الجمعة 19 ابريل 2024

ثورة 30 يونيو ومستقبل وطن


د. إكرام بدرالدين أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

مقالات8-6-2023 | 21:40

د. إكرام بدرالدين أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

استطاعت مصر بعد ثورة 30 يونيو أن تحتل مكانة مهمة ومتميزة على المستوى الدولى والإقليمى وذلك من خلال اتباع سياسة خارجية متوازنة ومتعددة المحاور

من التغيرات المهمة المترتبة على ثورة 30 يونيو اللجوء إلى الحوار كبديل عن الصدام والصراع ولعل أقوى مؤشر لذلك الحوار الوطنى الذي دعى إليه السيد الرئيس

أحدثت ثورة 30 يونيو تغيرات مهمة فى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، حيث يمكن الإشارة إلى المشروعات العملاقة القومية التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة

تعرف الثورة بأنها احداث تغيرات مهمة وجوهرية فى فترة زمنية قصيرة نسبيا فى مجالات مختلفة اقتصادية، أو سياسية ، أو اجتماعية، فالثورة الصناعية على سبيل المثال أحدثت تغيرات جوهرية فى الفن الإنتاجى وأدت إلى التحول من الاعتماد على القدرة العضلية للعمالة إلى الاعتماد على الآلة البخارية والتي أدت إلى زيادة هائلة في الإنتاج وإلى التحول إلى الإنتاج الكبير Mass production وترتب على ذلك العديد من الآثار السياسية، والاجتماعية، والثقافية والتى عرفتها المجتمعات الصناعية، ويمكن الإشارة أيضا إلى ثورة 23 يوليو فى مصر والتي أحدثت تحولات مهمة في بنية المجتمع وفلسفته من الجوانب السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية مما أدى إلى تغيرات مهمة وجوهرية فى المجتمع وسياساته، ويمكن الإشارة أيضا إلى نماذج أخرى للثورات والتى أحدثت تغيرات شاملة في مجتمعاتها كالثورة الفرنسية، والثورة الأمريكية، والثورة الروسية وغيرها من الثورات، وبتطبيق ذلك الإطار الفكرى على ثورة 30 يونيو في مصر نجد العديد من الآثار والتغيرات الجوهرية التي ترتبت عليها من مختلف الجوانب السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية مع ملاحظة عدم الانفصال بين هذه الجوانب المختلفة، بل يتأثر كل منها بالآخر ويؤثر فيه.

فمن الناحية السياسية: أحدثت ثورة 30 يونيو العديد من التغيرات في السياسة الخارجية، والسياسة الداخلية المصرية، فمن حيث السياسة الخارجية استطاعت مصر أن تحتل مكانة مهمة ومتميزة على المستوى الدولى والإقليمى وذلك من خلال اتباع سياسة خارجية متوازنة ومتعددة المحاور، ولم يعد العالم بالنسبة لمصر يقتصر فقط على عدد محدود من الدول كالولايات المتحدة، ودول أوروبا، بل انفتحت مصر على العالم ككل وتعددت محاور السياسة الخارجية المصرية حيث يمكن الإشارة إلى محور التوجه نحو الشرق، ويقصد به التوجه نحو القارة الأسيوية ذات الأهمية السياسية، والاستراتيجية فى العالم المعاصر والتى تضم الصين،والهند، واليابان، ودول النمور الآسيوية، كما عرفت السياسة الخارجية المصرية محور التوجه نحو الجنوب أى نحو القارة الإفريقية والتى ترتبط بها مصر ارتباطا مصيريا، ونشطت الدبلوماسية المصرية في اتجاه تدعيم العلاقات مع الدول الإفريقية، وتدعيم التعاون المشترك معها، واهتمت السياسة الخارجية المصرية أيضا بالتوجه نحو الدول العربية، ودول الخليج، والتأكيد على ارتباط الأمن القومى المصرى بالأمن القومى العربى، وتكثيف التعاون المشترك مع الدول العربية، والعمل على إيجاد حلول للملفات الساخنة فى المنطقة العربية، كما كانت هناك أيضا درجة كبيرة من الاهتمام بقضية العرب الأولى وهى القضية الفلسطينية والتى بذلت فيها مصر العديد من المبادرات، والتأكيد على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى.

