السبت 18 مايو 2024

حمدى رزق يكتب : البابا وحراس العقيدة .. الصراع المكتوم فى الكنيسة الأرثوذكسية

19-9-2017 | 16:55

 

الشعار المرفوع الآن فى الكنيسة الأرثوذكسية «عاوزين نفهم»، البابا قرر إزالة اللبس والغموض، وشرح ما استغلق، والحديث مباشرة إلى شباب الكنيسة الغاضبين قبل الطائعين، والناقدين قبل المؤيدين، حديث مباشر،  من القلب للقلب.

المبادرة كما قال لى مصدر كنسى من بنات أفكار البابا تواضروس نفسه، وطلبها، وحرص عليها، البابا لمس غضبا مكتوما، وفهما معكوسا، وخشى أن تختطف الذئاب من الكنيسة شبابها، هناك غصة فى حلوق كثير من شباب شعب الكنيسة.

البابا مد جسور الحوار فى توقيت جد عصيب على الكنيسة والوطن، حوارات الكنيسة الشبابية يقينا صدى لحوارات الرئاسة الشبابية، الانفتاح على الشباب رئاسيا وكنسيا طريق الوطن إلى النجاة، والكنيسة فى قلب الوطن، وشباب الكنيسة من شباب الوطن، والوطن إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.

صدى حوارات البابا «عاوزين نفهم» أثمرت مبادرة شبابية عنونت فعالياتها الإلكترونية فى صفحة فيسبوكية بعنوان «البابا الإصلاحي.. البابا المحب» تهدف إلى توعية الشعب القبطى بدور البابا تواضروس الثانى الإيجابى فى رعاية الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والتركيز على إنجازاته أثناء توليه رعاية الكنيسة منذ ٥ سنوات، معلوم غالبية الشباب المشاركين فى تدشين مبادرة «البابا الإصلاحى» هم من الذين التقاهم الفترة الأخيرة، الحوار العقلى اقرب الطرق إلى القلوب.

مبادرة «البابا الإصلاحي» ترسم صورة واقعية لبابا الكنيسة المصرية وترد عنه والكنيسة غائلة الرافضين، وتستعد لإطلاق كتاب بعنوان «البابا الإصلاحي» لتوزيعه على كافة الكنائس فى مصر، وذلك لإبراز دوره الإيجابى فى رعاية الكنيسة خلال خمس سنوات على جلوسه على كرسى مار مرقس العظيم.

مبادرة البابا للحوار الشبابى تحت عنوان «عايزين نفهم» هى المرحلة الثالثة من لقاءات البابا مع الشباب، وجاءت نتيجة طلب الشباب أنفسهم من خلال رسائل إلكترونية، لقاء البابا والتحاور معه حول مشكلات الكنيسة ومستقبلها فى لقاءات مفتوحة، واستجاب البابا بالفعل لهذه الطلبات بتخصيص ثلاث ساعات للقاءات مع مجموعة من الشباب يتم اختيارهم عن طريق الأساقفة والكهنة بكل منطقة، ويتم اللقاء فى المقر البابوى بالعباسية نتيجة للظروف الأمنية الحالية.

اللقاء يبدأ عادة بكلمة قصيرة من البابا تتضمن الترحاب وعظة روحية، ثم يبدأ لقاء مفتوح يطرح فيه الشباب أسئلتهم واقتراحاتهم فى مختلف المجالات، ويهدف البابا من خلال لقاءات «عايزين نفهم» تحقيق ثلاث وسائل إيجابية لها: التواصل والمشاركة، الثقافة والتحصيل بالرد على الأسئلة، تأكيد أهمية ترابط الكنيسة مع الشباب.

وقد تم تسجيل هذه اللقاءات بحيث يتاح بثها عن طريق القنوات الفضائية المسيحية لتعميم الفائدة، وقال مصدر كنسى إن تلك اللقاءات تعد تحديثًا للقاءات الباباوية التى تمت من قبل تحت عنوان «البابا وأسئلة الشعب» حيث يغلب عليها طرح الأسئلة وتلقى الإجابات.

وحسب موقع «مبتدا» فإن حوارات «عايزين نفهم».. ثالث طرق البابا تواضروس للتواصل مع شباب الكنيسة، بدأ ذلك بلقاءات «البابا وأسئلة الشعب»، التى تم تفعيلها فى عام ٢٠١٤، وحرصا من قداسة البابا تواضروس الثانى على التواصل الدائم مع الشعب القبطى عموما ومع الشباب خصوصا، ودعا المركز الإعلامى القبطى الأرثوذكسى جميع الشباب القبطى فى مصر والعالم بالمشاركة فى إرسال أسئلة التى تشغل أذهانهم حول القضايا المهمة فى المجال الكنسى والرعوى واستجاب الشباب، وتم حصر الأسئلة التى تعدت ١٠٩٣ سؤالا فى ثلاثة أيام وطرحها على قداسة البابا فى حوار مجمع بين القنوات الفضائية المسيحية، وقد شهدت اللقاءات حضور شباب من مختلف المحافظات والمراكز، مثل الإسكندرية وسوهاج والقوصية وديروط وأسوان والمنيا وغيرها. 

