بقلم – د. عمرو صالح
«مصر عادت شمسك الذهب، لك ماض مصر إن تذكرى يحمل الحق وينتسب ولك الحاضر فى عزه قبب تغوى بها قبب»، كلمات لم يكتبها مصري، ولم تتغن بها مصرية، ولكن تغنى بها من عرف مصر وقيمتها، وصلابة أهلها وقوة عقيدتها وإيمان من تعطيه قيادتها ليقودها وهو يقود الحق، ويقود دولة هى فى رباط إلى يوم الدين. مصر عادت من بعيد خلال السنوات الثلاث الماضية فقط، وبعد أن أسقطت أحداث يناير ٢٠١١ النمو الاقتصادى لمعدل كارثى اقترب من واحد فى المائة بعد أن كان معدل النمو الاقتصادى كان قد وصل فى ديسمبر ٢٠١٠ إلى ٧.٣فى المائة وكنا على موعد قريب مع معجزة مصرية حيث كتبت المؤسسات الدولية وقتها أن الفرعون المصرى أو المارد المصرى سوف يصل فى سنوات قليلة إلى معدل نمو ١٠فى المائة ليقترب من المعدلات القياسية لدول النمور الأسيوية، وحتى أطلق على مصر النمر الإفريقى الجديد.
وبعد ثلاث سنوات، من الهاوية، تعود مصر من جديد، ليهبط العجز فى ميزان المعاملات الجارية لمصر للسنة المالية ٢٠١٦-٢٠١٧ من ١٩,٨٣ مليار دولار إلى ١٥,٥٧ مليار دولار وبنسبة ٢١,٥ فى المائة ،ويسجل ميزان المعاملات فائضا بلغ ١٣,٧١ مليار دولار منها ١٢,٢ مليار دولار تحققت فى الفترة من نوفمبر حتى يونيه، وهي الفترة التى تلت اتخاذ القرار الشجاع بتعويم الجنيه المصري. ومعها، لم يقل أحد أننا فى أفضل حالاتنا الاقتصادية، ولكن بلغة العسكرية، فإننا فى أفضل «حالاتنا القتالية». فمع خوض مصر ثلاث معارك على جبهة الإرهاب، وعلى جبهةالإصلاح الاقتصادي، وعلى جبهة الصمود الاجتماعى التى بطلها كما قال الرئيس هو الشعب المصرى بلا منازع، فإن مصر بلا شك تعود من جديد
نعم تمكنا من الصمود وتحدى الواقع واستعادة التوازن بعد أن أريد لهذه الأمة أن تركع وليصل معدل نموها بعد الثورة إلى حدود ١فى المائة، يرتفع معدل نمو الناتج المحلى إلى ٤,٩ فى المائة خلال الربع الأخير من السنة المالية الماضية ٢٠١٦ /٢٠١٧، وينخفض عجز الموازنة إلى ٩,٥فى المائة خلال الربع الأخير من السنة المالية الماضية ويصل الاحتياطي النقدي لأكثر من ٣٦ مليار دولار بعد أن قارب رقم ١١ مليارا بعد الثورة، وتتوقع معها المؤسسات المالية العالمية نهوض الاقتصاد المصري. ففى الوقت الذى تخفض فيه»ستاندرد أند بوورز» و»موديز» وأيضا «فيتش» تخفض التصنيف الائتمانى لدول مثل تركيا وقطر، أو حتى دول خليجية مثل سلطنة عمان أو البحرين من (Baa١) إلى (Baa٢)، فإنها ترفع تصنيف مصر إلى «مستقر» بل وتتوقع أن ينخفض العجز فى الحساب الجارى للمدفوعات فى مصر تدريجيا إلى نحو ٣ فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى بحلول نهاية العام المالى ٢٠٢٠ بسبب ارتفاع الصادرات نسبياً وتحسن عدد من المؤشرات الاقتصادية الرئيسية وهو ما يعد إنجازا على مدار الزمن والظروف التى أحاطت بمصر منذ ثورتى يناير ويونيه.
