الأحد 2 يونيو 2024

الحرية في المدشر العربي

مقالات26-6-2023 | 14:20

حول الإنترنت العالم إلى قرية صغيرة، وأضحى وطننا العربي عبارة عن مدشر من مداشر هذه القرية. ولم يعد ما يجرى في بيت من بيوت هذه المداشر خافيا عن ما سواه.

مع هذه التحولات المتواصلة أضحى ما يطهى في مصر يطرح على الموائد في المغرب كما أن الطاجين المغربي يسحر أنوف اهل الخليج وهكذا دواليك.

واللافت والمؤسف أيضا أن العادات السيئة أضحت تنتشر بسرعة خارقة. 

إن ما يمارسه كثير من النشطاء العرب في وسائل التواصل الاجتماعي تحت غطاء ممارسة الحرية لا يراعي مصالح ومشاعر الغير، ويفضح أنانية كثير من النشطاء الذين نتقسام معهم الانتماء الى المدشر العربي. سعيا لتحقيق نجومية وهمية تجري التضحية بكل  شيء جرى التسليم في القيم الإنسانية ولم تعد مراعاة مدى التأثير السلبي للمزاعم والأخبار الكاذبة والاستهزاء والسخرية على الآخر. 

أنا ومن بعدي الطوفان شعار يرفعه الكثير من رواد التواصل الاجتماعي الذي صار وسيلة للتباعد طالما أنها تبث التفرقة وتشيعها على قدر كبير.

المهم ان أضحك أنا وأنت ونسخر من الآخر أو أن تسخر  أنت واياه مني.

أضحى سكان المدشر العربي في الانترنت يشبهون الجالسين في قاعة الانتظار بعيادة طبيب نفساني يتلذذون بعيوب بعضهم ويسخرون من بعضهم البعض.

المهم بالنسبة لهم ان ينسوا همومهم وان يتجردوا من كل شيء يدل على انسانيتهم.

أضحت الإنسانية رابع شيء تنطقه العرب رغم عدم وجوده، في البدء كنا نتحدث عن الغول والعنقاء والصديق الوفي، ولا بأس إذا أضفنا الإنسانية على الفيسبوك.

تأسيسا على ما سبق يمكن الجزم أنه أصبح للكائن العربي هوية افتراضية مختلفة عن الواقع او المؤمل، هوية تؤكد أن الكثير من العرب تخلوا عن ادميتهم وصاروا يتلذذون بمتاعب الغير ويهتمون بعيوب ربما غير موجودة اساسا.
صار العالم الرقمي يعج بممارسات غير انسانية وغير حضارية، يطبعها الافتراء في غالب الأحيان.  

لا أزعم أنها خاصية عربية لكنها زادت عن حدها بالنسبة لنا، إذ صار مروجو التفاهة والفضوليون نجوما في هذا الزمن الاغبر، زمن لا تجرؤ فيه الابحاث و الموضيع الجادة على أن تحتل أعلى مراتب وتنافس ما تحظى به التفاهة من اهتمام وتبعث لنا رسائل تطمئننا بخصوص الحاضر والمستقبل، وتؤكد أن نظرتنا السوداوية هاته تحمل من المبالغة الكثير وأن الغد أفضل بكثير مما نتوهمه.   

لا نستكثر على المواطن العربي شيئا، وخاصة ممارسة الحرية التي صارت شعار يرفع دون مراعاة الآخر.. ومطلبنا الأساس اعتناق "قانون" الهايد بارك وإعطاء الأهمية لحرية الآخر.