الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

مقالات

الحركات العمالية والاهتمام بإدارة المورد البشري


  • 16-5-2023 | 22:04

ياسر شحاتة

طباعة
  • ياسر شحاتة

تشهد حضارة قدماء المصريين على تطور إدارة العاملين في مصر وعلى الاهتمام بتنظيم العلاقة بين أصحاب الأعمال والعاملين

ظهر الاحتياج لممارسات إدارة الموارد البشرية في العالم كتطور لإدارة العاملين حينما بدأت علاقات العمل بين أصحاب الأعمال والعمال في التعقيد

 

يعتبر العامل المصري أساس التنمية المستدامة، حيث يمثل أهم قلاع البناء والتنمية فهو الكنز الحقيقي والمحرك الرئيس للتنمية، ويتم من خلاله الانطلاق لحياة جديدة لمستقبل أفضل، حيث تشكل ثقافة العمل والإنتاج جزء أصيل في فكره ووجدانه. من هذا المنطلق يأتي الاهتمام بالعمال وتطبيق سياسة العدالة الاجتماعية والتي تساهم بدورها في زيادة الإنتاج، وأن الاحتفال بعيد العمال هو رمز لكفاح الحركة العمالية، ولا سيما أن الحركة العمالية في مصر كانت ولا تزال مساندة للدولة بشكل دائم، ولقد وثَّقت الكثير من الروايات دور العمال في نهضة المجتمعات فنجد من أشهر الروايات في الأدب الروسي رواية "الأم"، والتي تناول فيها مكسيم غوركي دور العمال في الثورة البلشفية وكفاحهم، ورواية "عمال البحر" للروائي فيكتور هوجو، ورواية "جرمينال" للروائي إيميل زولا، ورواية "الأرض" لعبدالرحمن الشرقاوي، ورواية "الوسية" للدكتور خليل حسن خليل، والعديد من الروايات التي أظهرت دور العمال في تاريخ الأمم. 

 

مما لاشك فيه أن اختيار أدوات وطرق إدارة العمال، ووجود فكر يوجههم يؤدي ذلك إلى رفع كفاءتهم، فظهر الاحتياج لممارسات إدارة الموارد البشرية في العالم كتطور لإدارة العاملين حينما بدأت علاقات العمل بين أصحاب الأعمال والعمال في التعقيد، وظهر ذلك بشكل واضح منذ الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر بالمجتمع الغربي، وكان أهم ما يميزها ظهور الآلات والمصانع الكبيرة واحتياجها إلى عمالة متخصصة، كما أدى ذلك إلى سوء ظروف العمل، وقصور في الاهتمام بالعاملين، لذلك تطلب الاحتياج إلى ضرورة تحسين ظروف العاملين. وعليه، كان على العمال أن يتحدوا في مواجهة أصحاب الأعمال، وظهر ذلك في شكل انتفاضات عشوائية، ثم إضرابات مُنظمة، ثم انقلبت إلى تكوين اتحادات ونقابات تطالب بحقوقهم وتتفاوض باسمهم، وساعد في ذلك ظهور الإدارة العلمية والتي حاولت تنظيم العلاقة بين الإدارة والعمال عبر تصميم العمل وفق قواعد دراسات "الحركة والوقت"، والاختيار الجيد للعاملين وتدريبهم وإعطائهم أجور حافــزة. وبعد ذلك جاء اهتمام علماء النفس بدراسة بعض الظواهر مثل الإجهاد والإصابات، وكان أهم ما ركزوا عليه تحليل العمل لمعرفة المتطلبات الذهنية والجسمانية للقيام به. وأظهروا نجاحاً كبيراً في الشركات التي استخدمت أساليب تحليل العمل والاختبارات النفسية. وجاءت حركة العلاقات الإنسانية والتي ركزت على ضرورة الاهتمام بالعاملين بجانب ظروف العمل والنمط الإشرافي والخدمات المقدمة إليهم. ثم البدء في ظهور ممارسات إدارة الأفراد وكانت أولى المنظمات أخذت بمفاهيم الإدارة العلمية وعلم النفس الصناعي والعلاقات الإنسانية هي منظمات الجيش والحكومة، وظهرت حركة العلوم السلوكية والتي ركزت على عملية تطوير ممارسات العاملين فكان تخطيط المسار الوظيفي للعاملين، وكان لتدخل الدول دوراً مهماً عبر التشريعات التي ركزت على الحد الأدنى للأجور، والتأمينات، والمعاشات، والأمن الصناعي، وسلامة وصحة العاملين. 