أما الشكل الثانى من اللقاءات مع الشباب فاهتم خصيصا بمعلمى التربية الكنسية وذلك من خلال إطلاق الكنيسة للمشروع التعليمى التدريبى «تراث كنيستنا الحى .. روح وحياة»، تحت شعار «جَدِّدْ أَيَّامَنَا كَالْقَدِيم»، فى بيت «مارى لاند» بمدينة الشروق، واستهدف المشروع تدريب ألف معلم كنسى بكل إيبارشية أى محافظة لبَثْ الروح الكنسية فى التعليم داخل الكنيسة بشكل أكثر عمقا، تحت إشراف البابا تواضروس الثانى.

وقد شاركت العديد من الإيبارشيات فى هذا التدريب الذى بدأ فى ٢٠١٦ وما زال مستمرا، ويتضمن مناقشات فى الكتاب المقدس والصلوات والطقوس وكتب الكنيسة واللغة القبطية وغيرها، فى شبرا وحدها تم تدريب ٣٠٠٠ شاب فى هذه اللقاءات ونحو ١٠٠٠ شاب وشابة فى مدن القناة ومثلهم فى صنبو وديروط. 

العطفة البابوية على شباب الكنيسة ضرورة حتمية، فالبابا تعرض خلال العام الأخير لحملة جد عاتية، نالت من قدسه، وعارضته بقسوة، ولومته كثيرا، ونفر من المارقين تعرض للبابا فى شخصه، ووجه إليه ما لا يستحب، ولم يغضب البابا، ولم يتبرم، ولم يشكُ، ولكنه استوعب الغضبة التى استغلها منابر وكيانات وشخصيات كنسية تضررت من حضور البابا داخليا وخارجيا ، وفى هذا يقال الكثير.

وفى جلسات الحوار الثلاث الماضية قيل الكثير وتمحورت الأسئلة التى أخذت سمة الأدب والاحترام فى حضرة البابا وفى قلب الكنيسة عن اتهامات ثلاثة أساسية .. وحزمة من المقولات التى لا أصل لها ولا فصل، من قبيل الدعايات الفاسدة والحرب النفسية التى تشنها منابر قبطية خارجية وداخلية موتورة من البابا.

 (١) 

أيُلام البابا تواضروس على علاقته الحسنى بالرئيس؟.

ليس سرا أن البابا يحب الرئيس فعلا، وفى جلساته الخاصة يقول إنه رجل أفعال، ويحمل له تقديرا، دوما يذكر بأن الرئيس شال كفنه وعمل ٣٠ يونيو، امتنان البابا وطنيا مصريا خالصا وليس مسيحيا طائفيا، يقول فى خاصته: «الواحد حس أن البلد بتضيع والسيسى جه أنقذ البلد».

وعلى سبيل الامتنان، فى ٢٣ مايو الماضى كرمت الكنيسة الروسية، البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، ومنحته جائزة «المؤسسة الدولية لوحدة الأمم المسيحية الأرثوذكسية» بروسيا لعام ٢٠١٦، تقديرا لنشاطه المتميز فى تعزيز وحدة الشعوب المسيحية الأرثوذكسية، وفقًا لما ذكرته المؤسسة فى حيثيات منحها للجائزة.

ومن موسكو أعلن البابا تبرعه بجائزة روسيا لبناء كنيسة ومسجد فى العاصمة الإدارية الجديدة دعما للمشروع القومى الكبير، وتثمينا لمبادرة الرئيس التى أعلن عنها فى احتفالية عيد الميلاد الماضى بإنشاء أكبر كنيسة وأكبر مسجد فى العاصمة الإدارية الجديدة.

وعندما أخبره بطريرك روسيا أن الرئيس فلاديمير بوتين سيلتقيه مرحبا، اتصل بالرئاسة فى مصر ليعلمهم، لما جلس مع بوتين تكلم عن مصر الحبيبة ورئيسها المحبوب ونقل إلى بوتين تحيات الرئيس السيسى، البابا يحترم بروتوكولات الدولة المصرية، فضلا عن فائق احترام شخصى للرئيس.

هناك من يلوم البابا على المساندة اللامحدودة من الكنيسة للدولة، وتماهيها مع نظام الحكم فى ظل أحداث طائفية تجرى هنا وهناك، ويصورون الدولة فيها صامتة أو مترددة أو عاجزة عن حماية الأقباط، ويتناسون عمدا ما يحمله البابا من تقدير للرئيس، ولا يحيد عنه خطا مستقيما، ما يعتقده البابا عن حق أن العلاقة بين الرئيس عبدالفتاح السيسى والشعب القبطى فى مصر حالة حب تستأهل التوقف احتراما والتبين منهجا. 

