الأحد 5 مايو 2024

السودان الجريح.. هل اتسع الخرقُ على الراتق؟


ياسر عثمان

مقالات1-7-2023 | 20:59

ياسر عثمان

"إذا ما الجُرحُ رُمً على فساد تبين فيه تفريطُ الطبيب".. ليس ثمة مفارقة في الأمر أو دهشة أن تتوسل التحليلات السياسية والرؤى الاستراتيجية بهذا البيت من الشعر وما يختزنه من دلالات لمقاربة المنطلقات والرؤى التي انطلقت منها المبادرة التي تم اقتراحها في ختام اللقاء التشاوري الإقليمي الذي نظمه – منذ أيام في العاصمة الموريتانية نواكشوط بدعم من جهات ومؤسسات دولية وإقليمية- المؤتمر الأفريقي لتعزيز السلم في إطار البحث عن تحقيق السلام في السودان ومنطقة الساحل الإفريقي؛ إذ يتضح من المبادرة مدى إيمان المشاركين فيها والداعين لها ومن قام عليها بأن كل محاولة لترميم الجرح السوداني الراهن وإقرار السلام بين المتحاربين من أهله لا تنطلق من التعويل على تقويض نزعات العرقية والتعصب إنما هي محاولات لترميم الجرح على غير صلاح وعلى غير منهج؛ إذ لا يخفى على كل ذي لب مدى إدراك أصحاب المبادرة لجملة من الأسباب التي من شأنها أن تجهز على أية محاولةٍ لوقف نزيف الدم السوداني والتي من أهمها وفي مقدمتها النزعات العرقية وتواضع نصيب الكثير من الجنود ولا سيما في صفوف قوات الدعم السريع من التعليم والثقافة بما يجعلهم أسرى  في يد من يستخدمهم وقودا للحرب.

وعليه فقد جاءت المبادرة التي تم الإعلان عنها في البيان الختامي للفعالية المشار إليها منصبة على أهمية تشكيل قوافل عدة (قوامها أهل الدين ووجهاء المجتمع من مختلف العرقيات والقبائل)  وتسييرها في مناطق الحرب لإقرار السلام بين المتحاربين.
 ولعل أهم ما تشي به مقترحات المبادرة هو إيمان  أصحابها بأن الخرق في النسيج السوداني لا يزال متسعا على الراتق ما لم ينطلق في سعيه لحل الأزمة هناك من تفكيك المُركَّبات الثقافية النسقية التي تكبل العقل حين تستبد به نعرات الاثنية (العرقية).

وهو ما دعا المبادرة إلى التأكيد على أهمية دعم ومؤازرة وتوسيع نطاق المبادرات المحلية الساعية لإقرار السلام ونبذ العنف، فضلاً عن اقتراحها تشكيل القوافل المشار إليها والمكونة من الشخصيات والرموز المجتمعية للقيام بتبصرة أهل المناطق المتحاربة بمخاطر تلك المركبات النسقية من جهة، وإحياء نقيضها في نفوسهم من قيم التعايش والتسامح من جهةٍ أخرى.

ولا شك في أن رهان المبادرة المطروحة على دور الرموز الوطنية والعلماء ورجال المعرفة والدين ووجهاء القبائل له وجاهته ودوافعه؛ إذ يدرك أصحاب المبادرة من جهتهم وكذلك القوى الإقليمية والدولية المؤيدة لها أهمية مثل تلك المبادرات التي تؤمن بدور (الكاريزما) الدينية والاجتماعية والعلمية في الترويج لقيم التسامح وتقويض نزعات القبلية والعرقية التي تشكل عاملا لا يستهان به في إذكاء نيران الحروب الأهلية خاصة حين يكون ضمن المتحاربين فصائل وميليشيات تم تشكيلها من قبيلة أو مجموعة قبائل بعينها كما هو الحال بالنسبة لقوات الدعم السريع المنبثقة أساساً من ميليشيا الجنجويد التي استعان بها الرئيس السوداني المعزول عمر البشير عام 2003 في حربه ضد المتمردين في إقليم دارفور، حيث تمكنت حينها من إنهاء التمرد وتحقيق النصر للحكومة السودانية على المتمردين و إحكام سيطرتها هناك.


ولعل ثاني ما تشي به تلك المبادرة من دلالات بعد ذلك الذي تم ذكره منها أنها (أي المبادرة) تنطلق من توقعات المبادرين بأن الحرب قد تمتد زمنا غير قصير؛ إذ إنها اقترحت وضع إطار لتنسيق جهود السلام وإنشاء لجنة دائمة للحوار
*كاتب وباحث في الشأن الثقافي والعلوم السياسية.