الأحد 19 مايو 2024

العمل والعمال فى شعر الطفولة والأطفال


محمود خليل

مقالات16-5-2023 | 19:19

محمود خليل

استغوى عالم الأزرار والأضواء والألوان والأهواء الكثرة الكاثرة من أبنائنا ، فاستنامت قدراتهم تحت غواية هذا الاستهواء المعلوماتى الساحر

ما زالت تجرى على ألسنتنا حلاوة الأناشيد و الأغاريد التي حفظناها صغارا، وتمثلنا معانيها كبارا، وكانت جزءا أساسيا في بنائنا وتكويننا وتوجيهنا

تغنى الشعراء بالعمل والعمال ، وقيمه من أمانة وإحسان وإتقان، وبذل للعرق، ومراعاة  للصدق والوفاء ، والإجادة والأمانة.

 

إن ثقافة الأطفال فى كل جيل إنما هى الانعكاس الطبيعى لثقافة هذا المجتمع الذى يعيشون فيه باعتبارهم زرعه و غراسه،  وباعتبار هذا المجتمع وتلك البيئة هى الأساس الأول فى بناء وتكوين هؤلاء الأطفال، وهى الورد المورود لهم،   ولتنشئتهم وتنميتهم، حيث  يعتبر هؤلاء الأطفال هم النسق الأصغر ضمن النسق المجتمعى الأكبر ،"والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذى خبث لا يخرج إلا نكدا "(الأعراف٥٧)

ومع الثورة الإلكترونية، والفيض المعرفى، والطوفان المعلوماتى الذى يجتاح العالم، وفى القلب منه الأطفال، أضحى من الصعوبة البالغة، حياطة هؤلاء الأطفال وصيانة شخصياتهم، والحفاظ على مقوماتهم الشخصية، والصمود أمام هذا الموج المتلاطم من التحديات والأخطار..

ذلك  أن عالم الأزرار والأضواء والألوان والأهواء قد استغوى الكثرة الكاثرة من أبنائنا، فاستنامت قدراتهم تحت غواية هذا الاستهواء المعلوماتى الساحر، الذى يقدم للطفل ما يغريه ويمتعه، لا ما يبنيه و ينفعه

 ولعل الضرر الأكبر والأخطر في هذا الطوفان  هو ذلك الاجتياح المهلك، الذى تولد عنه الاستهتار بالعمل كقيمة ،  وبقيم العمل كمرجعية، وبأهمية العمل كضرورة،  وبشرف العمل كحضارة، 

وذلك لأن هذا العالم المبهر، بما فيه من متعة وروعة وبهجة، قد أضحى ألعوبة شيقة تحت أصابع الطفل المستلب،  بكل عوامل ونوازع الاستهواء التى لا ترحم، والتى تغتال في أبنائنا طفولتهم، وما يتبعها من بناء دينى،  وبدنى وعقلى ووجدانى ومعرفى وأسرى ومجتمعى، وما وراءه من سلوك فاعل حى بناء.

تجارب وخبرات

 

ولعل التجارب الواقعية، والبحوث الميدانية، والدراسات العلمية، تقول بآلاف الأضرار والأخطار، التى تصطرع على اجتياح وتفتيت، بل ومحو هذه الشخصية المنشودة لأبنائنا.

مما يستوجب وقفة حاسمة، لتدارك الأمر قد الطاقة ٠٠قبل فوات الأوان ، والندم والتحسر علي ماكان.

ولم يعد أمامنا - كآباء ومربين - إلاّ… رماد المعركة ، لنبحث خلاله آثار هذا الاجتياح، الذى تم فى بغتة من الوقت والوعى٠

 ولكن حصاد الهشيم الذي نعانيه، لا يمنع أن نبدأ الطريق،  وأن نصحح المسار، وأن ندرك ما يجب إدراكه ٠٠ والغاية الواحدة ، توحد السائرين ، مما يستوجب استنفار الجهات والمؤسسات الحكومية، ومؤسسات التربية والتعليم، والتدريب والتوجيه، وكل الجهات المعنية بالطفولة والأطفال، وتربيتهم وتثقيفهم وإعلامهم، وبناء مهاراتهم، إلى خوض حرب استرداد لاستنقاذ الأطفال من هذا السيل العارم، الذي بدّلهم  بجنتيهم  جنتين ، ذواتى أكل خمط وأثل، وشىء من سدر قليل.