وما أحلى الآمال عندما تتحقق وتبشر بأن مصر سوف ترتفع بمعدل النمو إلى ٥,٥ فى المائة فى العام القادم وأنها فى طريقها إلى خفض معدلات التضخم لما يقرب من ١٣فى المائة فى عام ٢٠١٨ بعد زلزال تعويم الدولار والذى مررنا به وعبرناه ونحن مهيئون بأفضل أحزمة الأمان العالمية، وهو الإيمان بالله سبحانه وتعالى وبمقدرات هذا الشعب وبالثقة فى إيمان القيادة بهذا الوطن، ولكن هل يعتقد القارئ أن الإصلاح الاقتصادى وحده هو الذى يؤشر ويجر معه توقعات مؤسسات استثمارية عالمية أن تشهد مصر تحسنًا اقتصاديًا كبيرًا على غرار إصدار مؤسسة «رينسيانس كابيتال» الرائدة فى مجال الاستثمار فى الأسواق الناشئة توقعها أن تشهد مصر خلال الفترة المقبلة زيادة فى التدفقات الاستثمارية المباشرة مثل التى تدفقت لمصر خلال الربع الأخير من العام الماضى ٢٠١٦ بقيمة بلغت نحو ٤.١ مليار دولار، أو أن يصدر البنك الدولى نشرة يضع فيها مصر كثانى دولة عربية قبل السعودية فى الحصول على استثمارات خارجية بقيمة ٨ مليارات فى العام ٢٠١٦؟ هل يعتقد القارئ أو المتابع للشأن المصرى أن تعامل مصر مع المؤسسات الدولية من خلال برامج الإصلاح يؤهلها فقط للحصول على “تسهيلات الصندوق الممددة” التى تتيح لمصر الحصول على ١,٢٥ مليار دولار، ضمن الشريحة الثانية من القرض، بقيمة ١٢ مليار دولار على مدار ثلاث سنوات؟
إن من يعتقد أن الإصلاح الاقتصادى وحده، أو أن إدارة الملف الاقتصادى يمكن أن يرفع فقط من أسهم دولة، فهو إما لديه عدم معرفة بأبجديات الإدارة الاقتصادية، أو أنه غافل عن الحقيقة التى مرت بها عدد من الدول خلال تجارب النمو، وهو بالتأكيد غافل عن أن الجانب الخارجى لا غنى عنه بجانب الأداء الاقتصادى والاجتماعي.
فالدول التى تريد أن تخوض معركة الإصلاح الاقتصادى عليها أن تخوض فى جبهة التعديل الهيكلى للاقتصاد، أن تخوض معركة أخرى على الجانب الاجتماعى لكى تخفف من وطأة الإصلاحات وترفع قدر الإمكان مستوى شعوبها. وقد خاضت مصر هاتين المعركتين لكى تتمكن من رفع النمو الاقتصادى تقريبا ٥ فى المائة مأمول العام القادم من نمو قارب ١ فى المائة فى أعقاب الثورة، كما خاضت بشجاعة معركة الحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعى بحماية محدودى الدخل بشكل سريع من تبعات الإصلاح الاقتصادى ومن خلال تصميم مظلة ضمان اجتماعى واستحداث معاش كرامة وتكفل بقيمة أكثر من٥ مليارات جنيه فى الموازنة. لقد خاضت مصر هاتين المعركتين بجانب معركة الحرب على الإرهاب والتى تكلف الدولة مليارات الجنيهات سنويا. وقد أعلن الرئيس إن مصر تخوض ثلاث معارك فى وقت واحد وبالنيابة عن العالم الحر.
عفوا سعادة الرئيس، إن مصر تخوض أربع حروب. لقد قلنا سابقا إن من يعتقد أن الإصلاح الاقتصادى وحده قادر على أن يستوعب مخاوف المؤسسات الدولية أو أن يقنع الدول بأن تمد يد العون لنا، فقد قلنا أما أنه غير عالم أو أنه لديه قصور فى الرؤية أو يتناسى عمدا حقيقة التوازنات الدولية التى مرت بها مصر والمرحلة التى تلت الثورة. فقد حوربت مصر بشدة وبضراوة وغرور عندما قال الشعب المصرى كلمته فى أن يعيش فى ظل حكم مؤسسات لا حكم جماعة أو طائفة. وحوربت مصر بضراوة وروج على أن ما يحدث فى مصر انقلاب عسكري. وبدأت وسائل الإعلام الدولية وعدد من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة فى الترويج أن السلطة المصرية غير شرعية لتعلن الحرب على الربيع المصري. وقد خاضت مصر خلال ٣ سنوات معركة خارجية، اقتصادية/سياسية، استطاع معها الرئيس عبد الفتاح السيسى أن يدير تلك المعركة بذكاء بجانب المعارك الثلاث التى كانت مصر تخوضها. وتم إجبار العالم على الاعتراف بشرعية وأصالة وحكمة الرئيس الجديد والذى قام الرئيس الأمريكى دونالد ترامب خلال زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى واشنطن بعد تنصيب الرئيس الأمريكى الجديد، بوصفه بأنه «شخص قائم بمجهود رائع فى موقف صعب وأنه هو شخصياً يساند الرئيس ويقف وراء مصر وشعب مصر». ثم تتوالى الحقائق ويفتح العالم أعينه على حقيقة موقف استثمرت فيه مصر وقيادتها الدبلوماسية لكى تتحرك الدول تجاه مصر بإيجابية حيث إن معركة الإصلاح الاقتصادي، بدون شراكات دولية، لن يكون لها قيمة. إن المعركة الرابعة تلك، لا يذكرها الباحثون أو المحللون هى ومازالت أشد ضراوة، ولكنها أشد نجاحاً. فمثلما ضرب الشعب المصرى مثالا فى الصمود والتحدى والنجاح فى عبور الأزمات الاقتصادية، والاجتماعية، كان الرئيس عبد الفتاح السيسى يخوض معركة أخرى نصفها شخصى بعد أن اتهم بالاستيلاء على السلطة، ونصفها لصالح الاعتراف بحق شعب فى العيش بأمان، حينها خاض الرئيس عبد الفتاح السيسى معركة الدبلوماسية الاقتصادية بقلب القائد وعقل الاستراتيجي.
