، لكنه تعاون مع الفنان رياض السنباطى الذى لحن له "هوه اليتيم يا زمان".
وبمناسبة شهر رمضان الذى انقضت أيامه، فعبد ىالعزيز محمود له أغنية من أعذب أغاني شهر رمضان، وهي مرحب شهر الصوم، وكتبها الشاعر محمد على أحمد، ولحنها وغناها عبد العزيز محمود، وتقول كلماتها "مرحب شهر الصوم مرحب لياليك عادت فى أمان.. بعد انتظارنا وشوقنا إليك جيت يا رمضان"، ففى عام 1966، ذهب الشاعر محمد على أحمد للإذاعة المصرية ليعرض كلمات أغنية "مرحب شهر الصوم" على الموسيقار محمد حسن الشجاعى، مراقب عام الموسيقى فى الإذاعة وقتها، فأعجبته الأغنية كثيرا، ووافق عليها، وعرضها على لجنة الاستماع لإجازة الأغنية، فوافقت عليها، ورشح الشجاعى عبد العزيز محمود ليغنيها، فقدمها لأول مرة سنة 1966، ومنذ ذلك الوقت وهى أغنية شهر رمضان التي لا يمر رمضان بدون أن نسمعها، ليعلن بها عبد العزيز محمود قدوم شهر رمضان قائلا: "لياليك محلاها يارمضان، ويامحلا بهاها يا رمضان.. بعد انتظارنا وشوقنا إليك، جيت يا رمضان". 
قدم عبد العزيز محمود أغنيته الشهيرة يا نجف بنور يا سيد العرسان، والتى صارت الأغنية الرسمية للأفراح المصرية، حتى أن الأفراح كانت مواعيدها تتحدد على مواعيد عبد العزيز محمود، خاصة بعد أن غناها في فيلم قلبى دليلى بطولة ليلى مراد وأنور وجدى، والتي يقول فيها عبد العزيز محمود بحس ساخر: "يا ناس قتيل الغرام، مقتول وساح دمه، يا حزن أهله عليه يا طول عياط أمه"، وطلبه أنور السادات لإحياء فرحه على جيهان بعدما طلبت أن يغنى مطرب يا نجف بنور فى فرحها، وأعادت الفنانة فاطمة عيد غناء الأغنية في ألبوم الزفة سنة 2000، فنالت بها شهرة واسعة للغاية، وأصبحت الأغنية الرسمية للأفراح وقتها. 
أول ظهور سينمائى لعبد العزيز محمود في في فيلم عريس الهنا فى 24 أبريل 1944، من تأليف وإخراج إبراهيم لاما وبطولة شقيقه بدر لاما، بدرية رأفت، بشارة واكيم، والفيلم من الأفلام المفقود، حيث ضاع تراث بدر لاما عندما شب حريق في استوديو لاما بحدائق القبة التهمت فيه النيران جميع المحتويات بما فى ذلك الأشرطة.
بعدها شارك في فيلم وحيدة مع نفس الكاست تقريبا، وهو أيضا مفقود، وفي سنة 1946 اختاره نيازى مصطفى للمشاركة في فيلم راوية بطولة كوكا ويحيى شاهين، وتأليف محمد كامل حسن، وظهر فيها كمطرب مع المطرب اللبنانى إيليا بيضا وشافية وقدم أغنية على عينى من ألحانه وكلمات بيرم التونسى، ثم جاءت تجربة قلبي دليلى مع أنور وجدى وليلى مراد، ثم عاد للتعاون مع كاست فيلم راوية في فيلم سلطانة الصحراء وشارك في الغناء مع محمد سليمان وشافية وموسى حلمى، وفيلم المنتقم مع صلاح أبو سيف وهنا ظهر اسمه ممثلا مع الممثلين لكنه مسبوق بكلمة مطرب، واستمرت الأعمال، حتى قدم فيلم منديل الحلو.
وفيلم منديل الحلو يحكى عن الأسطى عزوز "كارم محمود" والذي يعمل "جزمجي - صانع أحذية"، وقصة حبه لعزيزة "تحية كاريوكا"، كان الفيلم من إنتاج نحاس فيلم وإخراج وتأليف عباس كامل، وغنى فيه عبد العزيز محمود أغنية منديل الحلو، وجاء اسمه مع تحية كاريوكا في صدارة الفيلم، وقد لحن جميع أغانى الفيلم التي كتبها فتحي قورة وحسن توفيق، وهو ما يعكس شهرة عبد العزيز محمود حتى يتم إنتاج فيلم من بطولته. 
وفي فيلم لهاليبو إخراج حسين فوزى، يظهر عبد العزيز محمود في استعراض غريب وهو نائم على السرير وممسكا بالشيشة وهو يغنى "يا ألف ليلة وليلة يا جنة الموعود"، ثم شارك أنور وجدى ونور الهدى بطولة فيلم شباك حبيبى، وظهر ثالثا على الأفيش مع أنور وجدي ونور الهدى، وسبق اسمه اسم أنور وجدى، حيث جاء تتر الفيلم "نور الهدى وعبد العزيز محمود"، ثم يشترك في التمثيل أنور وجدى"، وهو ما يثبت أهمية وشهرة عبد العزيز فى ذلك الوقت، وقد غنى فى الفيلم أغنية شباك حبيبى يا خشب الورد.