توقفاً أمام الاستقبال الرائع للرئيس بالورد والفل فى قداس عيد الميلاد المجيد، وتبيناً لإصرار الرئيس على تهنئة الأقباط سنوياً بزيارة رئاسية للبطريريكية فى عيد الميلاد المجيد، زيارة تكررت ثلاث مرات فى ثلاثة أعياد مرت على الرئيس فى سدة الحكم، ولم يفعلها سلفه الإخوانجى مرة واحدة، ولم يقدم عليها أى من رؤساء مصر المحروسة (إلا خالد الذكر جمال عبدالناصر يوم وضع حجر الأساس لبناء بطريركية العباسية)، وحرمها رئيس الإخوان على نفسه وأهله اتساقاً مع موقف معلن ومعلوم من الأقباط، يكرهونهم كراهية التحريم.

ويوم زارهم السيسى فى أول عيد ميلاد من رئاسته، كان فرحاً عظيماً، لم يتردد الرئيس فى الزيارة، ودخل على الأقباط كأب وكأخ وابن بهدية عيد الميلاد، زيارة بمثابة هدية، كانت زيارة مفاجئة سارة للأقباط وعموم الشعب المصرى إلا الإخوان والسلفيين والتابعين، الذين طفقوا يفتون بحرمة الزيارة وكراهية التهنئة ويسندونها إلى أراجيف لا ترقى لمستوى الثابت والمعلوم من الدين بالضرورة، ولا وصايا الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم السلام، وسابقاَ أحاطوا الكاتدرائية المرقسية بالعباسية بسياج من كراهيتهم، ولكن الرئيس تخطاهم وتجاوزهم وألقى بهم خلف ظهره، وكان ظهوره ساطعاً منيراً لقلوب الأقباط، وهتفوا بنحبك ياريس، ورد التحية بأحسن منها.

وقيل لن يفعلها ثانية، وقيل إنه كان يروم شعبية، وقيل إنه سيخضع لغلاة السلفيين، وقيل وقيل وقيل حتى سقط بعض إخوتنا الأقباط فى الفخ المنصوب، وقالوا قولة المرجفين «لن يكررها» ، زيارة وعدت، ولن يذهب، وذهب ثانية، ويومها بادر إخوة الوطن باعتذار مهذب عن تأخير ترميم وإعمار الكنائس التى حرقها وخربها الإخوان، ووعدهم خيرا فى عيد الميلاد المقبل، وتهللت أسارير الأقباط، أول رئيس مصرى يعتذر للشعب القبطى، إحساس عالٍ بالفخار وتجسيد المواطنة.

والبابا متيقن من ضراوة الحرب على فصم هذه العلاقة الطيبة، ورغم التحليلات الوهمية التى تطوعت بها منابر دولية مدفوعة إخوانياً للتنبيط على تضعضع العلاقة بين الكنيسة والرئاسة، وأن ربيع العلاقة ولى، وأن صقيعاً قاهرياً يغشاها، وافتكاس أسباب وهمية لنهاية شهر العسل بين السيسى والأقباط، يبقى السؤال: أى شهر عسل هذا الذى يطول ثلاث سنوات!!. 

وتدخل المحاولة على خط الضغوط الأمريكية، التى تبناها نفر من أعضاء الكونجرس بمشروع قانون لحث الحكومة المصرية على ترميم وإعمار الكنائس التى أحرقها الإخوان والتابعون عقب فض رابعة والنهضة، وكلها بنيت وعمرت على خلاف واقع لا يراه هؤلاء المرجفين؛ لأن مابين السيسى والأقباط حالة قلبية، معلوم عجائز الأقباط يدعون للرئيس فى قعور بيوتهم.

الأقباط المصريون جد لا يشكون لحظة أن الرئيس السيسى كان منقذاً لمصر ومخلصاً للأقباط من عسف الإخوان والتابعين، ويحمدون لهذا الرجل أن خلصهم من حكم المرشد، وكانوا فى قلب ثورة الشعب المصرى على الإخوان، ولا سبيل لزعزعة هذا الذى حدث وترك محبة فى القلوب، السيسى سكن قلوب الأقباط.

وزاد محبة يوم أصدر قراره الشجاع لسلاح الطيران الوطنى بضرب تجمعات داعش فى الغرب الليبى؛ ثأراً لشهداء الأقباط من المنيا، الذين ذبحوا على الشاطئ وتلونت دماء المتوسط بدمائهم الزكية أمام عدسات مجرمة ذبحت قلوب المصريين جميعاً، لم يبت الرئيس على ثأر، ولم يرتَح على جنب حتى دكّ مواقع داعش «وعادت الطائرات المصرية إلى قواعدها سالمة وفيديوهات عملية الفجر» لا تزال حاضرة.

مرت العلاقة بين الحكومة والأقباط فى العام الفائت بمنحنيات خطيرة، أولها كان قانون بناء الكنائس، وكانت فتنة عظيمة عمل على إشعالها الإخوان وأذنابهم فى القاهرة، ونفر معدود من الأقباط الأمريكان الذين وجدوا فى القانون بضاعة يجولون بها على مراكز الأبحاث الأمريكية ويؤلبون أعضاء الكونجرس وإدارة أوباما، ولكن البابا تواضروس أثبت وطنيته كاملة فى إقرار القانون والثناء عليه.

وتكررت اعتداءات الهمج المغيبين على أقباط المنيا، وتعرت سيدة عفيفة من الأقباط، يومها خرج الرئيس مشدداً على تطبيق القانون على الجميع، وقبلها اعتذر للسيدة المصرية وطيب خاطرها ومعها طيب خواطر الأقباط جميعا.. وكانت لمسة حانية بلغت قلوب الأقباط.