٧٠ زيارة دولية وآلاف الكيلومترات فى أرجاء الأرض يخطها الرئيس على مدار ثلاث سنوات ليثبت دعائم الدولة المصرية خارجياً وليروج للتجربة المصرية وللنجاح المصرى فى التعامل مع الأزمة الاقتصادية المصرية وفق رؤية مصرية وطنية خالصة تمت بصدق وصاغت معها مصر استراتيجية مصر للتنمية حتى عام ٢٠٣٠».كانت زيارة السيد الرئيس إلى المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة حين ترأس وفد مصر فى أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة فى دورتها الـ ٧٢ فى تحرك كان هدفه الترويج للملف المصرى السياسى والاقتصادى فى المقام الأول وحملة عدد من الملفات الاقتصادية والتنموية والاجتماعية وقبلها زيارات ثلاث إلى نيويورك للمشاركة فى أعمال اجتماعات الدورات الـ ٦٩، والـ ٧٠، والـ ٧١ للجمعية العامة للأمم المتحدة على التوالى وإلقاء كلمة مصر فى أكبر محفل دولي وطرح مبادرة «الأمل والعمل من أجل غاية جديدة» أمام الدورة السبعين للأمم المتحدة واختيار مصر عضوا فى مجلس الأمن للمرة السادسة ولتعود مصر شمسك الذهب.
لقد قام الرئيس بأكثر من مائة لقاء مع قادة وزعماء الدول ورؤساء الحكومات والكيانات الاقتصادية الدولية للترويج للملف المصرى وللتجربة المصرية فى بناء الأمة والترويج لمصر الدولة ذات التراث والتاريخ ولرؤيتها فى مكافحة الإرهاب والجهود التى تبذلها الدولة المصرية داخلياً وخارجياً، ولم يكن اعتراف العالم الآن بالدور القطرى فى تمويل وإدارة الإرهاب، إلا نتاج عمل دؤوب وبزيارات ولقاءات ذكية للرئيس مع العديد من الأطراف الدولية. لقد كانت الدبلوماسية المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى ورجال الخارجية لمصرية مؤخراً فى خدمة الاقتصاد المصرى والأمن المصري. ولم يكن لينجح الملف الاقتصادى المصرى خارجياً لولا النشاط المكثف للسيد الرئيس لدعم الاقتصاد والترويج للبيئة المناسبة التى تعمل عليها مصر لجذب الاستثمارات الأجنبية وتوظيف تحركات القيادة السياسية لخدمة الاقتصاد وعملية التنمية.
زيارة السيد الرئيس الأخيرة إلى طوكيو كأول رئيس مصرى يزور اليابان منذ ١٦ عامًا وتوقيع ٣ اتفاقيات و١٥ مذكرة تفاهم فى مختلف المجالات ومشاركته فى قمة دول “البريكس” ومحادثاته مع الصين وروسيا والهند والبرازيل وعقداتفاقيات مع الجانب الصينى أبرزها تدعيم طريق الحرير بجانب اجتذاب الشركات الصينية للاستثمار فى مصر هو نجاح لم يتحقق من قبل.زيارة السيد الرئيس إلى المجر لحضور قمة «الفيش جراد» أو علاقته مع سنغافورة وزيارته لكوريا الجنوبية ومؤخرا الزيارة العبقرية إلى فيتنام رأينا فيها الراية المصرية ترفرف شرقاُ وغرباً، ومع اتفاقيات اقتصادية جديدة تساهم فى دعم الاقتصاد المصرى وخلق فرص عمل.
وهل يجب الحديث عن زيارات السيد الرئيس إلى إفريقيا والتى استحوذت على ٣٠ فى المائة من جولاته لتدعيم أواصر مصر ومساندة التنمية مع دول «حوض النيل»أو زيارات الرئيس إلى «أبو ظبي» قلب الخليج الاقتصادى وما تبعها من تماسك جبهة عربية اقتصادية وسياسية.»مصر عادت شمسك الذهب، ولم تكن تعود لولا المعركة الرابعة والتى يجب أن نعطيها حقها من الاهتمام والتقدير، وقبل أى شيء الفهم والإدراك.