ويلاحظ أن هذه المحاور المتعددة فى السياسة الخارجية المصرية أى التوجه نحو الشرق، ونحو الجنوب لم تكن على حساب العلاقات المهمة والاستراتيجية بالولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوربى مما أعطى للسياسة الخارجية المصرية المزيد من الزخم، والتوازن، والمرونة، وبعبارة أخرى فإن ثورة 30 يونيو قد أحدثت تحولات وتغيرات مهمة وإيجابية في السياسة الخارجية المصرية مما أكسبها المزيد من القدرة على التأثير في المنطقة، والإقليم، وعلى المستوى الدولى، حيث حصلت مصر على عضوية مؤقتة في مجلس الأمن الدولى والذى يعتبر بمثابة الجهاز التنفيذى للأمم المتحدة، حيث فازت مصر بمقعدها في مجلس الأمن لمدة عامين (2016-2017) وهى مدة العضوية المؤقتة في المجلس، واستطاعت مصر أن تقوم بدور مهم نتيجة لهذه العضوية في الدفاع عن القضايا العربية، والإفريقية، وقضايا السلم والأمن الدوليين مما عزز من مكانتها الدولية وخصوصا لمشاركتها في عمليات وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وبالنسبة للمستوى الإفريقى فقد تولت مصر رئاسة الإتحاد الإفريقى في عام 2019 لمدة عام مما ساعد على تزايد نشاطها وثقلها على المستوى الإفريقى، ودعم ارتباطها بقضايا القارة الإفريقية.

كما شهدت مصر ايضا عقب ثورة 30 يونيو نشاطا مكثفا فى إطار دبلوماسية القمة، أى دبلوماسية القادة ورؤساء الدول وهو نمط مستحدث نسبيا من الدبلوماسية يختلف عن الدبلوماسية التقليدية، وغالبا ما يكون محدودا من حيث الزمان ولكن تترتب عليه نتائج شديدة الأهمية، وقد شهدت مصر نشاطا مكثفا فى إطار دبلوماسية القمة تمثل في لقاءات عديدة مع مختلف قادة العالم سواء في داخل مصر أو خارجها يتم خلالها بحث مختلف القضايا سواء على مستوى تدعيم التعاون المشترك فى العلاقات الثنائية، أو القضايا ذات الاهتمام المشترك، وبحيث أصبحت علاقات مصر وثيقة وطيبة بمختلف دول العالم، ويعبر ذلك أيضا عن تغيرات وتحولات مهمة وإيجابية في الدبلوماسية المصرية، وفى السياسة الخارجية المصرية.

وشهدت السياسة الداخلية بدورها تغيرات تتمثل فى الاهتمام بمختلف فئات وقطاعات المواطنين ويمكن الإشارة على سبيل المثال إلى الاهتمام المكثف بالشباب وقضاياهم ، وذلك باعتبار أن المجتمع المصرى من المجتمعات الشابة حيث يمثل الشباب قرابة ثلثي المجتمع، ولعل من أهم المؤشرات التى تعكس الاهتمام الكبير من جانب الدولة والقيادة بالشباب تنظيم مؤتمرات الشباب والتى يشارك فيها شباب مصر ونخبة من شباب العالم، وبحضور كبار المسئولين فى الدولة على المستوى التنفيذى، والتشريعى، وإجراء حوار مباشر مع الشباب والتعرف على أفكارهم وطموحاتهم، كذلك من التغيرات المهمة في هذا الإطار فتح المجال للشباب للتمثيل فى مختلف المناصب والمجالس التشريعية والتنفيذية، ويمكن الإشارة على سبيل المثال إلى تخفيض سن الترشح في مجلسى النواب والشيوخ مما ساعد على زيادة تمثيل الشباب في مجلسى السلطة التشريعية وبطريقة غير مسبوقة من قبل، كذلك تمت الاستعانة بالشباب على المستوى التنفيذى، وعلى مستوى المحافظات حيث تولت عناصر شابة مناصب نواب الوزراء، ونواب المحافظين، كما وجهت الدولة أيضا درجة من الاهتمام المكثف بقضايا المرأة وتمكين المرأة، ومن مؤشرات ذلك إفساح المجال للمرأة لتولى مناصب مهمة فى الدولة لم تكن تتولاها من قبل، أو لم تكن تتولاها بهذه النسبة، ويمكن الإشارة على سبيل المثال إلى زيادة تمثيل المرأة في السلطة التشريعية والتفيذية، فوفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فإن المرأة حصلت على 6 حقائب وزارية داخل مجلس الوزراء في التشكيل الوزارى الأخير، أى بنسبة تصل إلى 18% من عدد الوزراء في الحكومة، كما حصلت المرأة على 162 مقعدا في البرلمان سواء من خلال الانتخاب أو التعيين وهى نسبة تمثل 27% من مقاعد البرلمان.

