صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة التابعة لوزارة الثقافة المصرية، مؤخرا، وفي الثلث الأخير من عام 2017، كتاب جديد للكاتب والمفكر طلعت رضوان بعنوان "إبداع الأميين المصريين".
وللوهلة الأولى يتضح الكتاب من عنوانه من خلال مؤلفه المتسق مع نفسه دائما، ومع مشروعه الفكري المطالب بالعودة الى جذورنا وهويتنا المصرية القديمة الأصيلة لغة وفكرا وسلوكا، وإن كافة الغزاة الذين تواكبوا على احتلال مصر بمختلف أشكالهم وصنوفهم وجنسياتهم وأعراقهم لم يتمكنوا من طمس هوية المصريين الأصيلة العميقة الضاربة في جذور الأرض الخضراء ونهر النيل المتدفق، ومصريون اصحاب عقول عبقرية سيطروا على النهر والأرض وانتجوا لغة وثقافة وحضارة عبقرية تحدت وما تزال الأزمنة والغزاة وقرون من القهر والتخلف.
الكتاب يتكون من مقدمة تمهيدية كاشفة لمضمونه بقلم الدكتور كمال مغيث، ومقدمة بقلم المؤلف نفسه يشرح فيها الفرق بين "الجهل، والأمية"، وينفي عن ملايين المصريين البسطاء صفة الجهل لمجرد إنهم يجهلون مهارة القراءة والكتابة، ويوضح إن لكل شعب من الشعوب ثقافته القومية الخاصة به والتي تميزه عن غيره. وإن هذه الثقافة القومية لاعلاقة لها بالتعليم، حيث تسري في نسيج الامي الذي لم يذهب الى المدرسة.
والثقافة عبارة عن مجموع أنساق القيم التي أبدعها الشعب عبر تاريخه الممتد. ومرورا بفصول الكتاب التسعة يحاول المؤلف التأصيل للشخصية القومية المصرية في سياق عدد من الظواهر الإجتماعية المتحدية للفناء عبر الأزمنة، وعبر الأماكن، وعبر الاختلافات الدينية والمذهبية مثل الموالد وزيارات الأضرحة.
يفسر الكتاب هذا الأمر على اعتبار أن شعبنا مؤمن بالتعددية، وإن الحضارة المصرية حضارة اتصال، وإن تعدد الأولياء هو امتداد لتعدد الآلهة حيث كان اتباع آمون يحتفلون مع اتباع "رع"، واتباع ايزيس يحتفلون مع اتباع حتحور. وإن ظاهرة الموالد رغم مظهرها الديني تؤكد أن الثقافة المصرية ثقافة اتصال، وذكر مثالين على هذا الأمر، الأول يتعلق باحتفال شعبنا بمولد سيدي الحجاج بالأقصر، حيث إن ضريح هذا الولي مقام داخل مسجد، وهذا المسجد مقام على جزء من معبد الإله آمون. وكما كان الإله آمون يخرج من معبده مرة كل عام في سفينته المقدسة فيطوف أرجاء مدينته التي يتولاها بحمايته، فان سيدي ابو الحجاج يخرج هو ايضا مرة كل عام.