وفى كل محنة تحل بأقباط الوطن، الرئيس حاضرا، وكان حضوره قوياً فى تشييع شهداء الكنيسة البطرسية، وحضر الجنازة، وأصر على التشييع فى جنازة رسمية، ويومها أراح قلوب الأقباط جميعا بإعلانه اسم الارهابى الإخوانى المجرم وضبط الخلية التى تآمرت على سفك دماء الأرواح البريئة، ولف الخبر العالم بأسره، وكان موقفاً علّم فى نفوس الأقباط، وطبطب على ظهورهم، ومسح على رءوسهم، وبلسم جروحهم.

وطالت واستطالت الألسنة القذرة تلوك معنى رخيصا أن الرئيس لن يحضر عيد الميلاد المجيد ثالثا، وأن الكنيسة لن تقيم الاحتفالات حزنا، ولن تدق الأجراس احتفالا، ومثلى وآخرين ممن يعرفون الرجل حق المعرفة كانوا على خلاف ومتيقنين أن الرئيس فى طريقه إلى الكاتدرائية رغم الألم والحزن، وكتبت «الرئيس فى الكاتدرائية» ونال مما كتبت موقنا المغرضون غير مصدقين.

وذهب الرئيس إلى عيد الميلاد المجيد، واحتفل مع إخوة الوطن بإعمار الكنيسة البطرسية بتكليف رئاسى للهيئة الهندسية بالقوات المسلحة المصرية فى غضون أسبوعين، وشق الرئيس الصفوف فى البطريركية مصافحا الأيدى التى امتدت تسلم عليه، وكان مشهدا لا مثيل له فى تاريخ المحروسة، الورد يطوق عنقه والفل يهطل من على رأسه، والزغاريد تصحب خطواته والحبور باد على وجه البابا والشعب القبطى، والرضا والسعادة والبشر بقدومه ظهر فى ضحكة مجلجلة رصدتها العدسات على وجه البابا تواضروس ممازحا شقيقه الرئيس عبدالفتاح السيسى، حللت أهلا ونزلت سهلا.

لماذا لا يحب بابا الأقباط الرئيس، ولماذا لا يحبه الأقباط، وهو يرمم كنائسهم، وهو يعلن إعمار كل الكنائس التى حرقها الإخوان والسلفيون والتابعون، وهو يعلن تأسيس أكبر كنيسة فى حضن أكبر مسجد فى العاصمة الجديدة، وهو يتبرع كما تبرع الزعيم الخالد جمال عبدالناصر بأول ١٠٠ ألف جنيه من ماله الخاص مناصفة بين الكنيسة والمسجد، وهو يدعو الشعب المصرى إلى بناء صرح الأخوّة والمواطنة والحب، قالها الأقباط «بنحبك ياريس»، ورد الرئيس «وأنا بحبكم كلكم، وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة..» 

أخشى أن الهجمة على البابا تواضروس تأتى فى سياق الهجمة على رموز ٣٠ يونيو، الماكينة الشريرة تعاقبه على مشهد ٣٠ يونيو، وهل كان هناك خيار أمام بابا الأقباط سوى خوض غمار ثورة شعب، وهل كان أمام الأقباط، ونالهم القسط الوافر من ظلمات حكم الإخوان، سوى هذه الثورة؟.

أفهم أن يناهض البابا الرافضة ممن كانوا يختانون أنفسهم فى المضاجع الإخوانية، ولكن يتصيد للبابا الآن نفر من شبابه، مدفوعين بأسباب نحسبها بريئة من الغرض والهوى، للأسف العدو جوه البلد، وجوه الكنيسة التى هى مستهدفة أصلا من خارجها، الكنيسة كالوطن مستهدفة من الإخوان والتابعين، لن ينسوا موقف المسيحيين فى قلب الموج البشرى الذى أطاحهم من فوق جبل المقطم يوم ٣٠ يونيو، ولن يغفروا للبابا تواضروس صورته فى منصة ٣ يوليو، البابا مستهدف كالرئيس وقبلهم الشعب المصرى وفى قلبه المسيحيون، مصر مستهدفة برموزها وشعبها.

فى الحالة البابوية الاستهداف بلغ درجة يصبح معها صمت البابا مستجلبا المزيد من الحملات البذيئة، وترفعه عن الإشارة إلى هؤلاء ويشهد عليهم شعب الكنيسة يطمعهم فى لحمه، إن ذاقوا لحمه أكلوه، والصبر عليهم لأسباب كهنوتية يمكنهم من قلب الكنيسة، هؤلاء لا يبغون خيرا للكنيسة أن يعوقوا سعى البابا إصلاحا، ولا يرومون صلاحا إذ هم يقوضون بناية الرب، ولا يذهبون إلى حوار إلا وهم يؤججون الكراهية فى نفوس الشباب على نحو جد خطير.