 

وأما عن تطور إدارة العاملين في مصر فتشهد حضارة قدماء المصريين، وكل الحضارات على وجود اهتمام بتنظيم العلاقة بين أصحاب الأعمال والعاملين، ولقد استقر الأمر بعد ذلك في نظام الطوائف، وكان للطائفة شيخ يفصل في المشاكل التي تنشأ في المهن بين أصحاب الأعمال وبين العاملين. وبدأ يظهر الانفصال واضحاً بين فئة أصحاب الأعمال والعمال، ومع ازدياد أرباح أصحاب الأعمال، وانخفاض أجور العاملين ووجود أعمال إشرافية كان يشغلها فئات غير عمالية بدأت العلاقة تأخذ شكل المواجهة، وبعد ذلك ظهرت أولى المواجهات الحادة في أواخر القرن التاسع عشر، ومن أشهرها إضراب عمال السجائر، وعمال الفحم بجمرك الإسكندرية، وعمال ترام الإسكندرية وعمال شركة الغزل الأهلية وعمال الطباعة، والتي كان من نتيجتها ظهور أولى نقابات للعمال في بعض الصناعات. وأثناء الحرب العالمية الأولى تعطلت الحركة النقابية بإعلان الأحكام العرفية وبعد الحرب ظهرت صناعات أخرى جديدة ونقابات أخرى جديدة، وباندلاع ثورة 1919 شجعت ذلك الإضرابات العمالية وأصدرت الدولة قانون لجان التحكيم، وذلك للتحقيق في الشكاوى بين العمال وأصحاب الأعمال ولقد ساعد ذلك على تنظيم ساعات العمل والأجور والإجازات. وظهر أول قانون للعمل في عام 1929 الذي نظم طبيعة التعاقد بين صاحب العمل والعمال، والأجور والإجازات وتعويض إصابات العمل والصحة والأمن الصناعي، وساهم هذا القانون في وضع أولى أسس إدارة الأفراد الحديثة. ومع زيادة حدة المنازعات العمالية في الثلاثينيات وكبر حجم المصانع والشركات والمصالح الحكومية بدأ التفكير في هذه المنظمات في ضرورة إنشاء وحدات تنظيمية مستقلة. وفي حقبة الأربعينيات والخمسينيات شهدت مصر تطوراً واضحاً في إدارة العاملين، وتشهد على ذلك الممارسات الحديثة التي بدأت تظهر في المنظمات وفي قوانين العمل والخدمة المدنية، حيث نجد أن بعد تطبيق قوانين التأمينات في عام 1961، كسب العاملين حماية أكبر في مجالات التأمينات والمعاشات. 

 

وعلي ضوء ما تقدم رأينا تأثير مشكلات العاملين والتي تؤثر على الحالة النفسية لديهم، ومن ثم تؤثر سلباً على الأداء الوظيفي، فعلينا توفير بيئة تليق بهم واتباع ممارسات من شأنها الحفاظ عليهم من خلال وسائل السلامة والصحة المهنية لكي نستطيع الحفاظ على العمال وتنمية قدراتهم لتحقيق التنمية الحقيقية على أرض مصرنا الحبيبة. 

 

وأخيراً تحية إعزاز وتقدير للعمال المصريين الذين يمثلون بحق أهم قلاع التنمية. 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة