أبنائكم غرس العمر إما أن ينمو ويروى بالحب، أو أن تفقدوه وتحولوه دون قصد إلى شخصية مدمرة لنفسها والمجتمع إذا اسقطوا عليهم آلامكم واضطراباتكم الداخلية ومشاكلكم اليومية.
وبحسن نية يقع الآباء في فخاخ التركيز على الخطط التربوية الصارمة وبالنظم التعليمية الحديثة المكلفة جدا، دون الاهتمام بالجانب الأهم في التنشئة وهو تنمية مشاعر الصغار وتغذيتها بالحب، فغالبية الأسر لا يعرفون كيف يعلمون أبناءهم بانهم محبوبين لديهم، وأن وصحتهم النفسية أهم من تحصيلهم الدراسي، حتى وإن أخطأوا فإننا لا نكره ذواتهم وإنما نكره سلوكهم الخاطئ.
آلاف الأطفال قد شبوا في محيط أسري مشحون بالغضب والفظاظة والعنف والقسوة التي لا يجد لها الطفل مبررًا حتى يشعر مع الوقت انه شخص غير مرغوب فيه.
وتتأكد هذه المشاعر عندما يترجم الأبوان سلوكهما معه إلى رفض لمعظم رغباته ويضيقان على فرص التسامح عند خطئه ويؤنبانه ويعاقبانه لأتفه الأسباب، مما يبعث بداخله مشاعر الخوف وانعدام الأمن والسلام الداخلي.
قد يحرص الآباء على إشباع حاجات الطفل من طعام وشراب لكنهما يغفلان عن حاجته الأساسية للحب والعطف والحنان واحترامه وعدم تحقيره وتعزيز ثقته بنفسه.
بينما يخطئ الآباء كثيرا عندما يربطون حبهم للطفل بما يحققه من نجاح فإذا فشل الطفل يشعر بتناقص حبهما له، فالطفل الذي يشعر بنقص الحب والحنان يفتقر إلى احترام ذاته ويفشل عندما يكبر في إقامة علاقات اجتماعية سوية، بل انه قد ينجذب الى العلاقات المنحرفة والمؤذية، ويعجز عن إعطاء الحب لغيره لشعوره الداخلي بعدم الأمان وسيطرة مشاعر الشك فيمن حوله.
وهناك عوامل عديدة تسرب إلى داخل الطفل انه غير مرغوب فيه ومنها ظروف الطفل الذي يضطر للعيش مع زوجة والده بعد انفصاله عن أمه، فهو يشعر بالعداء والكره تجاه زوجة والده.
وقد تتحمل الأم المطلقة مسئولية تربية أطفالها والإنفاق عليهم فتعيش صراع داخلي بأنها تكبدت مسئولية فوق طاقتها وتؤدي دور الأب والأم معا وإنها عاجزة عن الوفاء بذلك، فتحبط كثيرًا وتصب إحباطاتها وانفعالاتها في صغارها لا شعوريا منها، فتقوم بتوبيخهم وضربهم بقسوة، واحيانا تحميلهم مسئولية إخفاقها في حياتها الخاصة دون ذنب منهم، فيشعر الصغار بعدم الأمان.
وكثيرا ما يهرب الصغار إلى الشوارع هربا من جحيم البيت وقسوته، وتمتلئ مؤسسات رعاية الطفولة بالمئات من الأطفال الأحداث الذين ألقي عليهم القبض بتهمة التشرد نتيجة القسوة التي يعاملون بها داخل أسرهم.
قد يلجأ الطفل إلى التخريب ومعاكسة والديه و التمرد على سلطتهما، رغبة منه في معاقبتهما علي عدم حبهما له، أو قد يسقط هذا العقاب على ذاته على شكل سلوك مازوخي يقوده إلى إيلام والديه، مثل إهمال دروسه، وتعمد الفشل لإدراكه بأن فشله سيغضب والديه ويؤلمهما، وهذا الشعور يعطيه صورة سلبية عن ذاته وقد يدفعه إلى الانحراف.
كما قد يلجأ الطفل، إلى الصمت، كرد فعل على ما يعانيه من إحباط وتجاهل وانعدام الشعور بالأمن والحب، خاصة إذا كان يعيش في بيئة قمعية، فالعدوانية أو الصمت كلاهما انعكاسًا لفقدان الطفل للحب والعطف والحنان.