 ولعلنا ٠٠٠ ما زالت تجرى على ألسنتنا حلاوة الأناشيد و الأغاريد التي حفظناها صغارا ، وتمثلنا معانيها كبارا ، وكانت جزءا أساسيا في بنائنا وتكويننا وتوجيهنا، وتعزيز سلوكياتنا.

 حفظنا ذلك، و مارسناه في المزارع والمصانع ، والأنشطة التجارية ، والمهن والحرف والصنائع ٠٠كل حسب مجاله

 ومن منا لم يحفظ ما رددناه صغارا للشاعر الكبير محمد الهراوى:

 أنا فى الصبح تلميذ   وبعد ظهر نجار

 ولي قلم وقرطاس.  وإزميل  ومنشار

  فما في صنعه عيب

  وما في مهنة عار       فللعلماء   منزلة    وللصناع  مقدار

 ومن منا لم يردد مع  الرائد العربى لأدب الأطفال،  كامل كيلانى، وهو يتغنى بما تتغنى به النحلة العاملة:

أنفع الناس وحسبى، وأننى أحيا  لأنفع 

أنفع الناس ومالى 

غير نفع الناس مطمع

 

          مع العامل والفلاح

 

وما أجمل نداء أمير الشعراء أحمد شوقيى وهو يذكر بقيم العمل ، مستنفرا مفاخرا بالعمال ،  أصحاب الأيادي المعروقة، والأبدان الممشوقة، يذكرهم بما يعملون وما يصنعون، وما يرعون من أمانات، وما يؤكدون من إخلاص، ويرسخون من إتقان وإحسان ، فيقول:

أيها العمال أفنوا  

العمر كدّا و اكتسابا 

واعمروا الأرض فلولا سعيكم أمست يبابا 

 إن لي نصحا إليكم

 إن أذنتم وعتابا 

إن للمتقن عند 

الله والناس ثوابا 

أتقنوا يحببكم الله ويرفعكم جنابا  

واطلبوا الحق برفق واجعلوا الواجب دابا واستقيموا يفتح الله 

 لكم بابا فبابا

 ولم يغفل أمير الشعراء، وهو يحفز هؤلاء العمال، أن يؤكد على صحة العامل، وضرورة قيامه بأداء واجبه، قبل طلب حقوقه، وأن يرعى الأمانة فإنها سر التفوق ومدار الإحسان.

ومن المعروف أن الأنشودة والأغنية، كما ثبت بالتجربة، تثير الطفل، وتستنهض همته،  وتوقظ مشاعره وتثير عواطفه، إلى حد بعيد، وتجعل منه شخصا اجتماعيا حيويا فاعلا ، كما تنمي قدراته الخاصة بالتعبير والإلقاء والطلاقة، والفصاحة والتمثيل، والانتقال من القبيح إلى الجميل٠٠٠ مما يقوي عزيمته، ويغير من بنائه الشخصى،  ويؤصل لديه قيم الحق والخير والعمل، والولاء والانتماء، وينأى به عن البلادة والبطالة والعطالة، ويدفع به إلى أن يكون خلية حية، فى نسيج اجتماعى حى صحى صحيح.

 وتتشكل التنشئة الاجتماعية للطفل من مجموعة العناصر الداخلة في تكوينه وتربيته وتثقيفه، من أسرة وإعلام ودور ثقافة، وأندية رياضية، و موروثات بيئية، بما يكفل له تأسيسا سويا وبناء قيميا،  يدفع به نحو نمو صحيح ومتسق أخلاقيا وبدنيا،٠٠٠ فإن الوطن الصالح ، يبدأ بالطفل الصالح 

لذلك كثيرا ما يتمثل الآباء والمربون، والشعراء والأدباء والمفكرون، المعنيون بتنشئة الأطفال وتربيتهم٠٠٠ بالنحلة والنملة، و يتغنون مع العامل والفلاح والصانع والزارع والتلميذ والمهندس ٠٠ والبحار والطيار والجندى والقائد ، والأب والأم، والأجداد والأحفاد ٠٠ويتفكرون في السماوات والأرض، والخلق والزرع ،والتكوين، والجبال والصخور والأنهار والبحار، والطيور والحيوانات، والأزهار والأشجار.

 كل ذلك يجعل الطفل متوائما متسقا مع بيئته ، وأن يكون جملة صحيحة، فى بناء كونى صحيح.

