الخميس 20 يونيو 2024

تحية «للجندى.. ويوسف شعبان»

23-9-2017 | 15:55

بقلم  – أكرم السعدنى

فى العام ١٩٨١ وتشرفت بمعرفة محمود الجندى الذى اقترب كثيرًا من العم صلاح السعدنى وجذبه إليه ذلك العقل المشع فكرًا ونورًا وضياء الذى يملكه صلاح، وكان هناك أيضًا فاروق الفيشاوى الذى كان السعدنى بالنسبة إليه مثلًا وقدوة، ولكن الأيام أثبتت لشخصى الضعيف أن الجندى نوع نادر من أصناف البشر.. فهو لا يقترب منك من أجل مصلحة شخصية أو لكى يجد له مكانًا فى مسلسل السعدنى أو أى نوع من أى نفع..

ولكن الجندى يقترب من البشر الذين يرتفعون بقيمة الصداقة ويضعون الأصدقاء فى مكانة رفيعة لا تعلو عليها أى قيمة أخرى ذلك، لأن الرصيد الحقيقى الذى يجعل الإنسان غنيًا يزداد رصيده مع الأيام هو حسن اختياره للأصدقاء ومن خلال العم صلاح عرفت محمود الجندى وأحببته ولمست وراء هذه السخرية من كل شىء وأى شىء عند محمود الجندى مأساة رافقت هذا الفنان طوال طريقه فى رحلة الحياة، بل إنه من شدة ارتباط البؤس والأسى تحول سوء الحظ إلى أحد أصدقاء الجندى الذين لا يفارقونه على الإطلاق.. فقد بدأ الجندى مسيرته فى الحياة بعد التخرج بأن التحق بالجيش المصرى فى العام ١٩٦٧ حيث وقعت أكبر كارثة فى تاريخنا المعاصر يوم ٥ يونيه من العام نفسه، وهكذا وجه هذا الجيل الذى ينتمى له الجندى نفسه مطالبا بتضحيات جسام فدفع من عمره ٦ سنوات بالتمام والكمال، حتى نهضت مصر من كبوتها واستطاعت أن تلملم جراحها وتمسح من وجهها آثار هذه الغمة التى أسميناها بالنكسة.. وأكرمنا المولى عز وجل- وعبرنا مرارة الانكسار إلى آفاق النصر والعزة والكرامة، وبعد العام ١٩٧٣ بعد أشهر خرج محمود الجندى وهذا الجيل الذى ينتمى إليه وهو جيل له فى القلب مكانة مازال لا يضاهيها ولا يقترب لها أى جيل من الأجيال الأخرى.. وبدأ الجندى يمارس هوايته فى التمثيل وبدأت خطواته..، التى كان الحماس هو وقودها وفى نفس الوقت كان رفيقه وهو سوء الحظ يلاعبه فى اتجاه آخر، ومع ذلك وجد الجندى لنفسه مكانًا فى عالم الفن فى المسرح وفى التليفزيون وفى السينما ووقع على الجندى اختيار كل الكبار وعلى رأسهم منتجون من أمثال سمير خفاجى فى المسرح أو كبير دولة الفتوة عادل إمام، وبالطبع قطع الجندى خطوات مهمة وترك بصمات فى كل ما قدم من أعمال وعلى وجه الخصوص دوره فى «جمعة الشوان» هذا العمل الملحمى البطولى للمخابرات العامة المصرية أو فى فيلم «اللعب مع الكبار» دور على الذى ارتفع به محمود الجندى ليتساوى مع أدوار الكبار عادل إمام وحسين فهمى.. وفى المسرح لها الكبير فؤاد المهندس يضع الجندى على رأس اختياراته وهكذا فعلت الجميلة- العزيزة على القلب- شريهان وعندما أصابت دولة الفنون خيبة كبرى لم يعد للموهبة أدنى دور فى فرض صاحبيها ولكنها العلاقات والشللية والمحسوبية كان على محمود الجندى أن يتجه للإنتاج بفضل بعض ما اكتنزه للزمن وتصاريفه، وبالفعل أنشأ الجندى استديو للتصوير قريبا من الطريق الصحراوى واستطاع أن يحسن اختيار أساس العمل الفنى وهو الورق وواصل رحلة العطاء ولكن بأعمال ترضى ضميره وتاريخه ولكن الصديق والخصم اللدود للجندى وهو حظه العاثر أو سوء الحظ كان له بالمرصاد فاحترق الاستوديو بفعل فاعل مع الأسف نعرفه جيدًا ولكنه وبفضل نقاء وطيبة الجندى أفلت من العقاب والحساب وعاد الجندى إلى نقطة الصفر.. يجيز ذكريات أليمة مع الحرائق التى نشبت ذات يوم فى بيته فى الهرم والتهمت كل مكتبته وكل أوراقه وليتها وقفت عند هذا الحد، ولكن أخذت أيضًا رفيقة العمر وأم الأولاد رحمها الله.. وفى السنوات العشر الأخيرة كرس الجندى كل الوقت من أجل تقديم مسرح يميل به العقول ويصبح منارة للوعى واختار بلده ومسقط رأسه لكى يقيم مسرحا على أرض خصصها له السيد المحافظ وبنى عليها قصرا للثقافة.

وقدم الجندى عملًا شديد الجودة عن أحد بناة النهضة فى مصر رجل المال والاقتصاد طلعت حرب.. وفى نفس الوقت كان عليه أن يواصل عمله، فالرجل لديه حياة وأولاد وزوجة ومصروفات للدراسة ومتطلبات للحياة، ولكن الجندى وجد أن هناك أمرًا لم يستطع صاحب التاريخ الناصع البياض أن يتحمله، فأعلن أن ما يجرى هذه الأيام لقامات مثل الجندى لا يمكن احتمالها أو السكوت عليها وأعلن الرجل اعتزاله للأضواء، ومع شديد الأسف جاءت الجندى كلمات كانت أشد قسوة من سوء حظه ومن كل ما صادفه فى الحياة من العكوسات عندما وصف زميل وصديق عزيز هو طارق الشناوى الأمر بأنه «بصق فى البئر»، وبالطبع جانب طارق التوفيق فى هذا الوصف الشنيع لاثنين من نجومنا الذين نعتز بهما.. محمود الجندى ويوسف شعبان العزيز الغالى محمود أنت تعلم تماما مكانتك التى هى مثار لفخر أى فنان.. لمسنا معا كيف يستقبلك عشاق الفنون فى مصر وفى دولة الإمارات وفى العراق الشقيق عندما ذهبت إلى هناك أيام الحرب العراقية الإيرانية وكان الاستقبال على المستوى الشعبى والرسمى يليق بحجم وموهبة فنان كبير صاحب أثر فى قلوب محبيه وعشاق «الفن» اعلم يا عم محمود كم كان الوقع حزينا والألم عظيمًا، ولكن قرار الابتعاد ليس هو الحل.. فأنت مازلت قادرًا على أن تمد البئر بكل ما هو عذب من أبداع وليس العكس على الإطلاق الملايين.. من عشان الفن على خريطة أمة العرب يصفونك ومعك يوسف شعبان وكل المبدعين والخبيرين من فنانى مصر فى حجرات القلب الأربع.

منحك الله الصحة والعافية أيها الصديق الطيب المتواضع المرتفع عن الصغائر محمود الجندى.

أما أنت يا عمنا.. الكبير يوسف شعبان فلك منى تعظيم سلام على مجمل أعمالك التى أسعدتنا على مدى عمرنا.

تحية لأصحاب القوة الناعمة فى المحروسة