(٢) 

أيُلام البابا تواضروس على إتاحة الفرصة لوجوه جديدة فى شئون العمل الكنسى، لماذا يحتقن نفر من الأساقفة الكبار سنا ومقاما، ولماذا يتوالى الشحن الخفى، ولماذا يبتدرون البابا بحديث الإفك، ويتصيدون للبابا الأخطاء، وهناك أخطاء، ولكن ليست هناك خطايا تنتف من هولها لحى الكنيسة، ويثور من أجلها الشعب. 

الحادبون على سلام الكنيسة يهمسون، رفقاً بالبابا، تواضروس الثانى كاهن جاء من البحيرة إلى القاهرة يسعى، على الطريق لاستعادة بهاء كرسى مار مرقس العظيم، لا يجيد خبرات سابقيه من البابوات العظام، سلفه البابا شنودة نموذج فاق الخيال، والمقارنة هنا جد ظالمة، البابا يسعى إلى تهيئة مناخات للتغيير الآمن، لا يقود انقلاباً فى الكنيسة، الدنيا تغيرت، ليس هكذا تورد الإبل، وبابا الكنيسة أدرى بشعابها.

البابا تواضروس يفضله انتقالاً ناعماً، لم يأتِ بشهوة الانتقام، ولا يحمل ثأرا، وليس مدينا لأحد، البابا يتعاطى بهدوء، يلوم، يعتب، يحاور، وإذا لزم الأمر يكف يد أسقف طالت سطوة فى المجمع المقدس، ويعيد بعض الأساقفة إلى إبراشيتهم، كانوا هجروها إلى القاهرة حيث الأضواء ساطعة، يخلّص الكاتدرائية من أثقالها، يعيدها كما كانت كنيسة الرأس الواحد، كانت تعددت الرءوس والألسنة، انطلقت لا تلوى على شيء بعد تنيح قداسة البابا شنودة وترك فراغا هائلا. 

يقيناً، الكنيسة تبحر فى موج هادر، سفينة عتيقة درجت على قيادة كاريزماتية تغطى عطباً وقِدَماً طالت ماكيناتها العملاقة، البابا تواضروس كان عاديا، رجل (ثان) فى إبراشية فى الشمال خلف أسقف كاريزماتى (الأنبا باخوميوس)، البابا تواضروس كان بعيداً عن حدة الصراع واتخاذ القرارات، حتى إنه يستشعر حرجاً من أساقفة الكنيسة الكبار يمنعه حتى من جرح مشاعرهم، ليس الانقلاب عليهم، ولكن نفرا منهم لا يأبهون.

البابا يتمنى خيراً، ويطلب وقتاً، العجلة من الشيطان، شباب الكنيسة متعجل، يطلب ثورة فى الكنيسة، ثورة على سفينة الإسكندرية، صدى لثورة صاخبة على السفينة الأم، مصر، الثورة لم تصل بعد إلى الكنيسة، هكذا يضجر الشباب، ما لهذا البابا لا يثور فى وجه هؤلاء ؟!. 

البابا تواضروس ورث أوضاعاً قاسية، ملف الأحوال الشخصية على سبيل المثال، مثلا ضاق البابا فى عظة بصراخ سيدة جاءته تشكو، أخطأ البابا كإنسان بطلب إسكاتها حيث شوشرت على حق الشعب فى العظة فعلا، ومن يتحرى قضية هذه السيدة يعرف أن البابا ترفق بها كثيراً ولكن فاض الكيل، ماكينة شريرة تصيدت البابا من ذيل جلبابه الأسود، وسيرت وشيرت حملة عاتية على قداسته، دون تحرٍ أو تبين أو ترغق، وتشكلت خلايا إلكترونية لنهش جسد البابا، ونفر من الشباب الناقدين اتخذوها بضاعة، للأسف نفر من شباب الكنيسة مع افتراض حسن النوايا تحولوا إلى مخلب قط فى أيدى من يضمرون للبابا شرا. 

أخيرا وقبل أسابيع، كان لافتا وبشدة شكر أساقفة المجمع المقدس للبابا تواضروس الثانى فى بيان المجمع الأخير، سابقة كنسية لافتة، وتشى بأن وراء الأكمة ما وراءها، وتؤشر بأن البابا كسب جولة صعبة فى مواجهة بعض أساقفة الحرس القديم الذين بروزا ناقدين رافضين لقرارات البابا، البابا فصل ما تم إجماله، وشرح أعماله، ورد على الأسئلة، فاستحق الشكر من أساقفة المجمع، ومرت العاصفة التى هبت على الكنيسة، ولكنها ليست آخر العواصف ولا هى آخر الجولات، ولم يسلم صقور الحرس القديم بالأمر، لا يزال فى جعبتهم الكثير.. سنرى فصولا منه فى قادم الأيام. 