سلاحي الحب والاحترام
لعلاج شعور الطفل بانه منبوذ أو غير مرضي عنه، فعلى الوالدين الإسراع بإظهار مشاعر احترام شخصية الطفل ويعاملانه بحب وعطف في جميع الحالات عندما يفشل وعندما ينجح وعندما يخطئ فحب الأهل غير مشروط وهذا لا يعني أبدًا عدم توجيهه و تعليمه وإرشاده ونصحه وحتى تأديبه ولكن كل هذا بحب.
والمشكلة بنظر المعالجين النفسيين ليست في كيفية تربية أطفالنا؟ ولكنها تكمن في كيفية التعامل مع من نحبهم، فلا ينبغي التعامل مع أبنائنا على انهم أشخاص تابعين لأحد، بل انهم أشخاص مستقلين لهم حياتهم الخاصة الواجب احترامها طالما هذه الحياة طيبة و مستقيمة غير مؤذيه له ولغيره من أفراد المجتمع أو أفراد الأسرة.
فعلى الوالدين احترام شخصية الطفل ودعم سلوكياته الأخلاقية وقدراته وإظهار مكانته داخل الأسرة، وعدم مؤاخذته على خطأ ارتكبه أو لإخفاقه في تحقيق نتيجة إيجابية حتى لا يشعر الطفل باحتقار ذاته، بل يجب أن نشعره بأن البشر كلهم معرضون للصواب والخطأ، وان التراجع عن الخطأ سهل وبعده يمكن تحقيق النجاح.
وبتقديري، أن تكريس طاعة الوالدين واحترامها في تربية الطفل دونما تخويف أو تهديد، وإنما تحصيل حاصل لاحترامهما وحبهما له، فيكفي أن تشارك طفلك لحظة غضبه وتظهر له حبك فيرتاح نفسيا وتقل نوبة الغضب والاستياء.
كذلك مدح الطفل على أي سلوك جيد يجعل هذا السلوك متكرراً مستقبلاً، ومنحه المكافآت المادية من حلوى وإلعاب واصطحابه برحلة ترفيهية، فتأديب الطفل يجب أن ينطلق من قاعدة الحب الراسخة و جعل القدوة الحسنة للطفل بالأفعال وليس الأقوال فمهما كررت الكلام أمامه فالأفعال أوقع وأكثر تأثيرًا.
كما أود أن أنوه أن الطفل في اشهره الأولى و سنواته الأولى لا يتوقع إلا كامل الحب والحنان من والديه والإسراف في رعايته والاهتمام به وتدليله تمامًا كما تفعل القطه الأم مع صغارها
لا أنكر أن التربية تبدأ من اليوم الأول في عمر الطفل وربما في بطن أمه ولكن إن لم يتغذى ويكتفي بكامل الحب والعطف في هذه المرحلة سينمو طفلا غير سويًا على الإطلاق
فبهذه المرحلة مازال الطفل يأخذ كل شي ولا يستطيع العطاء فلكل مرحلة طريقتها فإن كبر قليلا نعطيه الحب كاملًا وننتظر منه تحمل بعض المسؤولية و الواجب حسب عمره وتحمله.
ولا شك أن إغداق مشاعر الحب على الطفل خصوصاً في مرحلة الصبا ينمّي قدراته العقلية التخيلية لاستيعاب العالم من حوله وفهمه وإدراك المفاهيم المعنية التي تمكنه من إقامة علاقات اجتماعية سوية بسهولة.
أخيرًا، فان أملنا في تربية أبنائنا تربية سوية تبقى مرهونة برعاية مشاعر الطفل وبنائها وتنميتها وتعويده على ترجمتها إلى سلوكيات إيجابية تفيده وتفيد مجتمعه.
وهذا يتحقق عندما نحمي الطفل من الأذى والعنف وسوء المعاملة، أو الشعور بالذل والخضوع، وغمر الطفل بمشاعر الحب والاحترام والتقدير والفخر به، وإشعاره بالأمان عند إخفاقه في عمل أو تعرضه لمشكلة.