ويمكن القول أن هذه الزيادة في نسب تمثيل المرأة والشباب تعكس درجة مرتفعة من التغيرات الإيجابية في تمكين وتمثيل المرأة والشباب غير مسبوقة، والذين كان يطلق عليهم فى فترات سابقة الفئات المهمشة.

ويمكن القول أيضا أن من التغيرات المهمة على المستوى السياسى والمترتبة على ثورة 30 يونيو اللجوء إلى الحوار كبديل عن الصدام والصراع ولعل أقوى مؤشر لذلك الحوار الوطنى الذى دعا إليه السيد الرئيس والذى يشارك فيه ذوو الآراء والاتجاهات المختلفة سواء من الحزبيين، أو المستقلين، أو الخبراء والمتخصصين، ورغم اخـتلاف الآراء والأفكار إلا أن الجميع يشتركون فى الارتباط بالوطن وقضاياه، والبحث عن أنسب الحلول لمشاكل الوطن وبما يحقق مصالحه العليا، وبعيدا عن الانتماءات والمصالح الضيقة أو الحزبية بل يكون الهدف دوما هو المصلحة العامة، وفي تقديرى أن هذه النظرة تمثل بدورها تغيرا كبيرا عما كان في السابق، وبمعنى آخر فإنه رغم الاختلافات الفكرية وربما الأيديولوجية إلا أن هناك قاسما مشتركا أكبر يضم الجميع ويعملون فى إطاره ويحقق بينهم درجة من التوافق وبحيث لا تكون النتيجة مباراة ذات حصيلة صفرية ، بل هى مباراة الجميع فيها فائزون طالما يعملون تحت مظلة الوطن ومصالحه.

النواحي الاقتصادية والاجتماعية: فبالإضافة إلى التغيرات المهمة والجوهرية التي أحدثتها ثورة 30 يونيو من الجوانب السياسية سواء الداخلية أو الخارجية على النحو السابق إيضاحه فقد أحدثت أيضا تغيرات مهمة وملحوظة فى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، حيث يمكن الإشارة إلى المشروعات العملاقة القومية التي شهدتها البلاد فى السنوات الأخيرة والتى تهدف إلى إحداث تغيرات إيجابية في الخريطة الاقتصادية ومن ذلك على سبيل المثال زيادة الرقعة من الأراضى الزراعية لمواجهة الزيادة السكانية واحتياجاتها المتزايدة، إضافة إلى تداعيات الأزمة الإقعتصادية والغذائية التي يشهدها العالم والتى طرحت آثارها على الجميع، بالإضافة إلى أعمال التطوير التي شهدتها قناة السويس وما ترتب من آثار ايجابية باعتبارها أحد أهم مصادر الدخل للاقتصاد القومى، ويضاف إلى ذلك أعمال تطوير المنطقة الصناعية بمحور قناة السويس بهدف اجتذاب الاستثمارات العالمية، وايضا إقامة المدن الجديدة، وأعمال تطوير وتنمية سيناء باعتباره مشروعا قوميا يمكن الاستفادة من ثرواته المعدنية، وأهميته السياحية واستصلاح الأراضى، وتخفيف الاكتظاظ السكانى فى الوادى والدلتا وبما يعود بالنفع على أبناء الوطن جميعا، كما اهتمت الدولة أيضا بالسياسات الاجتماعية التي تهدف إلى تخفيف الأعباء قدر الإمكان عن كاهل المواطنين، ونشير في ذلك إلى وضع حد أدنى للأجور والمرتبات، والعمل على زيادة الأجور والمرتبات، والاهتمام بالمناطق والقرى الأكثر احتياجا من خلال توفير المرافق، والسكن الآدمى، وتطوير العشوائيات.

ويمكن القول فى النهاية أن هذه التغيرات الجوهرية التي شهدها الوطن عقب ثورة30 يونيو سواء من الناحية السياسية ، أو الاقتصادية ، أو الاجتماعية واستمراريتها هى التى تصنع المستقبل الأفضل للوطن .