قبل وبعد فليكتب الله لكنيسة الوطن السلامة، ولكن الحملة على البابا لا تزال مستعرة، والهجمة جد ضارية، واللعب على وتر الشباب على أشده، البابا يواجه حملة كراهية ممنهجة، تؤشر عليها كتابات فيسبوكية عقورة لا ترعوى أدبا، ولا تستحيى لفظا، متجاوزة المقام البابوى على نحو محزن، مدفوعة بدعايات وشائعات ووشايات يثيرها، ويغذيها نفر ممسوس نافذ فى قلب الكنيسة كخنجر مسموم، ماجرى فى الرحلة الأسترالية نموذج ومثال وكيف تم تبضيع قصة فتاة احتجزها الأمن الاسترالى جاءت للتشويش على الزيارة الرعوية الناجحة، بل والزعم بأن البابا طلب من السلطات الأسترالية قبول طلبات لجوء عائلات مسيحية، وهو ما نفاه البابا تماماً فى بيان، البابا لسانه ينطق دوما بأن مصر وطن لا يغادر قلوب المسيحيين.

العاملون على الفتنة فى الكنيسة مفضوحون، والكل يعلم بأمرهم، والبابا يعلم بأمرهم، ولكن فى فم البابا ماء، وهو يرى ويسمع بأعمالهم ويحزن ويدعو لهم، ولكنه صموت لا يتكلم، ولا يصرح، خشية على سلام الكنيسة، لا تحتمل الكنيسة هزات، الكنيسة تلملم جراحها وتدفن شهداءها، وتعزى الوطن، والبابا فضلا عن آلام عموده الفقرى، يعانى حزنا دفينا من جراء أفعالهم التى لا ترعوى لما استقامت عليه الكنيسة، إكليروس وشعب. 

البابا الذى بدأ حلقات حوارية مع شباب الكنيسة قاهرياً للتواصل وإحداث الفارق بين ما هو حق صامت وما هو باطل مذاع، يعرف حجم الاستهداف لأنه بات خطيرا، وحدد مصادره داخل وخارج الكنيسة لأن ما هو خارجها يرتوى من آبار الكراهية داخلها، وعليه انفتح أخيرا على الشباب مغيرا أساليبه التى انتهجها خلال السنوات الأربع على تنصيبه التى شغل فيها بترتيب البيت الكنسى من الداخل. 

معلوم من القريبين من الشأن الكنسى أن البابا لديه شواغل رعوية داخلية وخارجية، كانت هناك محاولة للاستحواذ على بعض كنائس أمريكا عنوة، وأبطلها بحكمته وحزمه، مظنة أن تكون صرفته قليلا عن شئون الشعب، فاقتنصها بعض أساقفة الحرس القديم، كل فى إبارشيته، فنحى صورة البابا جانبا، وحل كل منهم بديلا عن البابا فى شعبه، فصارت ثمة فجوة رعوية بين البابا فى القاهرة وشعبه فى بعض الابرشيات، تيقظ البابا ليسدها من فوره، ويتمدد فى مساحاته الرعوية الطبيعية، فى حيزه الكنسى بالكامل. 

يقينا بعض شباب الكنيسة الناشطين إلكترونيا وفى الجروبات المسيحية يحتاج إلى معرفة البابا بشكل أوضح، شخصيا وكنسيا، وفى غيبة المعلومات اليقينية وشلال الأكاذيب والضلالات، شباب الكنيسة بات عرضة لشائعات مدمرة، هناك من يغذى بدعايات كاذبة، ولكنها للأسف تجد تصديقا لأنه ليس هناك ما يدحضها، تقريبا نفس مشكلة الدولة المصرية، لا تجد من يعبر عنها قويا صريحا قاطعا حاسما حازما، لسان الكنيسة ليس زربا، وبيان الكنيسة ليس واضحا، وموقفها ليس قاطعا، وهذا نقص استلزم تحركا سريعا وموقوتا من قداسة البابا فى اتجاه حوارات الشباب. 

(٣) 

أيُلام البابا تواضروس على مقولته الخالدة «وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن» وأتمها بمقولة رائعة «لو حرقوا الكنائس هنصلى فى الجوامع مع المسلمين، ولو حرقوا الجوامع هنصلى احنا والمسلمين مع بعض فى الشوارع»، لم يقُلها تزلفا بل ربنا فى الأعالى الهمة، هذا الذى قاله ووقع وقعا طيبا فى نفوس إخوته المسلمين.

يقولون فى بعض الصفحات والكتابات والمنتديات المسيحية عجبا وافتئاتا واجتراء إن مثل هذه المقولات طمعت الكارهين من الإخوان والسلفيين والتابعين فى منع الصلوات فى الكنائس وهذا حدث أخيرا فى قرية «الفرن»، والتجمهر رفضا لبناء الكنائس كما حدث فى «كوم اللوفى»، التى بلغت فيها الحالة إلى محاولة تهجير العائلات القبطية رغما عنهم وبأحكام عرفية ظالمة.

نعم حدث هذا ولكن ليس من جراء مقولات البابا، رأس الكنيسة لم يفرط ولكنه يرعوى لصالح الوطن حتى لا تكون فتنة وقودها الناس والحجارة، صمت البابا ليس من قبيل الرضا، ولكنه سبيل للتفاهم والتفاكر لتخفيف حدة التوتر وتفكيك قنابل الفتنة الملغومة خشية انفجارها فى وجه الوطن والكنيسة، الوطن يخطو على أرض مفخخة من مخلفات الفترة الماضية التى احتل فيها الإخوان والسلفيون أرضا ليست لهم، وسمموا الآبار جميعا بتفسيرهم المغلوط لآيات وأحاديث يستميلون بها الشباب المتحمس دينيا عن جهل بمقاصد الشريعة الإسلامية.