ولعب عبد العزيز محمود دور الأسطي سلامة نجار باب وشباك، ويبدأ الفيلم وهو يغنى أغنية شباك حبيبي وهو يقوم بأعمال النجارة، ثم يصعد لمنزل نور الهدى لتركيب الشباك، فتشاركه نور الهدى الغناء
لكن أشهر أفلامه تاكسى الغرام وتم عرضه في 4 يناير 1954، من تأليف أبو السعود الإبياري وإخراج نيازى مصطفى وشاركته البطولة هدى سلطان، وقدما فيه استعراض تاكسي الغرام من كلمات الصحفي جليل البندارى وكان يعمل في الفيلم سائق تاكسى يتمنى أن يحترف الغناء، فيقابله عبد العزيز البهلوان مدير كازينو ويطلب منه احتراف الغناء، والفيلم من إنتاج عبد العزيز محمود نفسه الذي أسس شركة أفلام عبد العزيز محمود.
وقدم دور البطولة في فيلم علشان عيونك، والمقدر والمكتوب ولعب فيه دور طبيب أسنان، ويغازل الفيلم ثورة يوليو بشكل صريح، فقد تم إنتاجه بعد الثورة مباشرة وعُرض في سنة 1953، ويحكى عن موظف كبير فاسد تمت إقالته بعد ثورة يوليو، ليسعى لتعويض ما فقده من خلال تزويج ابنته من شخص ثرى، بينما هي مرتبطة بقصة حب مع الطبيب عبد المنعم "عبد العزيز محمود"، وهو من إنتاجه، وغنى لتحويل مصر لجمهورية أغنية "مصر صبحت جمهورية"، وللوحدة بين مصر وسوريا أغنية الوحدة باقية، كذلك غنى لحرب اليمن أغنيته الشهيرة أبطال الوطن.
وأنتج الريجسير قاسم وجدى له فيلم عروسة المولد عام 1954، وهو فيلم سابق عصره بكثير، ويُعتبر الفيلم من أفلام الخيال، إذ يُتخيل فيه تحول الدمى إلى كائنات حية، حيث تتحول عروستان من حلوى المولد لشخصيات حقيقية، ولعب دور  أبو الفوارس- سكر، وأغانى الفيلم من تأليف فتحي قورة، ومرسي جميل عزيز، وتلحين عبد العزيز محمود، وهو أخر ظهور سينمائي حقيقي لعبد العزيز محمود، حيث غاب عن السينما حتى ظهر في فيلم بياضة سنة 1981 من إخراج أحمد ثروت، وسبق اسمه بجملة ضيف الشرف الموسيقار عبد العزيز محمود، وغنى فى الفيلم أغنية على شوق الشوق.
وكانت نجاحات عبد العزيز محمود في السينما ونصيحة زوجته وراء تأسيس شركة إنتاج، فأسس عام 1951، شركة أفلام عبد العزيز محمود وأنتج من خلالها 4 أفلام، هي "خد الجميل"، و"مقدر ومكتوب، علشان عيونك، تاكسى الغرام.
الأفلام.
لُقب محمود بلقب شهريار الفن، حيث تزوج 5 مرات، ولكل زيجة قصة طويلة وكان العريس الوحيد في مصر الذي لا يقضي شهر العسل في سويسرا أو لبنان أو حتى فندق ميناهاوس وإنما في تخشيبات أقسام البوليس، فعندما يطلق زوجة من زوجاته فورا يتزوج بأخرى حتى تمسك القديمة فى خناقه، فتفسد عليه شهر العسل بشكواه في قسم البوليس، فيتحول من عريس إلى متهم.
ففي يوم الصباحية كان يتلقى استدعاء في قسم الشرطة، بحسب ما حكاه في حوار مع مجلة الكواكب سنة 1953، وتزوج محمود من نفوسة لكن بسبب شهرته طلقها وتزوج من برلنتى نجيب وطلقها بسرعة كما تزوجها بسرعة، وبعدها تزوج من اعتدال شاهين وهي فنانة مغمورة وشقيقة الفنانة فتحية شاهين، وتزوج عرفيًا بالممثلة فوزية إبراهيم وسافر معها للبنان، وهناك أحب راقصة لبنانية وتزوجها سرًا وعندما عاد للقاهرة أرسل لها ورقة طلاقها، وأنجب عبد العزيز محمود 7 أبناء هم : حشمت، ولاء، عزة، هدى، هشام، نهاد وهويدا، لكن ابنه هشام ينفى فكرة القبض عليه، ويقول إنها نكتة قالها والده للصحافة، فصدقها الناس.
وعانى عبد العزيز محمود من التجاهل والنسيان ورحل في 25 أغسطس 1991، تاركا لنا تاكسى الغرام ومنديل الحلو. 

Dr.Randa
Dr.Radwa