بقلم – د. نصر سالم
عجيب أمر شبكات التواصل الاجتماعى- فيس بوك وما على شاكلتها - تنقل إليك نبض الشارع بكل اتجاهاته وشطحاته وأنت جالس مكانك، حتى وإن كانت هناك شبكات موجهة، فإنها تظهر اتجاه الريح وقوتها وما عساها أن تحمله..
من بين الأمور التى اهتمت وتهتم بها هذه الشبكات الآن، التدريبات المشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية المعروفة باسم «النجم الساطع»، وخاصة أنها جاءت فى توقيت مصاحب لإعلان الولايات المتحدة الأمريكية حجب جزء من المساعدات لمصر نتيجة للتقرير المشبوه، الذى صدر عن منظمة «هيومان رايتس ووتش»، تتهم فيه مصر بجرائم لا تتم إلا فى «جوانتنامو»، خاصة أن أمريكا هى التى طلبت استئناف التدريبات المشتركة مرة أخرى بعد انقطاع دام ثمانى سنوات منذ عام ٢٠٠٩، فمن قائل كيف نجرى هذه المناورات مع أمريكا التى توقع علينا عقوبات وتحاول إضعاف جيشنا بمنع قطع غيار الأسلحة، التى تمثلها المساعدات، التى تم قطعها، وآخر يقول إن الجيش الأمريكى هو المستفيد من التدريب على أرضنا ويساعده على احتلال أرضنا إذا أراد ذلك فى يوم من الأيام، وقائل يذهب أبعد ممن سبقوه فيقول ما الذى يدرينا أن جزءًا من القوات الأمريكية هو قوات إسرائيلية جاءت لتتدرب على أرضنا وتعرف أكثر عن جيشنا؟
والكثير والكثير من الأسئلة والتساؤلات منها الحريص والمهتم ومنها القلق ومنها المتربص!
ولكل هؤلاء أسوق بعض المعلومات، لعلها تبعث الطمأنينة فى نفوس القلقين على وطنهم، أما المتربصون فلا شأن لنا بهم..
والبداية هي
س: لماذا تبنى الدول الجيوش؟
ج: لكى تدافع عن أوطانها..
س: كيف تدافع الجيوش عن أوطانها؟
ج: تقاتل العدول الذى يعتدى عليها ويحاول تدميرها واحتلالها..
س :كيف القتال؟ وكيف تستخدم الأسلحة التى معها ضد العدو؟
ج: يتم التدريب بدءًا من مستوى الفرد، حيث يتدرب كل جندى على السلاح الذى سوف يقاتل به، ثم تتدرب كل جماعة ١٠ أفراد مع بعضها البعض ثم يزداد مستوى التدريب إلى فصيلة وسرية - كتيبة - لواء - فرقة .. .. .. إلخ..
س: كيف يعرفون العدو الذى سوف يحاربونه كى يتدربوا على قتاله؟
ج: فى بعض التدريبات تتدرب القوات من جانب واحد وقد يمثل لها العدو بأشكال على الأرض وخاصة عندما يتم إجراء رماية ضرب نار على العدو وفى المراحل المتقدمة من التدريب يتم تقسيم القوات إلى قسمين:
قسم يقاتل بتكتيكات قواتنا والقسم الآخر المضاد له يمثل العدو ويقاتل بنفس تكتيكات أساليب قتال العدو.
يتم هذا التدريب بين القوات البرية وبعضها البعض، والقوات الجوية أيضًا ثم القوات البحرية، كل نوع من القوات يتدرب مع بعضه البعض، وأخيرًا تجرى التدريبات الكبرى، التى تعرف بالمشاريع أو المناورات التى تشترك فيها كل أفرع القوات المسلحة برية، وجوية، وبحرية، ودفاع جوي.
مثل هذه التدريبات تشبه فريق الكرة، الذى يتدرب على أرضه ويصل إلى أعلى المستويات، ولكنه لم يواجه أى فريق أجنبى لكى يقف على المستوى الحقيقى، الذى وصل إليه، ولا أين هو من تلك الفرق المنتظر أن يواجهها فى المسابقات الدولية.
من أجل هذا قررت قيادات الجيوش فى دول العالم إجراء تدريبات مشتركة بين بعضها البعض لتحقيق الأهداف التدريبية الآتية:
١ - التعرف على أحدث الأسلحة والمعدات الموجودة فى الجيوش الأجنبية وخاصة الدول المتقدمة.
٢ - التعرف والتدريب على أحدث التكتيكات والأساليب، التى تستخدمها الجيوش الأجنبية.
٣ - تبادل الخبرات المكتسبة لدى الجيوش، بعضها البعض.
٤ - توحيد المفاهيم بين القوات فى حالة التعاون معًا فى مواجهة عدو مشترك..
مثل هذه التدريبات يتم التخطيط لها لعدة أعوام قادمة، ثم لكل عام على حدة وهكذا، وتقوم مصر بالتدريبات المشتركة مع الدول العربية الشقيقية ومع الدول الصديقة بصورة منتظمة على أرضنا وعلى أرضهم بالتناوب.