وثبت أن سياسة الحوار منتجة وتحدث لفارق ، وبالفعل تم فتح كنيستى لانبا بولا بعزبة كدوان (مركز المنيا) والسيدة العذراء بعزبة (الفرن) فى مركز ابو قرقاص وفق تفاهمات وتوجيهات رئاسية استأهلت شكر خاص للرئيس من أقباط مطرانية المنيا موقعا من الانبا ارسانيوس مطران المنيا وابو قرقاص والانبا مكاريوس الاسف العام والملقب بأسد ياهوذا الذى سطع نجمه فى مطرانية المنيا فى تصد به للاحداث الأخيرة.

 وكأنهم فى منتدياتهم يعاقبون البابا على تسامحه الوطنى، وهم من لم يرفعوا صوتا فى وجه البابا شنودة الثالث عندما قال، مصر ليس وطنا نعيش فيه، ولكنه وطن يعيش فينا» وترفعه عن الفتن الطائفية الصغيرة؛ لأن البابا شنودة خبرته الباباوية تقول، النار من مستصغر الشرر، وفتنة الخانكة نموذج ومثال، فاقتدى بطيب الذكر مكرم عبيد فى مقولته الخالدة «نحن مسلمون وطناً ونصارى ديناً».

البابا تواضروس يصبر على أذاهم، بطبيعته البابا عف اللسان، لا يلجا إلى المكائد، ولا يتبنى سياسية لىّ الذراع، لا يعنيه الظهور الفضائى الذى يكلفه ولوج معارك مع من يضمرون كيدا، ويحتكم للضمير، يخاف على شعبه خوفا على الشعب المصرى الكبير، ولا يخشى على كرسي، يحلم بالعودة إلى الدير، ويوقن أن «العمر واحد والرب واحد»، وقالها موقنا يوم استقبال هدية الرئيس السيسى لقداسته، أهداه سيارة مصفحة لتقيه من مكائد الطريق ومخططات الاغتيال.

البابا لا يتاجر بآلامه، ويتحرج أن يشكو والشعب يئن، ويصر إصرار عجيبا على السلام باليد على كل حضور ندواته وعظاته شخصا شخصا ويكرمهم ويطعمهم من يده، وتعليماته الصارمة أن يبتعد المتحلقون من حول قداسته تماما عن لقاءاته مع الشعب، لا يحولون بينه وبين من جاءه يسعى بطلب أو برغبة أو بشكوى، ويعد الأوراق المسلمة إليه بالواحدة ويتفحصها واحدة تلو الأخرى، ويؤشر عليها بما يستوجب ويتابع تلبيتها، وفى هذا قصص كثيرة ولطيفة تروى فى المكتب البابوى حتى إنه أبعد وجوها كانت عابسة فى وجوه الشعب، ومنها أنه فى لقاء بالإسكندرية وبعد العظة استقبل الشعب وتسلم شكاياتهم المكتوبة، وسلمها إلى أحد الخلصاء جواره، فلما عاد إلى مكتبه طلبها فأحضرها الشاب فعدها البابا فكانت ٤٣ ورقة فقال له سلمتك ٤٧ ورقة، فأجاب الشاب أن ٤ أوراق تم فحصها وتوجيهها فقال البابا هذه رسائل الشعب للبابا فلا يجيبها سوى البابا، وأصرَّ على قراءة الأوراق جميعها ورقة ورقة ولبى ما جاء فيها.

احترام البابا لكبار الأساقفة مشهود رغم الحكى المريب عن الصراع المحتدم، مثلا اتهم البابا يوما أنه تسبب فى أزمة قلبية لأسقف الشباب المحبوب الأنبا موسى، وهذا ما لم يقُل به المحترم الأنبا موسى، ولم يرد على لسانه الطيب، ولكنها شائعة لفت الكنيسة، رغم أن أزمة الأنبا موسى القلبية متوقعة فى ظل تقدم العمر، ربنا يعطيه الصحة، مشكلة الأنبا موسى ليست مشكلة شخصية مع البابا، وليس استهدافا لحبيب الشباب، معلوم أن الأنبا موسى أسقف قديم من الرعيل الأول، ذو صلاحيات معلومة وله أبناء كثر، لكنه تقدم فى السن، ومريض بالسكرى، وكما نقل لى مصدر قريب من البابا، أن قداسته يجله ويحترمه وتحدث إليه وقال له، خدمة الشباب اتسعت، واقترح عليه إنشاء فروع لأسقفية الشباب يتولاها أساقفة، وسأله هل يزعجك هذا، ورحب الأسقف الطيب بما انتواه البابا، البابا رشح له الأنبا «بافلى»، لم يشكُ الأنبا موسى، ولكن الشكائين كثر.

