هيقعدنى في البيت.. وينطلق
أكتب هذه السطور ويدي لا تطاوعني، ربما ترتعش من هول الكلمات، والكيبورد يصرخ بأصوات تكتمه الحروف اصمت، لا تفضح أمرك لا تكشف خوفك من هذا الشخص الذي سيجلسك في البيت أو تبحث عن مهنة أخرى، لتترك بلاط صاحبة الجلالة الذي قضيت فيه ما يناهز الربع قرن، ولكنني أقاوم صرخاته لأكتب عن الغول الذي بدأ يكبر ويتوغل وينتشر ويحل محلي في العمل، نعم سيحل محلي بل ستتخلى عني صاحبة الجلالة التي طالما صالت وجولت في بلاطها وتستبدلني بكل سهولة بعد أن كنت أسيرها أتحرى الدقة وأسعى وراء الخبر وأجمع المعلومات لأحللها وأقدم خدمة للقارئ، كل هذا سيذهب سدى وأصبح ما كتبت رقما في أرشيف قديم.
الغول ولد من سنوات وبدأ يكبر ويتطور بسرعة كبيرة ربما أبطئ من سرعة الصوت، لن أكون أنا الوحيد الصحفي الذي يلتهمني بل سيلتهم كل من يعمل في حقل الإعلام «مقروءا ومسموعا ومرئيا» هذا الغول حذرت منه المقال الماضي وما زلت أحذر فهو بلا مشاعر لا يرحم ولا يشفع، لا يفكر إلا في نفسه يتطور ويتغذى على ما قمنا به من إبداعات ليخلق عالمه الإبداعي.
هذا الغول أصبح قادرا على محاكاة السلوك البشري الذي سيكون البشر أول ضحاياه، إنه الذكاء الاصطناعي الذي دخل مجال الميديا بقوة وأصبح يلتهم كل شيء وأي شيء صاحب التقنيات المذهلة فمنذ جائحة كورونا وسعت كل المؤسسات الإعلامية الكبرى لخلق تقنيات حديثة به وبدأت في استحداث ثورة في صياغة الإعلام سواء الصادقة أو الكاذبة التي استخدمت بقوة في حروب الجيل الرابع ومع نموه واختراقه المكان والزمان لن يقف أمامه شيء معتمد على الخوارزميات التي تجمع وتحلل البيانات، فمنذ سنوات قليلة قامت وكالة الأنباء الصينية «سينخوا» ببث حديث لأول مذيع افتراضى تم فيه دمج التسجيل الصوتي والفيديو فى الواقع الحقيقي مع شخصية افتراضية من خلال تكنولوجيا محاكاة قدرات الإنسان الذهنية وبعدها بفترة ظهرت المذيعة «كيم» الكورية الجنوبية لتقرأ نشرة الأخبار مع مذيعة حقيقية، المدهش في الأمر أنهما تبادلا الحديث معا حول تحليلات الأخبار.
في عالم الصحافة ظهرت تقنيات إنتاج مواد صحفية من أخبار وتحليلات وقصص إخبارية بواسطة الذكاء الاصطناعي، وتحدث ماثياس دوبفنير المدير التنفيذي لمجموعة الإعلام الألمانية «إكس سبرانجر» وقال «إن الصحفيين معرضون لخطر استبدالهم بأنظمة الذكاء الاصطناعي».
معنى هذا يا سادة اندثار مهنة الصحفي والمعد والمصور والمذيع وكل عناصر مهن صناعة الإعلام لأن كل هؤلاء سيقوم السيد الاصطناعي بمهامهم وبكفاءة عالية لا يوجد بها نسب للخطأ وستوفر المؤسسات الإعلامية أجورهم، وليس هذا فقط بل يمكنه أن يعيد إحياء نجوم الإعلام مرة أخرى فنرى الراحلين أحمد سمير وحمدى قنديل وهيكل وهمت مصطفى وغيرهم يقدمون نشرات الأخبار أو برامج التوك شو أو حتى برامج الطبخ.
وكشفت شركة أبحاث الذكاء الاصطناعي «أوبن أيه آي» عن تحديث روبوت الدردشة «تشات جى بي تى فور» ليصبح قادرا على إنشاء وتحرير النصوص والتواصل مع المستخدمين فى مهام الكتابة الإبداعية وتأليف الأغاني وكتابة السيناريوهات وهي الميزة التى ميز الله بها البشر منذ نزول آدم على الأرض فالابتكار الإبداعي أصبح لدى السيد الاصطناعي.
ربما يظن البعض أننا بعيدون عن هذا وأن هناك سنوات تفصل دخول هذه التقنيات مصر وهم واهمون لأنها بدأت تستخدم بالفعل فهناك تجارب مصرية فى دخول الذكاء الاصطناعى عالم الميديا المصرية منهم ما قام به الكاتب الكبير أشرف مفيد من تسخير الذكاء الاصطناعى فى عالم الصحافة من خلال بوتات يدربهم على مهارات العمل الصحفى فى تخصصات معينة لضمان دقة المحتوى فالأمر لم يعد بعيدا، ومع هذا سأقاوم ولن أستسلم للسيد الاصطناعى بل سأحاول ترويض الغول وأجعله أداة ولن أجلس فى البيت أو أبحث عن مهنة أخرى.