وقد بدأ تنفيذ تدريبات «النجم الساطع» بيننا وبين الولايات المتحدة الأمريكية اعتبارًا من عام ١٩٨١ ويتم تنفيذها كل عامين ويشترك فيها إلى جانب مصر والولايات المتحدة الأمريكية - عدد من الدول الأوربية والعربية، وقد يصل عدد هذه الدول إلى عشرين دولة فأكثر، وآخر مناورة تمت عام ٢٠٠٩ وكان من المقرر أن تجرى المناورة التى تليها فى العام ٢٠١١، وعندما قامت ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ توقفت هذه التدريبات لانشغال القوات المسلحة فى تأمين البلاد، وبعد قيام ثورة ٣٠ يونيه ٢٠١٣ قررت الولايات المتحدة من جانبها إيقاف هذه المناورات إلى أجل غير مسمى..
وبعد تحسن العلاقات السياسية، طلبت الولايات المتحدة من مصر استئناف مناورات النجم الساطع مرة أخرى اعتبارًا من عام ٢٠١٧.
ولا أذيع سرًا، أن كل التساؤلات التى تدور الآن على شبكات التواصل الاجتماعى دارت فى رؤوس القادة والضباط فى مرحلة تقدير الموقف من الدخول فى مثل هذه التدريبات، وتم حسابها بتقدير المكسب والخسارة، فكانت النتائج أن حساب المكسب أكثر بكثير من الخسارة..
• فالمكاسب على سبيل المثال وليس الحصر..
- التعرف على أحدث الأسلحة الموجودة فى الترسانة الأمريكية، وكذا حلف الناتو وخاصة التى تستخدمها القوات، وهى أيضًا نفس تسليح الجيش الإسرائيلي..
- التعرف على أساليب القتال والتكتيكات المختلفة التى تنفذها هذه القوات طبقًا لعقيدتها القتالية..
- مثل هذه التدريبات مع قوات الدول العظمى والكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، تتيح لفرع رئيس مثل الدفاع الجوى المصري، التدريب على صد هجمات جوية بمئات الطائرات، وكذا مواجهة حرب إلكترونية عالية التقنية و..... إلخ، وهذا لا يمكن توفيره إلا من خلال هذه التدريبات..
- أيضًا فى تدريبات القوات البحرية.. التى يلزم تدريبها على مواجهة الأساطيل الأجنبية المتفوقة، التى لا تتوفر إلا بالتدريب مع مثل هذه الدول..
- كلما تم تدريب قواتى مع قوات قوية متفوقة أدى ذلك إلى ارتفاع مستوى قواتي، وتم التعرف على نقاط الضعيف لديها وتلافيها وفى المقابل التعرف على نقاط القوة فى القوات الأجنبية - التى تعتبر إسرائيل نموذجًا مصغرًا منها - والعمل على مواجهتها والتغلب عليها..
• أما بحساب الخسارة، ونقاط الضعف فقد تم حصرها والتعامل معها بالشكل الذى يحقق الأمن لقواتنا وأرضنا وكل ما يلزم حجبه وتأمينه..
وغنى عن البيان أن هذه التدريبات جعلتنا نعرف مستوانا الحقيقى مقارنة بجيوش أجنبية متقدمة، وخاصة فى ظل خضوع هذه التدريبات لقياسات غاية فى الدقة فى ميادين تكتيكية مجهزة لتمثل هذه التدريبات..
ومنها على سبيل المثال ما يتم تدريب قوات حقيقية فى قتال ضد بعضها البعض - وطبيعى ألا يتم استخدام الذخيرة الحية وإلا تم تدميرها وإحداث خسائر فى الأرواح والمعدات، مثل الحرب الحقيقية، وهذا ما لا يمكن قبوله.. فتم التغلب على ذلك بتزويد كل سلاح طلق ذخيرة حية - سواء مدفع دبابة أو صاروخًا أو حتى بندقية - بجهاز تنشين يصدر شعاع ليزر بمجرد الضغط عليه لإصابة الهدف المضاد “المعادي» وفى نفس التوقيت يوجد على كل سلاح أو دباباته أو حتى فرد مشاة، جهاز استقبال مثبت عليه، بمجرد أن يصل إليه شعاع الليزر من السلاح المقابل «المعادي» يتم إبطال موتور الدبابة أو العربة، التى تم إصابتها ويصدر منها دخان بلون محدد، فيتم رصدها كخسائر بواسطة محكمين يعملون داخل ميدان التدريب الإلكترونى المذكور.. وبالتالى يتم حساب النتائج والمستويات بكل دقة.. حتى فى أفراد المشاة أنفسهم ومن يصاب يتوقف سلاحه عن العمل ويصدر منه دخان ملون ويتم استبعاده كخسائر، ويستمر القتال حقيقيا على الأرض ولكن بدون ذخيرة حية، فيتم تحديد المنتصر والمنهزم وحساب خسائرها بكل دقة، والخروج بالدروس المستفادة وخاصة فى ظل تصوير هذا التدريب، وعرض الفيلم فيما بعد ومشاهدته لكل جانب للتعرف على أخطائه ونقاط قوته وكذا الجانب المضاد.