وقيل ويقال عما يسمى تفكيك إمبراطورية الأنبا بيشوى، والمعلوم فى البطريريكية أن البابا يعامل أنبا بيشوى باحترام شديد، يعوده فى مناسبات تقام فى إبراشيته تكريما، ويلبى طلباته غير منقوصة، لكن الملفات كبرت وتحتاج إلى تفكيك، الحرس القديم بعامة تقدم فى السن، والهرم الإدارى الذى يبغيه البابا شكله مختلف، والبابا له خبرة أكاديمية فى الإدارة، الحديثة ويحمل الماجستير من لندن، ودرس الإدارة فى سنغافورة، معهد «هاجاى» فى الإدارة والقيادة والتنمية ٢٠٠٥، الإدارة فى الكنيسة تتحول من الإدارة الفردية التى كرستها شخصية البابا شنودة الكارزماتية إلى الإدارة المؤسسية، البطريريكية مؤسسة دينية على رأسها البابا، أقرب إلى الإدارة المؤسسية فى الفاتيكان، نموذج ومثال.

وفى هذا السياق، وعلى الهامش تثار فيسبوكيا قضية «الأنبا مايكل» فى «فريجينيا» بالولايات المتحدة الامريكية، وهل هو أسقف عام أم اسقف «مجلس» بضم الميم وفتح الجيم من الجلوس، والأسقف العام دون سلطات، كما فى حالة انبا مكاريوس والبابا شنودة رسم أنبا مايكل أسقفا عاما، ولكنه يروم أسقفية مجلسة على إبراشية، وهذه قضية محسومة برسم البردى المحرر كنسيا، ولكنها مستعرة فيسبوكيا، وهناك من يغذيها أمريكيا وصعيديا، فى الصعيد أسقف أو أسقفان يتحمسان للأنبا مايكل. 

خلاصته، المجمع المقدس الذى جاء إليه البابا تواضروس بطركا رسم وجوهه جميعا البابا شنودة، فيما خلا الأنبا ميخائيل، وتوفى نوفمبر ٢٠١٣ ، وكلهم فى موقع أخوة الكبار للبابا تواضروس، ومكانه فى الصور المجمعية قبل جلوسه على الكرسى الباباوى كان فى خلفية الصورة، فى الصفوف الخلفية، الأمر الذى يزكى التى تقول بتوتر العلاقة بينه وبين الحرس القديم، ولكن فى النهاية صالح الكنيسة أهم وأبقى.

(٤) 

يلومون البابا فى قضيتين لاهوتيتين، الأولى سر المعمودية والتى فجرتها زيارة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان الأخيرة إلى القاهرة، وتوقيعه والبابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية، وثيقة لإنهاء الخلاف بين الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية حول إعادة «سر المعمودية»، وذلك خلال اجتماع مغلق عُقد فى الكنيسة البطرسية.

 وجاء فى نص البيان الموقع الذى نُشر أيضاً على موقع البابا تواضروس الرسمي: «نحن اليوم، البابا فرنسيس والبابا تواضروس الثاني، لكى نسعد قلب ربنا يسوع، ‏وكذلك قلوب أبنائنا وبناتنا فى الإيمان، فإننا نعلن، وبشكل متبادل، بأننا نسعى جاهدين، بضمير صالح، نحو عدم إعادة سر المعمودية الذى تمَّ منحه ‏فى كل من كنيستينا لأى شخص يريد الانضمام للكنيسة الأخرى، إننا نقرُّ بهذا طاعةً للكتاب المقدس ولإيمان ‏المجامع المسكونية الثلاثة التى عُقدت فى نيقية والقسطنطينية وأفسس».

و»سر المعمودية» هو أحد الأسرار السبعة المقدسة فى المسيحية، واقتداء بمعمودية المسيح فى نهر الأردن، ولكن طقوسها تختلف فى الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية، إذ فى الكنيسة الأرثوذكسية يقوم الآباء الكهنة بتغطيس الشخص بشكل كامل، ٣ مرات، داخل إناء ممتلئ بالماء، مرددين «الأب والابن والروح القدس»، ثم تتلى الصلوت، ولا تعتبر الكنيسة الأرثوذوكسية المعمودية صحيحة إلا بتغطيس الشخص كاملاً تحت الماء، أما فى الكنيسة الكاثوليكية فيُكتفى بسكب الماء على الرأس ثم تلاوة الصلوات.

البابا يؤمن بالانفتاح، ويصل فى هذا المنحى إلى أقصاه، ولكن هناك من يسمون أنفسهم بحراس العقيدة، واعتبروها خطية من البابا، وأشعلوها نارا باسم المسيح، تأسيسا على رفض البابا شنودة هذا المنحى الانفتاحى، وتلك إحدى القضايا التى تلغم طريق البابا.

القضية الثانية تخص المتنيح العظيم الأب متى المسكين، والذى توفى وجفوة بينه وبين البابا شنودة الذى منع كتبه، البابا تواضروس أعاد الاعتبار للدير ومعلمه، رسم لهم أسقفا منهم، وأفرج عن كتب متى المسكين فهاج من رفضوه لعقود طويلة.

خلاصته البابا يحصد زرع غيره، هذا اختصار لما يواجه البابا باتباع طريقة «عاوزين نفهم» لعل وعسى.

 

    الاكثر قراءة