 لذلك فإن شعراء وأدباء الأطفال ، قد عنوا جميعا، وأنشدوا جميعا، للعامل والفلاح، والطالب والمعلم، والتاجر والصانع٠٠٠ وغردوا للأب والأم، والجد والجدة، والطفل والأسرة، والعم والخال، والعمة والخالة، والجار والمجتمع، والأمة. ، وأكدوا على حقوق الطريق والبيت، ودار العبادة، والمعهد والمدرسة، والمعلم والكتاب، والقلم والقرطاس، والمحبرة والحقيبة، والسبورة  والطبشورة ٠٠وأشادوا بالوسائل التعليمية ، من خرائط وخطوط، وملاعب ومعامل، ومراسم ومكتبات، وتناولوا قيم المجتمع المحيط، من آداب السير وإشارات المرور،  وحق الطريق ومراعاة واجبات النظافة والنظام، وعدم الضوضاء ورعاية الحدائق العامة، وأماكن التنزه، ومراعاة السلوك الشخصي من غسل اليدين والقدمين، ونظافة الملبس والهندام، ورعاية حقوق الوالدين ومساعدة الضعيف، والمحتاج والاقتصاد و التوفير والتدبير، والمذاكرة والجد والنشاط، والتفوق والوطنية، والصدق والأمانة.

 

 وتمثلوا لكل ذلك بالنماذج المجتمعية التى يراها الطفل ويعاملها، من الفلاح في حقله،  والمعلم فى مدرسته، والتلميذ في صفه ، والعامل فى مصنعه، والخبير فى معمله، والأستاذ فى جامعته وهكذا.

  يقول الدكتور محمد محمود رضوان فى شأن الفلاح:

 إحمل  الفأس  وهيا

 نزرع الأرض سويا

سوف أجنى بيديا

ثمرا منها شهيا 

أحمل الفأس وهيا

  ****

 في غد تزهو الحقول 

ذاك قمح  ذاك فول 

كل ما فيها جميل 

سوف ينمو ويطول 

إحمل الفأس وهيا

  ****

 أيها  الفلاح   صبرا 

قد ملأت الأرض تبرا

 لا تقل لم أجز خيرا 

إن عند الله أجرا

 إحمل الفأس وهيا

  ****

 كما تقول نوال مهنى:

هنا زرعى ومحصولى

هنا قمحى هنا فولى 

وأرض الحقل أحميها 

وأحرسها وأرويها 

ومنها ينثر الحب 

فيكسو وجهها عشب 

بها مرعى لأغنامى

وأبقارى   وأنعامى

 ومن إنتاجها زادى 

تجود برزق أولادى

 

 ويتغنى أحمد زرزور قائلا:

 ما أجمل النهار  

 يفوح بالعبير

 وصاحبى الفلاح

 يجد في المسير

 ليزرع الحقول

   بالكد والعمل

 فى قلبه الرجاء

 فى عينه الأمل 

 

 كما يقول الهر اوى، رائد شعر الطفولة والأطفال:

أنا الفلاح فى أرضى 

أراعيها كما عرضى 

وأحرسها وأزرعها

 أغذيها صدى نبضى

 

 وكم تغنى هؤلاء وغيرهم، بالعمل والعمال، وقيمه من أمانة وإحسان وإتقان، وبذل للعرق، ومراعاة  للصدق والوفاء، والإجادة والأمانة .

 ٠٠يقول يحيى بشير حاج يحيى:

بسواعدنا   و بهمتنا  

نسعى لجمال مدينتنا 

فننظفها من أقذار 

 ونزينها بالأزهار

لا أرمى شيئا في الطرق 

حتى لو كان من الورق

 

ويقول محمود مفلح: 

إني أعددتك يا ولدى     للمجد التالد   للقمم ونذرتك يا ولدى شبلا مفتول الساعد  فاقتحم

 ياولدى أنت الراية فى  مضمار الحق فلا تنم

 الأقصى دنسه الأعداء  وعاث يهود فى الحرم

 

كما يقول مرسى جميل عزيز:

 بلدى أحببتك يا بلدى 

حبا فى الله وللأبد 

فثراك الحر تراب أبى 

وسماك يزف صبا ولدى

 بلدى أحببتك يا بلدى

 

و مع العمل والعمال ٠٠٠يتغنى أحمد زرزور أيضا ، فيقول:

العامل الخبير  

 دستوره العمل 

  مثابر صبور 

 لا يعرف الكسل

 إنتاجه وفير 

 حيوه ياصحاب 

من يبذل الكثير

 لا يعرف الصعاب

وكذلك تغنى كاتب هذه السطور، بالتجار وما يلزمهم من قيم البيع والشراء، وأخلاقيات الأسواق والمتاجر، فيقول:

سمح فى بيعى وشرائى

سمح فى حكمى وقضائى

سمح في أخذى لحقوقى

سمح فى ردى وعطائى

      ****

إن الانسان لفى خسر

إن صار رفيقا للعسر

فاأمر بالعرف وخذ عفوا

وافتح أبوابك لليسر

     *****

كن فى بيعك سمح الخلق

ووفيا ينطق بالصدق

لاتحلف كذبا ومراء

مهما لاقيت من الخلق

 

قيم وشيم

 واعتقد أنه ما من شاعر أطفال، إلا  وأنشد وغرد، حول قيم العمل والعمال التي بها يكون المجتمع وبدونها لا أيكون أبدا.

وتمثل لذلك بالنحلة والنملة، لحث الطفل على السعى والتعاون، والإدخار والجد والعمل، وبناء سيكولوجية لعب الدور 

 تقول نوال مهنى:

    النحلة الذكية 

  في داخل الخلية 

مخلوقة عجيبة 

 في طبعها غريبة

 تسعى إلى الحقول

  في رحلة تطول

 لا تخطئ الطريق

 كي ترشف الرحيق

 تختار خير عود

 من أجمل الورود

 إن راقها العبير

 أو عبّت الكثير 

عادت على عجل

  كي تنتج العسل 

ما أحسن الشراب

 بشهده المذاب 

ألوانه العديدة 

 في أكلها مفيدة 

جادت بهاغذاء 

 للناس بل شفاء 

الله قد حباها 

 بالخير إذ هداها 

 

كما يروى الدكتور محمد محمد الغرباوى، عدة قصص شعرية للأطفال، عبارة عن أسئلة يطرحها الأولاد ، ثم يجيب عليها الوالد.

 منها ما جاء حول النحلة، حيث تسأل الابنة (زينب ) فيجيب (الوالد ) ٠٠ثم تنتهى القصة إلى قوله: 

 شرح الوالد ما يعرفه 

عن هذا المخلوق وعسله

 فيه نشاط، جد عجيب 

لم نسمع يوما عن كسله 

 

وكذلك دارت قيم ومبادئ شعراء وأدباء الأطفال، حول العلم وما يستتبعه من مبادئ وقيم، وحراسة ورعاية، من أول تعلم أحرف الهجاء حتى الكمبيوتر، من أول ألف باء، يعنى أب، حتى نجد الشاعر الكبير أحمد سويلم فى ديوانه الصغير لرياض الأطفال، يحدثهم عن الكمبيوتر فيقول:

 العلم بحر واسع 

 وكله منافع 

أعرف  بالأزرار

 ما غاب من أسرار

 وأحسن الأرقام 

في دقة الأحكام

 ولن يكون فى غدى

 صعب بعينى ويدى

 

ومع العمل والحث عليه، لم يغب عن هؤلاء الشعراء،ضرورة استصحاب النية، فإنما الأعمال بالنيات، وإنما السائرون، امرئ مانوى.

 

يقول كاتب هذه السطور:

في سبيل الله نمضى

 في سبيل الله نعمل

من سوى الرحمن يرضى

 من سوى الرحمن يقبل

 

 كما نبه هؤلاء الشعراء  أبناءنا الأحباب، على رعاية الأزهار، وزراعة الأشجار، وحماية النباتات والثمار.

 يقول عبد المنعم عواد يوسف:

 هيا هيا يا أطفال 

هيا يا أمل الأجيال

 نغرس غرسة  

  تصبح شجرة

    بعد قليل

   تزهو الثمرة

 ومدينتنا تصبح أجمل 

وحضارتنا تغدو أكمل

 

 وهكذا تتأكد قيم العمل والعمال، وأخلاقيات المهن والصنائع، فى نفوس الأطفال، وانتشالهم من واقعهم الافتراضى الفضى الساحر المتغول،إلي الحركة والنشاط والعمل، والإسهام الحى الواعى، في بناء الفرد والأسرة والمجتمع.